رياضة

بيليه.. الرجل الذي أنقذ البرازيل من «عقدة النقص»

في الـ29 من ديسمبر 2022، فارق الأسطورة البرازيلية إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو، أو بيليه، ملك كرة القدم الحياة، عن عمر ناهز الـ82 عام، بعد صراع طويل مع مرض سرطان القولون. 

يزعم الكثير من المؤرخين أن اللاعب الذي لُقب بالجوهرة السوداء هو أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم على الإطلاق. وفي محاولة لتفنيد هذا الزعم، يحكي البعض قصصًا موثقةً ببعض المقاطع القصيرة المتاحة عن مدى تفرُّد الأسطورة البرازيلية. 

بيليه، قبل نحو نصف قرن من الزمن، كان قادرًا على تنفيذ كُل ما نعتبره مبهرًا في عصرنا الحالي. ناهيك عن إنجازاته وأرقامه التي ظلَّت صامدة لعقود. ومع ذلك، يعتقد البرازيليون أنّ قيمته لا يمكن أن تُختزل في تسجيل نحو ألف هدف، أو تحقيق ثلاثة ألقاب لكأس العالم. 

المراهق الذي أنقذ البرازيل 

بيليه

«إديسون هو من فارق الحياة، ليس بيليه»

بهذه العبارة البسيطة، وصف أحد المشجعين الشعور الذي انتابه لحظة سماع خبر وفاة الأسطورة البرازيلية؛ لأنَّه يعتقد في داخله، أنّ إديسون، اللاعب الذي خاض مسيرة كروية عظيمة لم يكن الأكثر تأثيرًا، بمعنى أن كرة القدم في حد ذاتها لم تكُن الشيء الذي منح اللاعب قيمته داخل المجتمع البرازيلي ومن ثم العالمي. 

لتفكيك هذه القصة، علينا أولًا أن نعود للقرن الـ19، حينما كانت البرازيل مستنقعًا للعنصرية تجاه السود، إضافة لما وُصف في الأدب الفرنسي بشعور البرازيليين بعُقدة الدونية، أو ما يُعرف بـ«عقدة الكلاب الضالّة». 

في هذه الفترة من التاريخ، افتقد البرازيليون للشعور بالهوّية، حيث لم يكن البرازيليون سوى مجموعة من البشر «المهجنين»، الذين لا يمتلكون أي أدوات لتعريف أنفسهُم للعالم، على عكس الشعوب الأوروبية والأمريكية الجنوبية. 

طبقًا لبيليه، الذي كان شاهدًا على كارثة «ماراكانا» عام 1950، حين وصل منتخب البرازيل إلى السويد من أجل المشاركة في كأس العالم 1958، لم يكن أحد يعلم ما هي البرازيل. لذا كانت لحظة التتويج بهذه البطولة تحديدًا، أعظم ما حدث في تاريخ البرازيل الحديث؛ لأنّها اللحظة التي ربطت اسم البرازيل بالتفوُّق في كرة القدم. 

رمز قومي أم مجرد لاعب؟ 

لقد غيّر بيليه كل شيء، لقد حوَّل كرة القدم إلى فن. لقد كان صوتًا للفقراء والسود خاصةً. 

نيمار جونيور، لاعب باريس سان جيرمان والمنتخب البرازيلي. 

حسب أنجليكا باستي، كاتبة سيرة الملك الذاتية، لعب بيليه دورًا محوريًا في تغيير الصورة النمطية التي يمتلكها العالم عن أصحاب البشرة السمراء؛ كان بمثابة فنّان لكن بدون فرشاة رسم. 

في الواقع، على الرغم من كونه بطلًا شعبيًا، لم يكن إديسون دو ناسيمينتو مهتمًا باستغلال صوته كلاعب كرة قدم لتسليط الضوء على قضايا العنصرية التي يعاني منها أغلب شعبه، وهذا ما قد يمثِّل تناقضًا وعظمة في نفس الوقت. تناقض لأن البرازيليين سود البشرة انتظروا أن يتحدث بيليه باسمهم. لكنّه لم يفعل ذلك مطلقًا. وعظمة؛ لأنّه منح السود القدرة على الحُلم، بأن يُصبح أحدهم أفضل لاعبي العالم على الإطلاق. 

بيليه المحايد 

بيليه

بعد كأس العالم 1966، أعلن بيليه أنّه لم يعد متحمسًا للعب البطولة مجددًا، بعدما أُقصي المنتخب البرازيلي مبكرًا من البطولة التي أقيمت بإنجلترا، الأمر الذي اعتُبر بمثابة تعليق لحذائه الدولي. 

ومع تولّي الجنرال «إيميليو ميديتشي» رئاسة البرازيل، وبداية فترة من قمع الحُريات الاضطرابات في البرازيل، لم يكن بيليه سوى حل مؤقت لتلميع صورة النظام العسكري البرازيلي. 

ميديتشي كان بحاجة إلى بيليه. حاول إثنائه عن الاعتزال والمشاركة في بطولة 1970 بالمكسيك، عن طريق وفد من الشخصيات  رفيعي المستوى. وأخيرًا اقتنع بيليه على مضضٍ بعد فترة مما وصفه بالكرب النفسي. 

في وثائقي من إنتاج نتفلكس، حاول بيليه أن ينفي الاتهامات التي لطالما طالته، حيث اعتبر مواليًا للأنظمة التي أرّقت حياة البرازيليين، في حين يعتقد اللاعب أنَّه فقط حاول إسعاد البرازيليين، بالطريقة التي يعرفها ‑لعب كرة القدم-، بدلًا من الدخول في معارك أكبر منه. 

هل كان بيليه محقًا؟ لا نستطيع بطبيعة الحال التشكيك في نواياه. فربما آثر اللاعب حماية نفسه، وربما قرر البقاء على الحياد لأغراض في نفسه. لكن هذا لم يمنع البرازيليون من التعلُّق به؛ لأنّه يشبه معظمهم: أسود، ولد لعائلة فقيرة، والأهم، كان الشرارة التي انطلقت كرة القدم البرازيلية من خلالها. 

مصادر: 

١- ما الذي جعل بيليه عظيمًا؟ 

٢- رحل إديسون، لم يرحل بيليه: كيف حزنت البرازيل على ابنها الأكثر شهرة

٣- كأس العالم الذي لم يرده بيليه

٤- بيليه: لماذا لم يتحدث بطل البرازيل عن الدكتاتورية؟

٥–  يتذكر البرازيليون بيليه بسبب «الإحساس بالهوية» الذي أعطاه إياهم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى