رياضة

كأس العالم 1978.. هل أبعدت السياسة كرويف عن المونديال؟

في الـ25 من يونيو 1978، كانت الأرجنتين تضرب موعدًا مع التتويج بلقب كأس العالم لكرة القدم للمرّة الأولى في تاريخها، عقب تغلبها على أحد أفضل أجيال منتخب هولندا، مكللة مساع خورخي فيديلا، رئيس الأرجنتين وقتئذٍ، والتي تمحورت حول تلميع واجهة الحُكم العسكري اليميني. 

في الواقع، لم يكن هدف «ماريو كيمبس» المشكوك في صحته بالوقت الإضافي أهم ما أرَّق الشعب الهولندي، بل طفَت أسئلة كثيرة حول السبب الذي منع «يوهان كرويف» من المشاركة في كأس العالم، حتى وإن كان الفريق قد نجح بدونه في الوصول للمباراة النهائية. 

هذه هي الطبيعة البشرية، عند الخسارة، يبدأ الإنسان في طرح الأسئلة، بحثًا عن إجابات تخفف من وطأة الحدث. لذا، هل حُرم كرويف من المشاركة في المونديال؟ أم قرر مقاطعته اعتراضًا على لعبه في أرض يحكمها دكتاتور سيء السمعة؟ 

كرويف الثائر 

كأس العالم
يوهان كرويف.

في الواقع، يُنسب لكرويف أنّه لطالما حرص على نصح اللاعبين الصغار بالاستمتاع بمنافسة مثل كأس العالم؛ لأنّها مسابقة تضُم أفضل لاعبي العالم، ومن خلالها يستطيع كل لاعب أن يُظهر كل قدراته للعالم بأسره. هذا ما يجعلنا نشُك في السبب الذي منعه من المشاركة في الحدث الأهم، خاصةً وأنّه وقتئذٍ كان في قمة مستواه. 

عُرف عن كرويف أنّه رجل صريح، لا يخشى الإدلاء بتصريحات حول آرائه وقناعاته السياسية والاجتماعية، لذا رُبما كان بالفعل أحد أسباب رفضه لخوض غمار كأس العالم هو الأسلوب الذي اتبعه فيديلا في حُكم الأرجنتين في تلك الفترة، والذي فضحته الصحافة الهولندية والبلجيكية على وجه الخصوص. 

قبل كأس العالم بخمس سنوات، كان كرويف قد بيع إلى برشلونة الإسباني قادمًا من أياكس الهولندي مقابل 2 مليون دولار أمريكي. آنذاك، وفور تقديمه للجماهير، صرَّح الجناح الهولندي التاريخي حول مدى سعادته باللعب لصفوف البلاوجرانا، والأهم كانت السعادة الغامرة التي انتابته لمجرُّد فشل انتقاله لريال مدريد؛ لأنه لا يريد اللعب لفريق مرتبط بالديكتاتور الإسباني الجنرال فرانسيسكو فرانكو.

الأرجنتين تحت قبضة فيديلا

كأس العالم
خورخي فيديلا.

هناك تاريخ طويل من البلدان التي تستخدم المسابقات الرياضية الدولية كأدوات سياسية. بينيتو موسوليني قام باستخدام كأس العالم لكرة القدم 1934 لإظهار التفوق الإيطالي وأدولف هتلر فعل الشيء نفسه باستخدام أولمبياد 1936. وفي 1980 و1984 استخدمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الأولمبياد لإثبات نقاط سياسية معينة من خلال المقاطعة.

مع اقتراب انطلاق كأس العالم، كانت هولندا أكثر الدول اعتراضًا على ملف حقوق الإنسان في الأرجنتين، وأكثر من أرَّخ لحوادث الانتهاكات التي تُقدم ميليشيات الخونتا على ارتكابها بحق المواطنين الأرجنتينيين خلال فترة الحكم اليميني التي بدأت بانقلاب فيديلا عام 1976. 

وفي ظل حرص النظام الأرجنتيني على التعتيم على ما يحدث في البلاد، وكتم أصوات المُعارضة، والقيام بحملات اعتقالات موسّعة، لم يكن العالم قادرًا على إثبات أي شيء. لذا، أقيمت كأس العالم في الأرجنتين، على بعد كيلومترات قليلة من المعتقلات التي تعج بالمواطنين الأبرياء، بمشاركة كل المنتخبات التي نجحت في التأهُل، بما فيها هولندا. 

ماذا حدث؟ 

كأس العالم

بعد انتظار دام نحو 30 عامًا، وتحديدًا في 2008 خرّج كرويف أخيرًا ليعلن عن السبب الحقيقي لغيابه عن كأس العالم التي أقيمت بالأرجنتين. وللمفارقة، لم يكن السبب متعلقًا برفضه لما يحدث في الأرجنتين. 

قال كرويف لإذاعة كتالونيا: «يجب أن تعلم أنني واجهت مشاكل في نهاية مسيرتي كلاعب في برشلونة ولا أعرف ما إذا كنت تعرف أن شخصا ما قام بوضع بندقية على رأسي وقيدني وقيد زوجتي أمام الأطفال في شقتنا في برشلونة». 

كانت هذه هي اللحظة التي أعاد فيها يوهان التفكير في أولوياته، التي كانت تدور أولًا وأخيرًا حول حرصه على سلامة عائلته. 

في السبعينيات، أدى انتشار العصابات اليسارية في الولايات المتحدة  وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا المصممة  لشن حرب على الثروة والرأسمالية والنظام السياسي القائم إلى غرس الخوف في نفوس الأثرياء والمشاهير، ولم يكن كرويف سوى ضحية ضمن مئات الضحايا. 

في كتابه: «ماذا لو: التاريخ البديل للعبة الجميلة»، رأى الكاتب سيمون تيرنر، أنّ ربما غياب كرويف عن كأس العالم 1978 لم يكُن بالسوء الذي نعتقد. فقط تخيَّل رد فعل الجنرال وميليشياته تجاه المشجعين الغاضبين إذا ما خسرت الأرجنتين كأس العالم على أرضها. ربما كان من الأفضل بالفعل أن يبقى كرويف في منزله. 

مصادر: 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى