على مدار التاريخ البشري لطالما كان لمعدن الذهب أهمية كبيرة، بجانب استخدامه لصناعة الزينة والحلي والمجوهرات، كان المعدن الأصفر بمثابة الداعم الرئيسي للعملات الوطنية حول العالم لمئات السنين، أو كعملة احتياطية حتى سبعينيات القرن الـ20.
قيمة الذهب متجذرة في تاريخ الحضارة الإنسانية، حيث ظل المعدن رمزا للثروة لآلاف السنين. تنبع قيمة الذهب في نهاية المطاف من بناء اجتماعي، قائم على الاتفاق على أن الذهب كان ذا قيمة في الماضي وسيظل ذا قيمة في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، تدور جاذبية الذهب حول قدرته على الحفاظ على قيمته بمرور الوقت.
سعت البلدان عادةً إلى الاحتفاظ باحتياطيات ضخمة من سبائك الذهب، التي تعد بمثابة الملاذ الآمن لتقلبات العملات، وخاصة الدولار، الذي يمكن اعتباره العملة التجارية العالمية الأهم.
والسؤال الآن هو كيف يؤثر أسعار الذهب على قيمة العملات حول العالم؟
الخوف من التضخُّم
قبل الإجابة عن السؤال أعلاه علينا أولًا أن نفهم من أين اكتسب الذهب قيمته، والإجابة تبدو بديهية أكثر من اللازم في الواقع؛ بما أنّ الذهب معدن مثل بقية المعادن، تحتوي الكرة الأرضية على كمية محدودة منه، بالتالي يبدو بديهيًا أن يحتفظ المعدن الأصفر بقيمة مرتفعة في معظم الأوقات.
في أوقات الكساد، حين تعاني بعض البلدان من معدلات تضخُّم مرتفعة، يبقى الذهب الملاذ الأكثر أمانًا للمستثمرين، الذين يخشون من تراجع قيمة النقود التي يمتلكونها.
على سبيل المثال، عانى العالم من أزمة اقتصادية طاحنة عام 2008، وصلت إلى ذروتها في 2011، وقتئذٍ، تسرَّب الشك لصدور المستثمرين الذين توصلوا لحقيقة أن قيم العملات في طريقها للانخفاض بشكل قياسي، بالتالي كانت الوجهة المثالية نحو اكتناز أكبر قدرٍ ممكن من الذهب.
هذا التهافت الشديد دفع سعر الذهب بالسوق العالمية للقفز إلى حدود 1500 دولار للأونصة، أي تقريبًا ضعف سعره عام 2008.
صادرات وواردات الذهب
بشكل عام، ترتبط قيمة عملة الدولة ارتباطا وثيقا بقيمة وارداتها وصادراتها. بمعنى أنّه عندما تستورد دولة ما أكثر مما تصدر، ستنخفض قيمة عملتها. ومن ناحية أخرى، ستزداد قيمة عملتها عندما يكون البلد مُصدرا.
ومن هذا المنطلق، فإن الدول التي تصدر الذهب أو لديها إمكانية الوصول إلى احتياطيات الذهب ستشهد زيادة في قوة عملتها عندما ترتفع أسعار الذهب، لأن هذا يزيد من قيمة إجمالي صادرات البلاد.
على الجهة المقابلة، فإن البلدان التي تعد من كبار مستوردي الذهب سينتهي بها الأمر حتما إلى امتلاك عملة ذات قيمة منخفضة عندما يرتفع سعر الذهب.
على سبيل المثال، البلدان المتخصصة في إنتاج المنتجات المصنوعة من الذهب، ولكنها تفتقر إلى احتياطياتها الخاصة، ستكون مستوردة كبيرة للذهب.
يقودنا ذلك لحقيقة أنّ أسعار الذهب ستستمر في الارتفاع دون شك، لأن حاليًا أصبح الوصول للذهب غير المكتشف أكثر صعوبة، بمعنى أن تكلفة الحصول على كميات قليلة من المعدن النفيس أصبحت عالية جدًا مقارنة بالعقود السابقة.
لكن ما علاقة ذلك بقوة العملة المحلية؟
الإجابة ببساطة هي أن الجهة المسؤولة عن شراء الذهب هي البنك المركزي بالدولة، وحتى ينجح في ذلك، عليه طباعة الأوراق النقدية اللازمة لشراء الذهب، بالتالي خلق فائض من المعروض من العملات النقدية.
هل يؤثر الذهب فعلًا على قيمة العملات؟
الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي نعم، لكن مع ذلك، من الممكن أن تكون لا في بعض الحالات الاستثنائية.
عادة تُستخدم أسعار الذهب لقياس قيمة العملات الورقية، لكن الحقيقة هي أن العلاقة بين الذهب وقيمة العملة ليست عكسية على الدوام.
على سبيل المثال، إذا كان هناك طلب مرتفع من صناعة تتطلب الذهب للإنتاج، فسيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الذهب، لكن هذا لن يؤثر سلبًا على قيمة العملة المحلية، والتي قد تكون ذات قيمة عالية في نفس الوقت. يعني ذلك، أن الظروف الاقتصادية هي التي تتحكَّم في تحديد ماهية العلاقة ما بين أسعار الذهب وقيم العملات.
في النهاية، لقد كان الإنسان منذ فترة طويلة، ومن المرجح أن يستمر، مفتونًا بالذهب. لذلك، فالطلب على الذهب، احتياطيات البنوك المركزية منه، قيمة الدولار الأمريكي، الرغبة في اكتناز المعدن الأصفر كتحوط ضد الكساد، كلها عوامل قد تدفع أسعار الذهب للارتفاع، بالتالي قد تساهم في نفس الوقت في التأثير على قيمة العملة المحلية لأي بلد.
المصادر:
1- https://www.investopedia.com/financial-edge/0311/what-drives-the-price-of-gold.aspx
2- https://www.investopedia.com/articles/forex/11/golds-effect-currencies.asp