رياضة

رونالدو وبنزيما وآخرون.. كيف تسعى السعودية لتحقيق رؤية 2030؟

المكان: الرياض، المملكة العربية السعودية. الزمان: الـ25 من أبريل عام 2016. الحدث: إعلان الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية اعتماد خطة «رؤية 2030»، وهي خُطة ما بعد النفط بالنسبة للمملكة. 

ركزت السعودية منذ تلك اللحظة على عدّة محاور رئيسية تضمنت تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي لصندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بـ2.5 تريليون دولار أمريكي، بهدف أن يتحوَّل هذا الصندوق لمُحرِّك رئيسي للاقتصاد العالمي، وليس الإقليمي فحسب. 

بالطبع لا يمكن اختزال رؤية المملكة في صندوق الاستثمارات العامة، لكنّه المحور الأهم حين نتطرق لقطاع الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص؛ لأنّه ربما كان الوقود الحقيقي الذي يدفع قطار نهضة كرة القدم السعودية، والتي بدأت تتضح ملامحها عقب الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، ثم استقطاب نجوم بحجم كريستيانو رونالدو، كريم بنزيما، نجولو كانتي، وغيرهم من الأسماء المتوقع وصولها لدوري «روشن» في السنوات القليلة القادمة. 

والسؤال: كيف تستخدم المملكة قطاع مثل كرة القدم بشكل مُحكم؟ 

تجنُّب أخطاء الماضي

العشوائية هي المشكلة التي تُعيق الاستثمار السعودي في كرة القدم. 

كارول جوميز، مديرة أبحاث الجغرافية السياسية للرياضة في معهد دراسات «IRIS» الفرنسي. 

عقب انتهاء كأس العالم قطر 2022، نشرت مدونة البنك الدولي تقريرًا مطولًا يتضمن حلولًا لتعبئة الاستثمارات لتحسين كرة القدم بالمنطقة العربية. وكان تحسين الحوكمة الإدارية لأندية كرة القدم هي أبرز النقاط التي أشار إليها التقرير. 

في الواقع، من الصعب جدًا فهم طبيعة عمل أندية كرة القدم السعودية؛ لأنها نظريًا أندية مملوكة للحكومة، لكن عمليًا خاضعة لهبات الرؤساء الشرفيين، الأمر الذي قاد هذه الأندية لمراكمة ديون ضخمة، بسبب الإنفاق غير المدروس على استقدام اللاعبين والمدربين على مدار عقود طويلة. 

على سبيل المثال، نشرت جمعية اللاعبين المحترفين «FIF­Pro» تقريرًا في يوليو 2022 طالبت من خلاله اللاعبين بتوخّي الحذر قبل التعاقد مع الأندية السعودية، حيث يمثل دفع الرواتب أزمة لبعض اللاعبين المحترفين.

رؤية 2030
كريستيانو رونالدو، لاعب النصر السعودي.

يقودنا هذا للنقطة الأهم، وهي أن الدعم الحكومي للأندية السعودية اقتصر بالأساس على توفير الملاعب والمقار الإدارية والتراخيص، أما الأصول الملموسة مثل عقود اللاعبين والمعدات والتجهيزات أو غير الملموسة مثل العلامة التجارية أو الشهرة تظل مرهونة بمدى سخاء الأعضاء والمتبرعين وقدرتهم على اجتذاب الرعاة. 

ولأن رؤية 2030 تبدو مختلفة بالفعل، أعلن ولي العهد السعودي إطلاق مشروع خصخصة الأندية السعودية، الذي تحولت بموجبه 8 أندية سعودية إلى شركات، على أن تكون 4 منها (الاتحاد، النصر، الهلال، الأهلي) تحت رعاية صندوق الاستثمارات العامة، فيما ترعى أرامكو، هيئة تطوير الدرعية، الهيئة الملكية لمحافظة العلا وشركة نيوم أندية: القادسية، الدرعية، العلا والصقور على الترتيب. 

بهذا التحرّك، قد تتحوَّل الأندية السعودية للاحتراف فعليًا، بعيدًا عن العشوائية التي سيطرت عليها لفترة طويلة. 

ماذا عن أخطاء الآخرين؟ 

في 2017، كان الدوري الصيني الممتاز أكبر بطولة محلية تنفق في العالم، حيث أنفق أموالا أكثر حتى من الدوري الإنجليزي الممتاز.

 في فترة الانتقالات الشتوية 2016–2017، أنفقت الأندية في الصين 331 مليون جنيه إسترليني، مقابل 215 مليون جنيه إسترليني في الدوري الإنجليزي الممتاز، لاستقطاب لاعبين مثل كارلوس كارلوس تيفيز وأوسكار.

في الواقع، كان ذلك الضخ الهائل للأموال في الصين جزء من مشروع الرئيس «شي جين بينغ»، الذي رأى أنّه من غير المنطقي أن تمتلك الصين أكبر عدد السكان بالعالم ومع ذلك لا تمتلك منتخبًا قويًا. بالتالي كان التعاقد مع نجوم عالميين أداة لرفع مستوى اللاعب الصيني. 

رؤية 2030

بدأت المشكلة تتضح مع مرور الوقت، حتى مع ارتفاع العوائد نتيجة لتواجد مجموعة من أفضل اللاعبين، بدت الحكومة الصينية قلقة من تدفق الأموال إلى خارج الصين، بالتالي فرضت الحكومة الصينية «ضريبة النقل» في 2017، وهي باختصار مبلغ يساوي رسوم التعاقد مع اللاعبين الأجانب لصندوق التنمية المحلية. 

عند هذه اللحظة، أصبح الاستمرار في التعاقد مع النجوم العالميين رهانًا خاسرًا، قاد بعض الأندية للإفلاس حرفيًا. 

هذه المشكلة يبدو أنها لا تمثل عائقا أمام صندوق الاستثمار السعودي. فمن جهة الأسماء التي تسعى الأندية السعودية قد تضمن عوائد أضخم من التي حصلت عليها الصين خلال تجربتها، ومن جهة أخرى يبدو أن الهدف تسويقيًا منذ اللحظة الأولى، بمعنى أن مسألة الارتقاء بمستوى اللاعب السعودي وإن كانت مهمة بالطبع، ليست الهدف الأول للمملكة. 

هل تتحقق رؤية 2030 الرياضية؟ 

يعتقد سايمون تشادويك، أستاذ الاقتصاد الرياضي، أن انتقال كريستيانو رونالدو لنادي النصر السعودي كان مجرّد خطوة أولى لمحاولات المملكة العربية السعودية لخلق اقتصادات أكثر مرونة، تعتمد على صناعات جديدة بدلًا من تلك المشتقة من البترول والغاز. 

لا يمكن توقُّع المستقبل، لكن بكل تأكيد يمكن قراءة بعض المؤشرات. على سبيل المثال، نجح نيوكاسل بعد استحواذ صندوق الاستثمار السعودي في الوصول لمقعد مؤهل لدوري أبطال أوروبا موسم 2023/2024. كما نجح صندوق الاستثمار في دعم ملف ألعاب تروجينا الشتوية 2029، التي فازت السعودية بشرف استضافتها. فيما تسعى المملكة أيضًا لتقديم ملف قوي لاستضافة كأس العام 2030 أو 2034، بعد النجاح المبهر لمونديال قطر 2022. 

رؤية 2030

هذه التحرُّكات تبدو مدروسة، وإذا ما أضفنا لها قرار خصخصة الأندية، نجد أننا لسنا أمام محاولات «صينية» لجذب الإنتباه العالمي عبر تعاقدات ضخمة، لكن أمام مشروع حقيقي، مدفوع بإمكانيات ماديّة هائلة مثل التي تمتلكها المملكة العربية السعودية، تحقيقًا لرؤية 2030، التي أعلن عن انطلاقها قبل أكثر من عقد كامل، وبدأت ملامحها تتشكل الآن. 

المصادر: 

 

1- رؤية السعودية 2030. 

 

2- الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعبئة الاستثمارات لتحسين أداء كرة القدم؟ (مدونة البنك الدولي)

 

3- هل الأندية السعودية ملكية حكومية؟

 

4- خصخصة الأندية السعودية. 

 

5- «فيفبرو» تحذر اللاعبين من الانتقال للملكة العربية السعودية

 

6- لماذا أغلق الدوري الصيني الممتاز أبوابه أمام الأجانب؟ 

 

7- ماذا يعني انتقال كريستيانو رونالدو للدوري السعودي؟ 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى