ثقافة ومعرفة

معركة أجينكور.. وكيف انتصر هنري الخامس عسكريا «بلا شرف»؟

تعد معركة أجينكور إحدى المعارك الحاسمة بحرب الـ100 عام بين إنجلترا وفرنسا، والتي بدأت عام 1337 وانتهت بحلول عام 1453 ميلاديًا تقريبًا، وتكمُن أهمية انتصار الجيش الإنجليزي بقيادة الملك هنري الخامس في التمهيد لغزو نورماندي، من ثم توقيع معاهدة تروا، التي أعلن الملك المنتصر على إثرها وريثًا للتاج الفرنسي عام 1420 ميلاديًا.

ما هي حرب الـ100 عام؟

معركة أجينكور
حرب الـ100 عام.

قبل التطرُّق إلى معركة أجينكور، تجدُر الإشارة أولًا إلى الأسباب الحقيقية لنشوب الصراع المعروف تاريخيًا باسم «حرب الـ100 عام». وطبقًا للمصادر التاريخية؛ كانت حرب الـ109 عام، عبارة عن سلسلة من النزاعات المتقطعة بين إنجلترا وفرنسا حول أحقية البعض بالخلافة المشروعة للتاج الفرنسي، إضافة لملكية بعض الأراضي الفرنسية.

يُعتقد أن شرارة هذه الحرب الطويلة بدأت عام 1337 ميلاديًا، حين زعم إدوارد الثالث، ملك انجلترا، حصوله على لقب ملك فرنسا، على حساب فيليب السادس، لتبدأ سلسلة من المعارك والنزاعات، التي استفاد كلا الطرفين منها على فترات.

في عام 1396، تم الإعلان رسميًا عن هدنة، كان من المفترض أن تستمر لمدة 28 عامًا، وتم تأكيدها بزواج ابنة الملك الفرنسي تشارلز السادس من الملك ريتشارد الثاني، ملك إنجلترا.

ومع وصول الملك هنري الرابع لعرش إنجلترا عام 1399 بعد استيلائه على الحكم عنوة من ريتشارد الثاني، عاشت إنجلترا فترة من التوتر والخلافات السياسية بين النبلاء والبيت الملكي، وانتشرت الفوضى بأنحاء المملكة.

في نفس الوقت، كانت فرنسا تعاني من أزمات سياسية ضخمة، تسبب فيها الملك تشارلز السادس، مما شجّع الملك هنري الخامس على البدء بشكل جدّي في محاولة غزو فرنسا، للمطالبة بأحقية إنجلترا في الاستحواذ على بعض الأراضي الفرنسية.

وبمجرد رفض الفرنسيين مطالب هنري الخامس الإقليمية، وصل وجيشه، المكوّن من 12 ألف رجل، إلى نورماندي عام 1415، وقام بمحاصرة مدينة هارفيلور الفرنسية، التي استسلمت في ظرف 6 أسابيع، لكن في نفس الوقت، أدى طول مدة الحصار إلى تناقص أعداد الجيش الإنجليزي نتيجة للمرض أو الإصابات. لكنّه استمر في الزحف حتى وصل قرية أجينكور، حيث بدأت قصة «معركة أجنيكور» المثيرة.

روايات عن معركة أجينكور

بحلول الـ25 من أكتوبر ‑يوم بدء المعركة- كان جنود الملك هنري يتضورون جوعا، مرهقين، ويعانون من آثار المرض.

-المؤرخ جولييت باركر.

طبقًا لمعظم الروايات المعاصرة، كان الجيش الفرنسي أضعاف عدد الجيش الإنجليزي، حيث فقد جيش الملك هنري الخامس نحو ثُلث جيشه قبل بدء معركة أجينكور من الأساس، نتيجةً للمرض.

تشير التقديرات العامة إلى أن عدد الجيش الإنجليزي بلغ نحو 6 آلاف جندي، بينما تألف الجيش الفرنسي على الأرجح من 20 إلى 30 ألف رجل، فيما يزعم البعض الآخر أن الجيش الفرنسي لم يكن مكونًا سوى من 12 ألف رجل، أي ما يعني ضعف الجيش الإنجليزي، وعلى كل تصُب جميع التقديرات في صالح تفوّق الجيش الفرنسي عدديًا، فكيف تفوّق الإنجليز؟

معركة نصف الساعة

لم تدم المعركة أكثر من 3 ساعات وربما لم تستغرق أكثر من نصف ساعة، وفقًا لبعض التقديرات، في حين أن العدد الدقيق للضحايا غير معروف، فمن المقدر أن الخسائر الإنجليزية بلغت حوالي 400 والفرنسية بنحو 6000.

وفي محاولة لتفسير أسباب تفوّق الجيش الإنجليزي بقيادة هنري الخامس على نظيره الفرنسي الأكثر عددًا، حسب بعض المصادر التاريخية، يُعتقد أن ما تبقّى من الجيش الإنجليزي كانوا رُماة الأسهم، وكانت ساحة المعركة التي وقع عليها الاختيار أخيرا من الجانب الفرنسي ‑بعد عدة مشاورات- سهلا زراعيا منبسطا.

وحدث ما لم يكن متوقعا في هذا اليوم ‑والذي صب في صالح المعسكر الإنجليزي- حيث أمطرت السماء، فانقلب السهل إلى أرض طينية وحلة، وبما أنّ ساحة المعركة تحولت إلى عكس ما تشتهي سفن الفرنسيين، ومع دروع تزن قرابة الـ28 كيلو جراما وعتاد ثقيل يتميز به فرسان الجيش الفرنسي، لم تستطع الخيل الخوض في السهل والتحرك بسهولة وحرية مع هذا الوزن على ظهورها، ووجد الفرنسيون أنفسهم عرضة لسهام الإنجليز، مع عجزهم عن المناورة وتفادي السهام، أما من نجوا، فأصيبوا بالهلع، الذي نتج عنه بعثرة في صفوفهم، ما جعلهم فريسة سهلة للجنود الإنجليز.

استخدم الجيش الإنجليزي تكتيكا جديدا في معركة أجينكور، حيث تخلّى رماة الأسهم عن أقواسهم فور إنهاء مهمتهم ببعثرة خطوط العدو، ومن ثم انضموا للقتال جنبًا إلى جنب مع المقاتلين بالسيوف والفؤوس.

انتصار بلا شرف

أسر الجيش الإنجليزي قرابة الـ1500 من المعسكر الفرنسي، وأمر الملك هنري الخامس بإرسال الأسرى إلى مؤخرة الجيش، للحفاظ عليهم ومن ثم الاستفادة منهم ‑بأي طريق- كما هو متعارف عليه أثناء المعارك.

وللحفاظ على هذا العدد الضخم كان لا بد من التخلي عن جزء ليس بالقليل من الجيش الإنجليزي، لحراسة هذا العدد الضخم من الأسرى الفرنسيين، ما ترتب عليه نقص شديد في الجنود وسط المعركة، وهو ما استغله الفرنسيون وشنوا هجوما معاكسا كاد يقضي على الملك هنري نفسه.

أتت الأوامر بسحب جنود الحراسة من المؤخرة لمؤازرة رفاقهم في ساحة المعركة، ما أتاح الفرصة للأسرى الفرنسيين للتخلص من قيودهم، بل ومهاجمة المعسكر الإنجليزي من المؤخرة، مع هجوم عنيف حاصل من المقدمة وضع الجيش الإنجليزي بين المطرقة والسندان، وباتت الهزيمة قاب قوسين أو أدنى.

هنا لم يكن أمام هنري الخامس إلا أن يقدم على فعلة تستنكرها الأعراف، ويأباها شرف الفروسية، وتخالف القواعد العسكرية المتبعة بين ألد الخصوم، حيث أمر بقتل الأسرى العزل والتخلص من هذا العبء، إلا أن جنوده رفضوا التخلي عن شرف الفروسية وما تربوا عليه، فما كان منه إلا أن طلب من فرقة الرماة ‑لا يتبعون تقاليد الفروسية- القضاء عليهم، وهو ما تم بالفعل، وما كان له الأثر العظيم من تحويل مسار المعركة، وتعديل الدفة مرة أخرى لصالحه ومن ثم انتصاره، رغم خسارته شرف الفروسية.

ما بعد المعركة

معركة أجينكور
رماة الأسهم الإنجليز.

كان للانتصار في معركة أجينكور تأثير ضخم على الروح المعنوية الوطنية الإنجليزية، ما عزز موقع هنري الخامس العسكري، وأضفى شرعية على مطالبته بالتاج الفرنسي.

في نفس الوقت، كانت المعركة ضربة عسكرية كبيرة لفرنسا ومهدت الطريق لمزيد من الفتوحات والنجاحات الإنجليزية، حيث انقسم النبلاء الفرنسيون، ولم يتمكنوا من مقاومة الزحف الإنجليزي في المستقبل القريب.

نتيجة لذلك، تمكن هنري من إخضاع نورماندي عام 1419، وهو انتصار أعقبته معاهدة تروا عام 1420، والتي أعلن على إثرها الملك هنري الخامس وريثًا شرعيًا للتاج الفرنسي.

دعاية عبر التاريخ

معركة أجينكور
الملك هنري الخامس.

بينما تصنف معركة أجينكور على أنها أحد أكثر الانتصارات أحادية الجانب في تاريخ العصور الوسطى، لم يكن لها أي آثار كبيرة على نتيجة حرب الـ100 عام، فعلى مدار العقود التالية للمعركة، استعادت فرنسا باريس ونورماندي والعديد من المناطق الرئيسية الأخرى. وبحلول عام 1453، كان الإنجليز قد فقدوا ما يقرب من جميع أراضيهم الفرنسية.

ومع ذلك، أصبح الانتصار في معركة أجينكور جزءًا أصيلًا من الأسطورة الوطنية الإنجليزية، حيث تم الاحتفال بالمعركة في أشعار وتراتيل وطنية، وخلّدها الكاتب الأشهر ويليام شكسبير لاحقًا في مسرحيته «هنري الخامس».

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، ففي التاريخ المعاصر، تم استخدام هذه المسرحية، التي تتضمن سردًا لمعركة أجنيكور، للحفاظ على الروح المعنوية للجمهور خلال الحرب العالمية الأولى، وشجع ونستون تشرشل لاحقًا أحد منتجي الأفلام، لإصدار فيلم يحمل نسخة منقحة في المسرحية، لرفع حماس المواطنين الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى