تتمتَّع ماكينات الصرّاف الآلي (ATM) حول العالم بنظام تأمين مُحكم للغاية، ويرجع الفضل في ذلك لتشفير البيانات الخاصة بالمستخدمين؛ الأمر الذي يجعل اختراقها صعب للغاية. لكن المثير أن مُهندسًا مصريًا كان خلف هذا النظام المثالي، الذي غزا العالم بأواخر القرن الماضي. فمن هو محمد عطا الله؟
من بورسعيد إلى الولايات المتحدة
ولد محمد عطا الله في بورسعيد عام 1924، حيث تلقى تعليمه الأساسي، قبل أن يلتحق بجامعة القاهرة، تحديدًا كلية العلوم. وبعد حصوله على درجة البكالوريوس، رحَل الطالب حديث التخرُّج إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لدراسة الهندسة الميكانيكية بجامعة بوردو بولاية إنديانا.
في عام 1947، حصل المهندس المصري على درجة الماجستير ثم الدكتوراه عام 1949، وكلاهما في الهندسة الميكانيكية. حيث كانت أطروحته للماجستير هي «التدفق عالي السرعة في الناشرات المربعة» التي نُشرت في عام 1948، بينما كانت أطروحته للدكتوراه هي «التدفق المضغوط عالي السرعة في الناشرات المربعة» التي نُشرت في يناير 1949.
عند هذه اللحظة، حصل محمد عطا الله على اسم مهني، أكثر ألفة بالنسبة للمجتمع الأمريكي وهو «مارتن عطا الله» أو «جون عطا الله».
بداية من عام 1950، بدأ عطا الله عملًا جديدًا بمعامل «Bell»، وعلى الرغم من خلفيته كمهندس ميكانيكي، نجح في تعلُّم أساسيات الفيزياء الكيماوية، حيث قدم أبحاثًا عن الخصائص السطحية لأشباه الموصلات السيليكونية، واستخدام السيليكا كطبقة واقية من أجهزة أشباه الموصلات.
في الواقع، لم تلق أبحاث فريق عطا الله إعجاب مُسيري معامل «Bell»، لأن الفريق كان مكونًا من موظفين جدد، وبسبب أن محمد عطا الله نفسه قادم من خلفية هندسية ميكانيكية، على عكس الفيزيائيين والكيميائيين والرياضيين الذين عادة ما تم النظر إليهم بنظرة جادّة.
اللحظة الفارقة
في 1960، كان محمد عطا الله قد نجح رفقة زميله بتقديم عرض عملي للـ«موسفت»؛ وهو هو ترانزستور حقلي ذو قناة نقل تعتمد في بنائها على المواد شبه موصلة. وبسبب الكثافة العالية، والاستهلاك الأقل للطاقة، قدم اختراع العالم المصري ‑الموسفت- فرصة مثالية للمجتمع العلمي؛ حيث أصبح من الممكن جدًا بناء بناء شرائح دوائر متكاملة عالية الكثافة (IC)، التي تستخدم حاليًا في كل الأجهزة الإلكترونية تقريبًا.
تجاهلت معامل «Bell» التقنية التي قدمها مارتن، حيث لم تكن الشركة مهتمة بالدوائر المتكاملة (IC) في ذلك الوقت، وقتئذ، تقدّم عطا الله باستقالته، ليبدأ منذ عام 1966 في المساعدة في إنشاء معامل العملاق التكنولوجي «HP».
بعد 3 أعوام، أدار خلالها أحد أقسام الشركة الأمريكية، رحل جون إلى شركة «Fairchild» لأشباه الموصّلات، حيث حظي بمنصب مدير قسم الميكروويف و الإلكترونيات الضوئية، حيث ساهمت أبحاثه عن الدَيودات الضوئية المنبعثة (LED)، وهي الأساس الذي يعمل به معظم الأجهزة الكهربية في عصرنا الحالي.
كانت اللحظة الفارقة في مسيرة محمد عطا الله المهنية في 1972، حين قرر فجأة أن يترك مجال أشباه الموصلات، ليبدأ مسيرة جديدة بمجالي التشفير وأمن البيانات.
محمد عطا الله.. الأب الروحي لأمن المعلومات
في 1972 أسس محمد عطا الله شركة تقدم خدمات التشفير وأمن البيانات (مؤسسة عطا الله) ثم قدم براءة اختراع لنظام أمان برقم التعريف الشخصي (PIN) عن بعد.
في عام 1973، أطلق المهندس المصري «صندوق عطا الله تجاريًا؛ وكان عبارة عن قارئ بطاقات ونظام تحديد هوية عملاء البنوك، مما يوفر جهازًا مزودًا بإمكانيات البطاقة البلاستيكية ورقم التعريف الشخصي. وتم تصميم هذا النظام للسماح للبنوك والمؤسسات بالتحول إلى بيئة البطاقات البلاستيكية بدلًا من دفاتر الحسابات.
خوفًا من سيطرة عطا الله على السوق، بدأت البنوك وشركات بطاقات الائتمان العمل وفقًا لمعايير دولية. ومع ذلك، وتقديراً لعمله على نظام (PIN) لإدارة أمن المعلومات، تمت تسمية المهندس محمد عطا الله «والد رقم التعريف الشخصي» والإشارة له كأبٍ لتكنولوجيا أمن المعلومات.
قام صندوق عطا الله بحماية أكثر من 90٪ من شبكات أجهزة الصراف الآلي العاملة اعتبارًا من عام 1998، بل لا تزال منتجات مؤسسة محمد عطا الله تؤمن غالبية معاملات أجهزة الصراف الآلي في العالم حتى الآن.
المصادر:
١- جون عطا الله.. مخترع الـ(موسفت).
٢- جامعة (بوردو) الأمريكية تكرم محمد عطا الله.
٣- كيف غيرت ماكينات الصراف الآلي شكل المعاملات البنكية؟