فرانكو وهتلر وآخرون.. عندما يستغل السياسيون نفوذهم في كرة القدم

يرى جاكيس دريدا، الفيلسوف ومشجع كرة القدم، أنّ كل ما يحدُث خارج أرض ملعب كرة القدم من متغيرات سياسية، اقتصادية واجتماعية، ينعكس تلقائيا بداخله. بمعنى أنّ كرة القدم ما هي إلا محاكاة مُصغّرة للحياة. 

وبما أنّ أصحاب السلطات والنفوذ بشر في الأساس، بالتالي يمكننا الزعم أنهُم مُعرضون لإظهار بعض أعراض التحيُّز كسائر البشر؛ سواء كان هذا التحيُّز ‑الرياضي في حالتنا- للأندية التي يُفضلون أو لأفراد أسرهم المنخرطين في رياضة مثل كرة القدم. إليك هذه القصص. 

ابن الزعيم وكرة القدم

في عام ٢٠١٦، وبعد حصد نادي ليستر سيتي الإنجليزي للقب البريميرليج، ظهرت من العدم أنباءٍ تحولت لاحقًا لحقيقة حول تعاقد الثعالب مع  صاحب الـ١٨ عامًا، ”فائق بلقيه» جناح منتخب سلطنة بروناي، بعقد يمتد لـ٣ سنوات. 

وبغض النظر عن إمكانيّات اللاعب، الذي سبق له وأن لعب لأكاديميات تشيلسي، ساوثهامبتون وغيرها من الأندية الإنجليزية، فعدم ظهور اللاعب بقميص النادي ولو لمرّة واحدة أثار تحفظات حول حقيقة هويته. وهنا بدأ كل شيء. 

والد فائق هو الأمير جفري بلقيه، الأخ الأصغر لحسن بلقيه، سلطان مملكة بروناي. وحتى تكتمل أسرار القصة، اتضح لاحقًا أن انتقال اللاعب لبطل إنجلترا الأسبق لم يكن بسبب إمكانيّاته، بل بسبب علاقة الصداقة التي جمعت أسرة بلقيه بعائلة سريفادانابرايا الأسيوية المالكة لنادي ليستر سيتي الإنجليزي. 

بعيدًا عن بلقيه، الذي انتهى به المطاف جناحًا لأحد أندية الدوري التايلاندي، لدينا قصة أكثر تشابكًا؛ قصة الساعدي القذافي. 

لقد كان نجل القائد، لذا لا يمكنك اللعب معه كما لو كان أي شخص آخر.

مفتاح شنقب، حارس مرمى ليبي سابق. 

عاشت ليبيا نحو نصف قرنٍ تحت حُكم «مُعمّر القذافي»، حيث سيطر على كل مفاصل الدولة، فيما كانت الرياضة وخاصةً كرة القدم نصيب نجله «الساعدي» من هذه التركة. 

كان الساعدي، الذي بدأ ممارسة كرة القدم في سن الـ٢٧، مولعًا بفكرة احتراف كرة القدم في أوروبا وتحديدًا إيطاليا، على الرغم من تواضع إمكانياته كلاعب كرة قدم. 

ومع ذلك،  في عام ٢٠٠٤ وضمن صفقة شهدت تداخلًا مباشرًا من سيلفيو بيرلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، تعاقد نادي بيروجيا الإيطالي مع الساعدي. الذي حقق حلمه أخيرًا باللعب في جنة كرة القدم مطلع الألفية الثالثة. 

قبل ذلك، سيطر نجل القذافي على كل جوانب كرة القدم الليبية، فعلى سبيل المثال، كان الساعدي قائدًا للمنتخب الليبي وقائدًا لناديي الاهلي طرابلس والاتحاد، ورئيسا فخريًا للأندية نفسها، إضافة لكونه رئيسًا لاتحاد كرة القدم الليبي. 

في واقعة نقلتها صحيفة جارديان البريطانية، استغل الساعدي نفوذه عام ٢٠٠٠ ضد نادي أهلي بنغازي، بغرض إعلاء شأن ناديه أهلي طرابلس، محرضًا الحكام على ارتكاب أخطاء تحكيمية في حق ممثل مدينة بنغازي. وطبقًا للتقرير، لم يكُن تحيُّز الساعدي رياضيًا فقط، بل كان مرتبطًا بتاريخ من العلاقات المتوترة ما بين مدينة بنغازي وعائلة القذافي. 

حاشية بيرون 

كان تدخل الدولة في كرة القدم في الأرجنتين ذروته خلال الفترة الرئاسية لخوان بيرون بين عامي ١٩٤٦ و١٩٦٥، حيث كانت سياسات بيرون موجهة إلى حد كبير لتعزيز البنية التحتية للرياضة، وأصبحت كرة القدم أولوية رئيسية. وكان بيرون حريصًا على تقديم صورة إيجابية عن بلاده كدعاية سياسية، وبالتالي سعى إلى تعزيز أهمية كرة القدم من أجل تحقيق ذلك. 

في هذه الفترة، صاغ الحزب الحاكم شعارات مثل «بيرون، أول رياضي» و «بيرون يرعى الرياضة» لتنمية صورته كمحتضن لكرة القدم، بينما يعتقد أن انتماء الرئيس كان لنادي «بوكا جونيورز»، الذي هتفت جماهيره باسمه. 

في الواقع، أدار نظام بيرون مشهد كرة القدم داخل الأرجنتين، وكان أحد أوجه هذه الإدارة، تحكُّم بعض مسؤولي النظام في مستقبل بعض الأندية. فمثلًا؛ تبنّى رامون كيريخو، وزير مالية الأرجنتين في عهد بيرون، عملية احتكار نادي راسينج للبطولات المحلية خلال الفترة ما بين ١٩٤٩ و١٩٥١، عبر إقراض النادي مبالغ ضخمة من أجل شراء أفضل اللاعبين. وهو ما اعترف به لاحقًا في تصريحات موثقة عام ١٩٨١، دون أن يجد في ذلك حرجًا. 

شالكه وهتلر

بمجرد وصول أدولف هتلر لسدة الحكم في ألمانيا، بدأت حقبة جديدة، سيطر خلالها نادي شالكه على بطولة الدوري الألمانية، حيث حصد ٦ بطولات دوري من أصل ٩ متاحة، وهذا ما جعل البعض يتوقّع أن النادي مدعومًا من الحزب النازي الحاكم. 

في الواقع، لم يكن هتلر محبًا لكرة القدم من الأساس، ومع ذلك، تخبرنا الدراسة الأكثر تفصيلاً حول كرة القدم تحت حكم الصليب المعقوف، على لسان المؤرخ «نيلز هافيمان» أن هناك ثلاثة أندية نازية رائدة وهي: فيردر بريمن، شتوتغارت، ميونيخ 1860. حيث قامت تلك الأندية بدعم الفوهرر منذ البداية واستفادوا مالياً في المقابل. 

بينما يعد شالكه نادٍ نازي، لكن لأسباب مختلفة. في ضوء نجاحات فريق شالكه بمنتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، ارتأى مسؤولو الحزب النازي أنّ شالكه — أثناء إذلاله لخصومه — يمثّل استعارة لأيديولوجية هتلر، القائمة بالأساس على إذلال كل من لا ينتمي للعرق الآري. 

في عام ١٩٣٩، وخلال مباراة جمعت شالكه بنادي فيينا، أُجبر لاعبي شالكه على ارتداء قمصان تحمل شعار «العقاب الإمبراطوري» الألماني، وكان ذلك مؤشرا على أنه حتى لاعبي كرة القدم يجب أن يخدموا في الخطوط الأمامية في الجيش. كانت القمصان بمثابة ترويج للمثل العليا التي يجب أن يتحلّى بها أبناء الشعب الألماني. 

لكن يبقى سؤال واحد: هل كان فريق شالكه الأسطوري فريقًا لأتباع هتلر؟ 

يعتقد المؤرخون أنه لم يتم التلاعب بنتائج المباريات لصالح شالكه مطلقًا، لأنه كان ببساطة الفريق الأفضل في ألمانيا النازية.  في الواقع، تبقى علاقة شالكه بهتلر ونظامه غامضة، حيث أنّ النادي بالفعل كان واجهةً مثاليةً للنظام، لكن لم يثبت بالدليل أن تلقى أية تسهيلات تُذكر. 

لقب الدوتشي

في ١٩٢٢ كان بينيتو موسوليني قد وصل لسدة حكم إيطاليا. في ذلك الوقت، سيطرت أندية الشمال الكبيرة على كرة القدم الإيطالية. 

من جانبه، يعتقد الكاتب والصحفي البارز «ماريو سولداتي»، أن موسوليني كان يرغب بشدة في إعادة إحياء أسطورة الإمبراطورية الرومانية، حين كانت مدينة روما مركزًا للعالم.

فهل كان لقب «سكوديتو» الذي حصده نادي روما عام ١٩٤٢ مجرد هدية من الدوتشي الذي أراد أن يمنح العاصمة ثقلًا رياضيًا، حسب هذه الأطروحة؟ خاصةً وأن روما كان قد أنهى موسمه الأخير قبل ذلك الموسم بالمركز الـ١١. 

بالعودة لجذور القصة، يعتقد أن تأسيس نادي إيه إس روما يعود بالأساس لجهود موسوليني الذي أراد أن يُنشئ ناديًا ‑مقره روما- عام ١٩٢٧ من أجل مقارعة كبار الشمال، وهو ما حدث حين تم دمج ٣ من أندية كرة القدم ليتم تأسيس النادي العاصمي. 

بعد نحو ٣٠ عامًا من تتويج روما بالسكوديتو، وتحديدًا بمطلع موسم ١٩٧٠/١٩٧١، خرج هيلينو هيريرا، المدرب التاريخي لإنتر ميلان، والذي كان قد أقيل من تدريب روما بعد ٢٤ يومًا فقط، مصرحًا: 

«جمهور روما ينتقدني ويشكو مني. لكن من المستحيل الفوز هنا. لقد فازوا بسكوديتو مرة واحدة فقط، وعليهم أن يشكروا موسوليني على هذا اللقب».

طبقا للكاتب الإيطالي ماريو سولداتي، ربما. كان منطقيًا أن يفوز روما بهذا اللقب في ذلك الوقت تحديدًا؛ لأن موسوليني كان يعلم أن الحرب ستقود إيطاليا إلى الخراب، بالتالي كان لا بُد من أن يخلق هالة حول اسم روما، إيمانًا منه بضرورة التفاف الجميع حول العاصمة. 

السكوديتو، فزنا به على أرض الملعب.

أماديو أمادي، هدّاف روما الأسبق. 

حسب وجهة نظره، يعتقد أمادي، نجم روما في موسم ١٩٤٢، أن الفريق لم يتلق أي مساعدة من الدوتشي أثناء تحقيقه للقب الدوري، باستثناء إعفاء لاعبي الفريق من الخدمة العسكرية، مما سمح لهم بالتدريب مع بقية الفريق. 

على العكس تماما، شدد أمادي على أن انتماء موسوليني كان لنادي لاتسيو، منافس روما المباشر. حيث قام في ١٩٢٩ بتقديم طلب للحصول على عضوية لاتسيو، وقدم مبلغًا رمزيًا قدره 1000 ليرة دعما للنادي. كذلك  لعب موسوليني دورًا محوريًا 1934، في تعاقد نادي لاتسيو مع المهاجم سيلفيو بيولا، الذي كان محط أنظار أندية الشمال كافة. 

تمييع المدينة الثائرة 

بداهةً، لا يُمكن الحديث عن محاباة الأنظمة لأندية كرة القدم دون ذكر القصة الأبرز؛ حكاية الجنرال فرانكو وريال مدريد، ورحلة سيطرة النادي الملكي على الكرة في أوروبا بدعمٍ مباشر من النظام الإسباني. 

لعل مباراة نصف نهائي كأس الجنرال عام ١٩٤٣ أبرز مثال على محاباة النظام الإسباني لريال مدريد، والتي أثير حولها عديد الروايات التي تؤكد تعرُّض لاعبي برشلونة لتهديدات بين شوطي المباراة من قبل بعض أفراد الأمن القومي الإسباني. لكن هذه المباراة مجرد نصف الحكاية. 

أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، حملت مدينة مدريد بجانب مدينة برشلونة السلاح للدفاع عن الأسس الديمقراطية للحكومة الجمهورية الإسبانية. لكن مع تمكُّن الجنرال فرانكو من إخماد المقاومة، تحولت مدريد من مدينة للمتمردين إلى مدينة عملاء فرانكو. ومن هنا بدأ كل شيء. 

أدرك سانتياجو بيرنابيو، الذي كان لاعبا وجنديًا سابقا بجيش فرانكو ثم رئيسا لنادي ريال مدريد، ضرورة استغلال هذه اللحظة، حيث حصل برنابيو على خدمات مجموعة من الأشخاص الأكثر نفوذاً في إسبانيا والذين سارعوا إلى تغيير خريطة كرة القدم الأوروبية عن طريق خطف لاعب أرجنتيني يُدعى «ألفريدو دي ستيفانو» ليلعب لصالح فريق الجنرال المدلل. 

كان ريال مدريد أفضل سفير لنا. 

فيرناندو ماريا كاستيلا ، الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد فرانكو.

ما قدمه دي ستيفانو لريال مدريد لم يكن مجرد مجموعة من الألقاب التي يحققها ناد لكرة القدم، بل كان بمثابة تلميع لصورة الجنرال، الذي خرجت بلاده للتو من حرب أهلية. ومع ذلك، أدرك مسؤولو كرة القدم بإسبانيا، أن احتكار ريال مدريد لكُل شيء ليس الطريقة المُثلى لتلميع واجهة النظام، لذا، لا مانع من بعض المنافسة ولو على استحياء. 

ومع ذلك، على الرغم من حقيقة أن برشلونة، باعتبارها معقلًا للثقافة الكاتالونية، مثلت معارضة لما أراد فرانكو تحقيقه، إلا أن الديكتاتور حافظ بالفعل على علاقة جيدة مع بعض أفراد برشلونة. 

كان «جوسيب ساميتيير» أحد الشخصيات التي مثلت حلقة الوصل ما بين برشلونة والجنرال فرانكو، حيث كان لاعبا سابقا ورئيسا للبارسا، ويُعتقد أنه أحد الذين أداروا عملية انتقال دي ستيفانو لريال مدريد بعد توقيعه لبرشلونة مقابل تسهيل الجنرال عملية انتقال النجم المجري «لازلو كوبالا»، إلى البارسا كتعويض عن هذه الحادثة. 

في الواقع، لا يمكن إنكار محاباة نظام الجنرال فرانكو لنادي ريال مدريد في كثير من الأحيان، ومع ذلك، تبنى نفس النظام أحيانًا سياسة إمساك العصا من المنتصف، أو كما قال الصحفي والكاتب «جيمي بيرنز»: كان ملعب ريال مدريد بيتًا لفرانكو، لكن حدسه السياسي قاده أحيانًا لمؤازرة سكان ملعب الكامب نو. 

المصادر: 
1- https://www.theguardian.com/world/2011/may/25/libya-gaddafi-al-ahly-football-benghazi

2‑https://theathletic.com/2225190/2020/12/02/the-worlds-richest-footballer/

3‑https://www.footballparadise.com/francisco-franco-madrid/

4- https://www.goal.com/en/news/general-franco-real-madrid-king-history-behind-clubs-link/fcoqldp8h2bb1841o2rspmuhe

5- https://thesefootballtimes.co/2015/01/15/the-politicised-history-of-argentine-football/

6- https://www.cba24n.com.ar/-peron-era-hincha-de-racing-_a5de579f6d91dda498913c917

7- https://www.sofoot.com/as-roma-1942-un-scudetto-dans-l-ombre-de-mussolini-171611.html

8- https://thesefootballtimes.co/2018/04/05/heroes-or-culprits-the-troubling-relationship-between-schalkes-glory-days-and-the-nazis/