رياضة

دي ماريا.. أن ترضى بالعيش في الظل

لقد عاش دائما في الظل، وبصراحة لم أفهم أبدا السبب،  كرة القدم تتبع منطقا لا يمكن فهمه دائما. نحن نتحدث عن لاعب كبير جدًا، لكنه مع ذلك قادرًا على التضحية بنفسه من أجل زملائه في الفريق. 

الإيطالي جيانلويجي بوفون عن أنخيل دي ماريا. 

بعد تتويج الأرجنتين بكأس العالم قطر 2022، تحوَّل الفضاء الإلكتروني لمساحة خاصة للاحتفال بليونيل ميسّي، الذي وصل أخيرًا لحلمه؛ بأن يُحقق لقب المونديال المستعصي منذ أن كان مارادونا لاعبًا. 

أثناء الاحتفالات، لم يتوقّف دي ماريا عن البُكاء، خاصةً لأنّه كان شاهدًا على تقلبات مباراة «لوسيل» الاستثنائية من على دكة البدلاء، عقب استبداله بشوط المباراة الثاني. ربما انهار أنخيل لأنّه لم يكُن قادرًا على مساعدة فريقه، أو بالأحرى مساعدة زميل رحلته ‑ميسّي- كما فعل على الدوام.

في الواقع، عدم حصول دي ماريا على التقدير الذي يستحقه ليس وليد اللحظة، ولا علاقة له باللاعب من الأساس، كما شدّد بوفون، لكنّه لأسباب عدة، يبدو منطقيًا، أكثر مما نعتقد. 

اللعب مع الأخشاب 

دي ماريا

لسبب ما، يريد البشر نسب أي إنجاز جماعي لشخصٍ واحد. هنا تظهر مُعضلة تقييم دي ماريا؛ لأنَّه لم يكن يومًا النجم الأول للمجموعة. في البداية، عاش في ظل موهبة الأرجنتين الواعدة، سيرجيو أجويرو، ثم رحل ليعيش في حضرة البرتغالي كريستيانو رونالدو، قبل أن يجد نفسه أخيرًا «خشبة» ضمن مجموعة أخشاب أرجنتينية تلعب بجوار ليونيل ميسّي. 

وعلى الرغم من سذاجة الإيمان بقدرة لاعبٍ واحدٍ على الفوز أو الخسارة، حتى وإن كان ميسّي، تظل الفكرة نفسها جذّابة، قادرة على بيع نفسها إعلاميًا وجماهيريًا. لا تُصدق، صحيح؟ 

بيليه، الذي يعتبره البرازيليون أعظم لاعب كرة قدم في التاريخ، كان أول من أسسوا فكرة اختزال النجاح في اسم واحد، أو على الأقل اسم واحد «كبير». فمثلًا: تجاهل بيليه وضع شريك نجاحه «جارينشا» في قائمة أفضل اللاعبين الذين جاورهم، على الرغم من أن دور جارينشا لم يقل تأثيرًا عن بيليه في منتخب البرازيل. ناهيك عن تجاهل الأسطورة البرازيلية لأسماء مثل: ڤاڤا، الذي سجّل في نهائيين لكأس العالم، وديدي، هدَّاف مونديال 1958. 

استمرّت نفس الفكرة مع مرور السنوات، بل وأصبح «مارادونا» قادرًا على جلب كأس العالم والدوري الإيطالي لنابولي منفردًا. على الرغم من مزاملته لمجموعة ممتازة من اللاعبين أمثال: الحارس «سيرجيو جيوجوتشيا»، المدافع الصلب «أوسكار روجاري»، والجناح بروتشاجا، وغيرهم ممن باتوا ضحايا للغز عزف البيبي دي أورو المنفرد. 

لذا، يبدو منطقيًا، خاصةً وأن دي ماريا وميسّي لم ينجحا طوال نحو 14 عامًا في تحقيق أي لقب للمنتخب الأرجنتيني، أن تتم معاملة دي ماريا كممثل زائد، في قصة اللاعبين الكبار الذين زاملهم. 

ما أفسده ريال مدريد 

دي ماريا

مثَّل انتقال دي ماريا لريال مدريد لحظة فارقة في حياته، فقبل ذلك بسنوات تُعد على أصابع اليدين، كان «الفديو» مُجرَّد لاعبًا بأحد أندية الأرجنتين المحليّة، لا يستطيع والداه توفير حذاءٍ له، كما تصطحبه والدته للتدريب بالدرّاجة الهوائية. 

حسب دي ماريا، لعب كرة القدم في أمريكا الجنوبية صعب للغاية، أكثر مما يمكن لمتابع كرة القدم الأروبية تخيله. لذا كان اللعب لريال مدريد بمثابة الخلاص الأبدي من المعاناة، أو هكذا اعتقد اللاعب عند إبرامه هذا التعاقد. 

بعد تثبيت أقدامه داخل النادي الملكي، وارتضائه بكونه أحد الأفراد الذين تتلخّص مهمتهم في تقديم العون لكريستيانو رونالدو، اصطدم دي ماريا بتعاقد النادي مع الويلزي جاريث بيل، الذي يشغل نفس مركزه. ومع ذلك، قرّر الرجُل أن يُغيّر مركزه، بتوصية من الإيطالي كارلو أنشيلوتي، ليلعب في عُمق الملعب بدلًا من الجناح. 

حقيقة، تعديل مركز اللاعب جعل منه لاعبًا أفضل، بل ساهم في تقديمه لموسم خرافي، انتهى بتتويج ريال مدريد بلقب العاشرة المستعصية، لكن الأمور لم تتوقّف عند هذا الحد. 

يقول دي ماريا: قبل نهائي كأس العالم 2014، كنت مصابًا، وقتئذٍ وصلني جوابًا من النادي الإسباني يحذرني خلاله من الإصرار على المشاركة. حينها فهمت الحقيقة؛ لم يكن ريال مدريد يرغب في أن أتعرّض للإصابة، لا لأي شيء سوى رغبتهم في بيعي بمبلغ مناسب، بعدما نجحوا في التعاقد مع خاميس رودريجيز. 

في هذه اللحظة، أدرك أنخيل أنّه حتى بعدما نجح في تحقيق كل أحلامه كطفل، ما زال يملُك ما يجعله متوترًا، مثل عدم قدرته على خوض نهائي كأس العالم. فحتى بعد أن ضرب عرض الحائط بخطاب مدريد التحذيري، رفض مدربه «سابيلا» إشراكه في النهائي، الذي خسرته الأرجنتين أمام ألمانيا. 

مجددًا، يعيش دي ماريا ظلًا للأبطال، مرّة في منتخبه، وأخرى داخل ريال مدريد. لكن السؤال المُهم: لماذا يبدو دي ماريا كرجل ارتضى بخانة «الرجل الثاني»؟ فالرجل الذي كسر حاجز الثلاثين، لا يزال يركُض مدافعًا عن زملائه، لا يضجر حين يُسنب الفضل في الفوز لغيره. 

دي ماريا الذي لا ينسى 

دي ماريا

ربما يعد دي ماريا ضحية للأمر الواقع، فلن يغيِّر حجم تقديره لنفسه نظرة الآخرين له، لكن عند محاولة البحث عن سبب كونه راضيًا بهذا الوضع، وجدنا مبررًا يبدو منطقيًا، يعود بالأساس لفترة طفولته حين كان يلعب بأحد الفرق المحلية بالأرجنتين. 

 

حين كان دي ماريا لاعبًا لسنترال روزاريو، كان قد تم عامه الـ15، وكان لا يزال ضئيل الحجم، يعاني بشدة أثناء التدريبات والمباريات لعدم قدرته على مجاراة خشونة اللعب. وذات مرة، حين فشل في الارتقاء لاستقبال رأسية في التدريبات، استدار مدربه وقال له: لن تصبح لاعبًا أبدًا، أنت فاشل. 

 

يعترف دي ماريا أنّه قرر عند هذه اللحظة أن يتوقّف تمامًا عن لعب كرة القدم، لكنّه تذكر تضحيات والده «عامل الفحم»، ووالدته التي كانت تصطحبه في أحلك الظروف إلى التدريبات، وتذكَّر الدراجة الهوائية «جاليسيا». وبعد إقناع من والدته، عاد مجددًا للتدريبات. 

يقول دي ماريا: 

عدت إلى التدريب، وحدث الشيء الأكثر روعة. زملائي في الفريق لم يسخروا مني. لقد ساعدوني بالفعل. كانت الكرة تأتي في الهواء، وكان المدافعون يسمحون لي بالفوز بالالتحام. لقد تأكدوا من أنني أشعر أنني بحالة جيدة، واعتنوا بي حقا في ذلك اليوم.

 كرة القدم هي لعبة تنافسية، خاصة في أمريكا الجنوبية. الجميع يحاول فقط الوصول إلى حياة أفضل، هل تعلم؟ لكنني سأتذكر ذلك اليوم دائما، لأن هؤلاء الزملاء رأوا أنني كنت أعاني وساعدوني.

ربما لهذا يشعُر دي ماريا أنّ مهمته الأهم هي مساعدة زملائه، وربما لهذا السبب، لم نشعر أنّه غاضب من العيش في ظل النجوم طوال مسيرته. 

المصادر: 

1- https://thesefootballtimes.co/2019/06/04/angel-di-maria-the-rise-fall-and-rise-of-a-divisive-talent-like-few-others/

 

2- https://www.theplayerstribune.com/articles/angel-di-maria-argentina-english

 

3- https://football-italia.net/buffon-on-di-maria-to-juventus-its-a-great-coup/

 

4- https://uk.blastingnews.com/sport/2017/09/victims-of-the-diego-maradona-single-handed-victory-myth-001975147.html

 

5- https://bleacherreport.com/articles/1099349-top-5-things-pele-does-not-want-you-to-know

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى