الأمومة والطفولة

الأطفال يكذبون مبكرا.. ما الأسباب والحلول؟

 

يُعتقد أن الصدق شيء فطري؛ يولد الإنسان دون أية دوافع حقيقية للكذب. ومع ذلك، نجد أن الأطفال يبدأون في الكذب في سن مبكرة جدًا، حتى وإن كانوا في حل عن ذلك. 

والسؤال هو ما الذي قد يدفع طفل، بالكاد يستطيع التكلُّم، أن يخدع من حوله؟ لنر. 

 

متى يبدأ الأطفال في الكذب؟ 

الكذب

في دراسة بعنوان: «الكذب وأساليب الأخلاق»، أوضح الفيلسوف إيغور بريموراتز، أن فعل الكذب يتطلب وجود نية مسبقة للخداع. بمعنى أن يقوم الشخص ببيان غير صادق، والأهم جعل متلقيه يصدقه. 

بشكل عام، أثبتت عدة دراسات أكاديمية أن بعض الأطفال الصغار يبدأون في الكذب قبل بلوغهم عامين ونصف. وبحلول سن الرابعة، يكذب  نحو 70٪ من الأطفال، ولو مرة واحدة على الأقل. 

في حالة الأطفال، توقيت بدء الطفل في ارتكاب فعل مثل الكذب لا يعكس بالضرورة الشخصية الأخلاقية؛ لأن الطفل قد يستغرق سنوات لكي يتمكّن من فهم القيمة الأخلاقية الصدق، أو بالأحرى ما يعنيه الكذب ‑بمعناه المفهوم- من تدني في مستوى الأخلاق. 

 

في الواقع، لا يعد كذب الأطفال سوى تجربة منطقية نتيجة لما يعرفه المتخصصون بـ«النمو المعرفي»؛ حيث يرتبط فعل الكذب بمهارات قراءة العقل لدى الطفل. بالتالي، كلما طور الأطفال رؤى متقدمة حول كيفية تفكير الآخرين في وقت مبكر، كلما بدأوا في اختبار قدراتهم على الخداع. 

كيف يتطور الكذب عند الأطفال؟ 

الكذب

في العقود الأخيرة، نجح الباحثون في ابتكار طريقة جديدة لدراسة مشكلة الكذب عند الأطفال. وأُطلق على هذه الطريقة اسم «نموذج مقاومة الإغراء»، أو بلغة أبسط، تجربة إلقاء النظرة الخاطفة؛ لأنها طريقة مُصممة لإغراء الأطفال بإلقاء نظرة خاطفة على شيء مخفي. 

 

تبدأ مثل هذه التجارب بدعوة أحد الأطفال للعب لعبة التخمين، حيث يقوم الشخص البالغ بحمل لعبة مغطاة، وعلى الطفل أن يتوقع ما هي وفقًا للصوت الذي تصدره. وبعد فترة، يتم ترك الطفل بمفرده في الحجرة مع اللعبة المغطاة، مع التشديد على عدم اختلاس النظر على اللعبة، وانتظار عودة البالغ لاستكمال لعبة التوقع تلك. 

 

في تجربة بعد تجربة، يتضح بنفس الطريقة، بغض النظر عن عمر الطفل، استسلام معظم الأطفال للإغراء والتسلل لإلقاء نظرة خاطفة على اللعبة، لكن المثير للاهتمام بشكل خاص هو ما يتبع عودة الشخص البالغ للغرفة لاستكمال اللعب. 

عند سؤال الأطفال عما إذا قاموا بإلقاء نظرة على اللعبة لمعرفة ما هي، يتضح ارتباط السن بفعل مثل الكذب، وعلامات تطوره. 

طبقا للنتائج، يعترف معظم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن شهرين ونصف بإلقاء نظرة على اللعبة، ومع ذلك، يكذب ثلث هذه المجموعة العمرية. 

بينما يُنكر ٧٠٪ من الأطفال في عمر الرابعة حقيقة إلقائهم لنظرة خاطفة، وهو ما يعني محاولة الكذب على الشخص البالغ، لكن المثير هو محاولة إيجاد مبررات منطقية كي لا تكتشف كذبتهم. 

هنا نلحظ ارتباط زيادة سن الطفل بزيادة احتمالية ارتكابه لفعل الكذب، حتى ولو كنا نتحدث عن أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين ونصف وأربعة أعوام. ويعتقد المتخصصون أن هذه الارتفاع الملحوظ في معدل الكذب منطقي نتيجة لتطوُّر المهارات المعرفية عند الأطفال. 

نظرية العقل 

بتعريف مقتضب، تعد نظرية العقل أحد فروع العلوم الإدراكية، وتتمثل في قدرة الأشخاص على تمييز أو توقُّع ردات فعل الأشخاص الآخرين في مختلف الظروف، أو بالأحرى، تفهُّم حقيقة امتلاك كل شخص لمعتقدات، نوايا، رغبات واراء خاصة به. 

بالعودة للأطفال مجددًا، يعتقد علماء النفس أن الأطفال يبدأون في خداع الآخرين بمجرد تطوير مهارات نظرية العقل بداخلهم. عند هذه اللحظة، يتحول كذب الأطفال من مجرد تصرف تلقائي لتجنب العقاب مثلًا، إلى رغبة في الخداع. وشتان الفارق بين هذا وذاك. 

 

حاول بعض الباحثين التأكيد على هذه الفكرة، فقاموا بإقامة تجربة على مجموعتين مختلفتين من الأطفال بين سن الثانية والنصف والرابعة، وعرّضوا المجموعة الأولى لحصص تدريبية تساعد بدورها على تنمية مهارات يمكنهم من خلالها خداع الآخرين، في حين لم تتلق المجموعة الأخرى أي تدريب. 

كما توقعت، بعد مرور شهر على هذه التجربة، كانت مجموعة الأطفال التي خضعت للتدريب المعرفي أكثر عرضة للكذب على الآخرين، حتى ولو لم يكونوا في حاجة لذلك. 

لأنهم أطفال بالفعل

الكذب

المشكلة الحقيقية هي الافتراض المسبق أن الأطفال في هذه السن يمتلكون كودًا أخلاقيًا. بالعكس تمامًا، تشير عديد الأبحاث والدراسات أن الأطفال ‑حتى سن الخامسة- في أغلب الأحيان لا يمكنهم إدراك حقيقة أن الكذب فعل غير أخلاقي. لهذا، يرجح البعض أن صدق الأطفال بشكل مُطلق لا يكون سوى استجابة لأوامر ذويهم. 

في الواقع، الصدق والكذب مفهومان غاية في التعقيد، فحتى الأشخاص البالغون يختلف تعريفهم لكل مفهوم منهم، بناءًا على عديد العوامل التي تجتمع لتشكيل هذا التعريف، والتي تُعرف بـ«طبيعة التنشئة». 

لذا، يعتقد المتخصصون أنّه لا يجب أن يقلق الآباء من كذب الأطفال حتى سن الخامسة في أغلب الأحيان؛ لأنه يعني فقط تطور عقول أبنائهم، وتطويرها بمهارات جديدة، ولا علاقة له بسوء التربية. 

 

المصادر: 

 

1-https://www.apa.org/news/podcasts/speaking-of-psychology/why-kids-lie

 

2-https://theconversation.com/understanding-dishonesty-in-children-when-how-and-why-do-kids-lie-196247

 

3- https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84

 

4- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3483871/

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى