رياضة

«غرفة العقل».. السر العلمي وراء نجاحات ميلان في عصره الذهبي

خلال الفترة الذهبية لإيه سي ميلان الإيطالي بين 1986 و2009، استطاع الفريق الذي لُقّب بالبيغ ميلان حصد نحو 21 كأسا مختلفة، خلال 23 عاما، تحت قيادة مُختلف المدربين، بدءًا من العرّاب أريجو ساكي، وصولا لكارلو أنشيلوتي، الذي استطاع تأمين آخر بطولات العملاق الإيطالي الأوروبية.

ووسط كُل الإشادات بمدى قُدرة سيلفيو بيرلسكوني، رئيس النادي الأسبق، على توفير أفضل اللاعبين والمدربين لجمهور فريقه، والثناء على تفرُّد كل عنصُر من عناصر تلك المنظومة الرائعة، لم يتطرّق الكثيرون للأسباب التي شحذت همم هؤلاء اللاعبين، ومنعتهم من الوقوع فريسًا للاضطرابات النفسية المُختلفة.

مرحبًا بك، هل سمعت من قبل عن غرفة العقل؟

صُدفة خير من ألف ميعاد

إيه سي ميلان
الدكتور برونو ديميكليس.

قبل استحواذ برلسكوني على ميلان بنحو 15 عامًا، كان هنالك مراهقا يعاني مع حادثة غريبة، المراهق الإيطالي المدعو برونو ديميكيليس، والذي كان أحد رياضات الدفاع عن النفس كهاوٍ، اصطدم بتعرضه لخسارة مفاجئة أمام منافسٍ ياباني أقل جودة وشهرة منه.

في الواقع، تأثر ديميكليس كثيرًا بهذه الخسارة، لأنها ‑حسب رأيه- لم تكُن مبررة، فلم يكن منافسه أفضل منه تقنيًا ولا لياقيًا، لكنه بشكلٍ ما لم يستطع التفوُّق عليه، لأنّه ياباني.

بالنسبة لي، لم يكن اليابانيون مجرد أساتذة، كانوا أبطالا، ونفسيًا، لا تستطيع أن تهزم بطلك المفضل.

الدكتور برونو ديمكليس.

استرعى التأثير النفسي على أداء الرياضيين اهتمام برونو، وأثارت هزيمته أمام منافسه الياباني تساؤلات عِدّة بداخله، جعلته يعود إلى إيطاليا محاولًا الحصول على إجابة لها. وفي الواقع، لم يستطع الحصول على إجابة، سوى بعد الحصول على دكتوراة في علم النفس.

مع مرور الوقت، حصَل ديمكليس على وظيفة كمستشار نفسي لمجموعة Finnivest الإعلامية، المملوكة لـسيلفيو برلسكوني. وبعد تحقيقه نجاحٍ ملحوظٍ مع موظفي المجموعة، وتزامنًا مع استحواذ رئيس وزراء إيطاليا السابق على نادي إيه سي ميلان عام 1986، وجد الرجُل الفرصة سانحةً لكي يُطبّق مفاهيمه، لكن هذه المرّة في عالم كرة القدم.

غرفة العقل

إيه سي ميلان
غرفة العقل.

بعد اجتماع دام لساعتين ونصف، وافق برلسكوني على فكرة ديمكليس، ليتم تعيين الأخير كـمنسق علمي لنادي إيه سي ميلان، ليصبح بذلك النادي الإيطالي الوحيد المُهتم بالجانب النفسي من اللُعبة، لكن بشكلٍ احترافي.

بعد بدايةٍ ناجحة للفريق رفقة أريجو ساكي، أصبح وضع برونو أكثر أهمية للنادي، ما دفعه لحث المسؤولين على الاستثمار في فكرة، اعتقد أنّها قد تُغيّر شكل التعامل مع اللاعبين للأبد، ألا وهي غرفة العقل.

كان الهدف من إنشاء إيه سي ميلان لغرفة العقل، طبقًا لبرونو ديميكليس، أن يستطيع القائمون على الفريق تحديد النمو النفسي، ودعمه علميًا، وفي النهاية ربط كُل ذلك وترجمته لأداء أفضل على أرض الملعب.

كانت غرفة العقل عبارة عن غرفة تكفي 8 أشخاص، مجهزة بكراسي مضادة للجاذبية، ومعدات متطورة تتضمن أجهزة كشف الكذب لمراقبة المؤشرات الحيوية مثل؛ ضغط الدم ومعدلات التنفس. وفي النصف الآخر من الغرفة، يجلس أستاذ علم النفس، محاولًا استنتاج الحالة الذهنية للّاعبين، بناءً على حالاتهم الفسيولوجية.

وفقا لديميكيليس، ساعدته الغرفة على دعم اللاعبين ومساعدتهم على التعافي جسديًا، لكن الأهم تطوير خصائصهم النفسية مثل الثقة، ومهارات حل المشكلات، وتقليل حدة الأحاديث الداخلية على اللاعبين.

الأحاديث الداخلية أحد أخطر ما يؤثر على اللاعبين، لأنّها تلاحقهم عادةً في لحظات الضغط، وهو ما تعرّض له لاعبين بحجم باريزي، دونادوني وروبيرتو باجيو.

شباب إلى الأبد

إيه سي ميلان

بسياق متصل، بالإضافة إلى تخفيف التوتر والتدريب المعرفي، ركزت غرفة العقل أيضًا على تحسين سرعات رد فعل اللاعبين باستخدام ما يعرف باختبارات وقت الاستجابة.

ساعدت هذه الفكرة على تقليل الوقت الذي يستغرقه اللاعبون للرد على المواقف المتغيرة بسرعة على أرض الملعب، وكانت بعض نتائج تطبيق هذه الطريقة واضحة في قدرة مدافعي الفريق أليساندرو كوستاكورتا وباولو مالديني مَد مسيرتهما المهنية حتى حدود الـ40 من العمر.

لا يمكنك تدريب لاعبين يبلغون من العمر 37 عامًا ليصبحوا أسرع جسديًا، ولكن يمكنك تدريبهم ليصبحوا أسرع في تحليل المواقف.

إذا تمكنوا من معالجة البيانات بسرعة أكبر، فيمكنهم اتخاذ قرارات أسرع. ولهذا السبب تمكنا من الحفاظ على الاستمرارية داخل الملعب.

كان الهولندي كلارينس سيدورف أحد أكثر المعجبين بغرفة العقل، حيث وجد فيها طريقةً مثالية لتطوير ذاته، حتى أنّ اختبارات الفريق الطبي للنادي، أظهرت أن عُمره البيولوجي وقتما كان في الـ31، لا يتخطى سن الـ26.

وفقًا لديميكيليس، فإن الأساليب التي ساعد في تقديمها ساهمت في تقليل إصابات الأنسجة الرخوة بنسبة 91 ٪ خلال فترة وجوده في النادي، بفضل غرفة العقل في المقام الأول.

في كتابه الخالدون، أشاد أريجو ساكي بمختبر ميلان، لدرجة أنه وصف ديميكيليس بأنه عالم النفس الذي يحتاجه المدرب أكثر من اللاعبين، بينما لم يتوان كارلو أنشيلوتي عن الإشارة إلى القيمة التي أضافتها غرفة العقل لعمل الفريق؛ الأمر الذي استدعى توظيفه لديميكليس أثناء فترة عمله مع تشيلسي الإنجليزي.

حقيقةً، ربما تبدو هذه الأفكار عادية في وقتنا الحالي، لكن حين نتذكّر أن ديميكليس قام بتنفيذها بالثمانينيات، ربما يختلف تقديرنا لها، حتى وإن كانت بسيطة بقدر بساطة فلسفة ديميكليس حين شرح قصته مع غرفة العقل بـإيه سي ميلان:

لقد طورنا مهارات مثل: التعافي، الانتباه، القدرة على التحمل، والسرعة في تحليل المواقف واتخاذ القرارات، لكن الفرق هو أن لاعبينا كانوا قادرين على تنفيذ هذه المهارات تحت الضغط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى