رياضة

«الدولي غير الدوري».. و3 أسباب منطقية لتراجع مستوى التحكيم الإنجليزي

في ظاهرة غريبة، فشل التحكيم الإنجليزي في حجز أي مقعدٍ له بمسابقة كأس العالم 2018 في روسيا، قبل أن يشهد كأس العالم 2022 تواجدًا إنجليزيًا على استحياء متمثلًا في حكمين. 

تبدو القصة محيرة بالفعل؛ الدوري الإنجليزي هو أقوى دوريات العالم، يحتوي بداخله على أغنى الأندية، أفضل اللاعبين، ألمع العقول التدريبية، ومع ذلك يظل التحكيم الإنجليزي علامة استفهام كبيرة جدًا، سواءً داخل إنجلترا أو خارجها. فما السبب؟ 

إنكار الانحياز 

التحكيم الإنجليزي
مايك رايلي، رئيس لجنة التحكيم الإنجليزي السابق.

ربما تبدو أول مشكلة تواجه الكرة الإنجليزية بشكل عام هي إنكار وجود أي مشكلة بالأساس، والسبب في ذلك بديهي جدًا، وهو افتراض مسبق بأن البلد التي يشار إليها كـ«مهد لكرة القدم»، لا يجب أن تتشابه مع الجميع. 

فمثلًا، تلعب  إنجلترا دوريها أثناء إجازة أعياد الميلاد، هذا الدوري الذي عاش عقودًا طويلة مخلصًا للكرة الإنجليزية، التي اعتبرت طريقة لعب في حد ذاتها، ينتقد كل من يحاول تغييرها. وعلى الرغم من إثبات الضرر الذي يلحقه «تفرُّد» الكرة الإنجليزية ‑كما يرى البعض- بمستوى الأندية الإنجليزية قاريًا، يرفض الجميع الاعتراف بذلك، والجميع هنا لا تعني المسؤولين فحسب، بل الجماهير والنقاد أيضًا. 

في 2016، نشرت مجلة «فور فور تو» العالمية مقالًا ساخرًا بعنوان: التحكيم الإنجليزي منحاز ضد فريقك. تتلخص فكرة المقال في انتقاد من اعتبرهم الكاتب أصحاب نظرية المؤامرة لكن بشكل هزلي. 

للوهلة الأولى قد تُعجب بالبناء الذي اختاره الكاتب؛ لأنه قرر أن ينسف الادعاءات المتعلقة بتراجع مستوى التحكيم الإنجليزي من أساسها عن طريق السخرية. فمثلًا، قال الكاتب على لسان مايك رايلي، رئيس لجنة الحكام السابق: نعم لجنة الحكام منحازة ضد فريقك، لأنهم يكرهونك ويكرهون فريقك. 

وعلى لسان مارتين أتكينسون، الحكم الإنجليزي قال: نخطط مسبقًا لكيفية الاحتيال عليك، ونقرر مَن من لاعبي فريقك يجب طرده بالمباراة القادمة. ثم نجلس ونشرب الشامبانيا احتفالًا بنجاحنا في إزعاجك. 

وأخيرًا على لسان مارك كلاتنبرج قال: أصبحت حكمًا لأطرد لاعبي فريقك. أنا لا أعلم شيئًا عن كرة القدم ولا قوانينها. 

في الواقع، وبغض النظر عن المقال نفسه، لم تنف السخرية تهمة تراجع مستوى التحكيم الإنجليزي، لكنّها فقط كانت دورة جديدة في سلسلة الدفاع عن كل ما هو إنجليزي. 

والحقيقة الأهم هي أنّه بغض النظر عن مستوى التحكيم الإنجليزي، أو أي منظومة تحكيمية أخرى، تلعب الانحياز دورًا في قرارات الحكم. إنحيازات تحدث بشكل غير واعٍ، مثل الانحياز لصاحب الأرض، أو الانحياز ضد الفريق صاحب «السمعة السيئة» وغيرها. 

يقودنا ذلك لمحاولة الإجابة عن السؤال الأهم بعد أن الإقرار بوجود هذه الانحياز في كل البشر: ما الذي يجعل التحكيم الإنجليزي أقل من حيث المستوى مقارنةً بالدول الأوروبية الأخرى؟ 

«الدولي غير الدوري»

التحكيم الإنجليزي
الاسترالي جاريد جيليت، أول حكم أجنبي في تاريخ البريمييرليج.

في فبراير 2022، قرر الصحفي الإيطالي «غابرييل ماركوتي» اقتحام هذا الركود بسؤال مهم: يجذب الدوري الإنجليزي الممتاز أفضل اللاعبين والمدربين والمديرين التنفيذيين. لماذا لا يجذب أفضل الحكام؟

تطرّق ماركوتي في تقريره لفكرة مجنونة لم تطرح من قبل، وهي ماذا لو قرر الاتحاد الإنجليزي الاستعانة بحكام أجانب لرفع مستوى التحكيم الإنجليزي؟ 

حسب وجهة نظره، تبدو القصة بسيطة، مع فتح الأسواق والعولمة، تزداد المنافسة على الأماكن ويتوسع تجمع المواهب المتاحة، وهذا لا ينطبق فقط على كرة القدم، وهذا هو السبب في أنه في معظم الدول المتقدمة هناك عدد قليل جدا من الوظائف المخصصة حصريا للمواطنين الأصليين، مثل الرئاسة، وبعض وظائف إنفاذ القانون، وبعض وظائف الاستخبارات. 

بالتالي، كان استقطاب «الأجانب» سببًا رئيسيًا في نجاح الدوري الإنجليزي الممتاز، فلماذا لم يتم استخدام نفس الأسلوب مع الحكام؟ الإجابة طبقا للصحفي الإيطالي متعلقةً بالفخر؛ حيث تريد أن تفخر لجنة الحكام الإنجليزية بقدرتها على تقديم حكامها للعالم، مثل كل اللجان في أوروبا، لذا قد يحد استقدام أجانب من فرص «المواطنين الأصليين» في الوصول لقمة هرم التحكيم الإنجليزي ثم الأوروبي. 

بيروقراطية الغرب 

التحكيم الإنجليزي
«معركة البوفيه عام 2004».

تكمن الإجابة على السؤال المتعلّق بسوء التحكيم الإنجليزي في تمسُّك أصحاب القرار بما يمكن تعريفه بالروتين. فمثلًا، عندما كسرت لجنة التحكيم الإنجليزية «PGMOL» القاعدة، وقامت بتعيين الاسترالي «جاريد جيلين» حكمًا لبعض مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز عام 2022، كان عليه أن يضحي بكونه حكمًا دوليًا سبق له أن أدار مباريات في الدوري الأسترالي الممتاز، وكأس أسيا، ليبدأ من جديد في الصعود بهرم التحكيم الإنجليزي من دوري الدرجة الرابعة الإنجليزي، متنازلًا عن فرصته في خوض مباريات أكثر أهمية، وعوائد مادية أكبر بكل تأكيد. 

تقودنا هذه القصة لدراسة نظام عمل لجنة التحكيم الإنجليزي. إن كنت لا تعلم، فمثل كل دوريات العالم، يبدأ الحكام في إنجلترا في دراسة أساسيات التحكيم بسن صغير جدًا (١٤ عامًا)، ثم يتدرج حسب قدراته في المستوى بداية من المستوى السابع (إدارة مباريات البراعم) وصولا للمستوى الأول (إدارة مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز). 

المشكلة الأساسية في هذه الرحلة، هي أنّها باختصار لا تستحق العناء؛ لأن الحكم الإنجليزي الجيد عليه أن ينتظر ما يدنو من 15 عامًا، يتقاضى خلالها أجرًا رمزيًا، يواجه أبشع الظروف، كي يصبح محترفًا. 

المشكلة الثانية هي أنّه على الرغم من الأعداد المهولة للحكام المسجلين بإنجلترا، قلة فقط هي من تريد أن تسلك هذا السلك بغض النظر عن الظروف. في الواقع، يدرس عدد كبير من هؤلاء الحكام في شبابهم دورات التحكيم ويتم تقييدهم كحكام من أجل إتمام شهاداتهم الجامعية وحسب. بالتالي، فعينة المواهب التحكيمية في إنجلترا صغيرة مقارنة بالأرقام الرسمية وبالتالي كلما قلّت عينة المواهب، كلما تقلصت فرص التطوير. 

أما المشكلة الثالثة، والأهم، هي أن مايك رايلي، الرجل الذي أشرف على لجنة التحكيم الإنجليزية، طوال العقد الأخير، لم يكن حكمًا جيدًا بالأساس، بل أنّه كان مشاركًا في أحد أكبر فضائح التحكيم الإنجليزي بمباراة مانشستر يونايتد وأرسنال عام 2004، والمعروفة إعلاميًا باسم «معركة البوفيه». 

يعتقد مارك هالسي، الحكم الإنجليزي السابق، أن تراجع مستوى التحكيم الإنجليزي بالعقد الأخير كان مرتبطًا تماما بوجود رايلي رئيسا للجنه الحكام؛ لأن الحكام خلال فترة تواجده، لا يتلقون تعليمًا ولا تدريبات مناسبة، وعملية تقييمهم لا تتم وجهًا لوجه، بل عن طريق نظام نقاط لا يوضح بما يكفي أوجه القصور. 

حسب هالسي، كان لهذا دورًا واضحًا في اعتزال بعض الأسماء الجيدة، أو على أقل تقدير تركهم العمل في الدوري الإنجليزي والبحث عن فرصة عمل بدوري آخر مثلما فعل «هوارد ويب» أو «مارك كلاتنبرج». 

في النهاية، ربما تشترك كل لجان التحكيم حول العالم في اقترافها مثل تلك الأخطاء، لكن المشكلة تكمن في إنكار القائمين على الأمور في إنجلترا وجود أي مشكلة بالأساس، لذا لم تتضح طوال السنوات الأخيرة أي بادرة للإصلاح. 

 

مصادر: 

 

1- https://swappingshirts.com/why-the-standard-of-refereeing-is-so-poor-in-the-premier-league/

 

2-

https://www.espn.com/soccer/blog-marcottis-musings/story/4581950/premier-league-attracts-the-best-playerscoachesexecutives-why-not-the-best-referees

 

3-

https://www.fourfourtwo.com/features/premier-league-referees-admit-being-biased-against-your-team

 

4-

https://www.researchgate.net/publication/24131524_The_Twelfth_Man_Refereeing_Bias_in_English_and_German_Soccer

 

5– 

https://www.skysports.com/football/news/11095/11282963/how-to-become-a-referee-from-grassroots-to-premier-league

 

6-

https://en.m.wikipedia.org/wiki/Battle_of_the_Buffet

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى