ثقافة ومعرفة

«ست درجات من التباعد».. هل العالم قرية صغيرة بالفعل؟

«عملت أختي مع هوارد كاي، ابن عم داني كاي، المُمثِّل الأمريكي الشهير، الذي كان صديقا حميما للأميرة مارغريت، أخت الملكة إليزابيث». 

فقط تخيَّل، سلسلة من 4 أشخاص فقط تربُط سيدة أمريكية مغمورة تُعلِّق على إحدى التدوينات، بالملكة أليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا السابقة. هل العالم قرية صغيرةً بالفعل؟ 

الآن،  الوصول لأي معلومة تريد أصبح على بُعد بضع نقرات بفضل الإنترنت، بل أنك قد تستطيع التفاعُل ولم لا التحدُّث مع أشهر شخصيات العالم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. لكن ماذا لو أن هنالك رابطًا حقيقيًا بينك وبين هؤلاء الأشخاص الذين تعتقد أنك يستحيل أن تلتقي بهم قط؟ رابط مكوَّن من ستة أشخاص على أقصى تقدير. مرحبًا بك، هل سمعت يومًا عن نظرية «ست درجات من التباعد»؟ 

نظرية ست درجات من التباعد 

ست درجات من التباعد أو ست درجات من الانفصال، هي نظرية تقول بأن كل شخص وكل شيء هو على بعد ست خطوات أو أقل من أي شخص آخر في العالم، حسب هذا المفهوم أي شخصين في العالم يمكن الربط بينهم خلال ستة أشخاص آخرين على الأكثر. بالتالي، هنالك خمس اشخاص يصلون شبكة المعرفة بين أي شخصين بهذا العالم. هل يُعقل ذلك؟ 

كالعادة، تبدأ القصة بالتجربة، والتجربة هذه المرة جاءت عبر عالم النفس الاجتماعي «ستانلي مليجرام» عام 1967، الذي دفعته رغبة ما لتحديد احتمالية معرفة شخصين تم اختيارها عشوائيًا لبعضهما البعض. 

ست درجات من التباعد

في طريقه لحل مسألة «العالم الصغير»، اختار ميلجرام مجموعة من الأفراد في مدن «أوماها» و«نبراسكا» و«ويتشيتا» بولاية كانساس الأمريكية ليكونوا نقاط البداية وبوسطن، ماساتشوستس، لتكون نقطة النهاية لسلسلة من المراسلات. واختار ميليجرام هذه المدن لأنه كان يعتقد أنها تمثل اختلافات كبيرة اجتماعيا وجغرافيا.

كانت التجربة قائمة بالأساس على إيصال الأشخاص ‑في نقطة البداية- لحزم من الرسائل للأشخاص الموجودين بنقاط النهاية، عن طريق تفكير المجموعة الأولى في صديق أو قريب يمكنه أن يوَّصل الحزمة لشخص آخر ثم إلى آخر، حتى تصل الحزمة بالنهاية للهدف المقصود. 

بشكل مؤسف، انتهت التجربة بأسوأ نتائج ممكنة؛ من ضمن 296 رسالة وصلت 64 فقط للهدف، مع الإشارة إلى أن الـ64 رسالة التي وصلت بالفعل كانت قد مرَّت بالفعل على 6 أشخاص قبل أن تصل لهدفها النهائي. 

مع ذلك، من وجهة نظر إحصائية، لا يمكن اعتماد هذه النتائج كدليل دامغ على أي شيء، لكن لسبب ما، حققت نظرية الـ«ست درجات من التباعد»، والتي لم تكن قد حمَلت هذا الاسم وقتئذٍ، رواجًا كبيرًا، على الرغم من التشكيك الأكاديمي في خطوات تنفيذ التجربة من الأساس، فضلًا عن نتائجها. 

لأننا نريد التواصل 

بحث ميليجرام، سَمِّه كيف تشاء، «العالم الصغير» أو ست درجات من التباعد»، لم يحقق أي انتصار للبحث الاجتماعي، لكنّه يشير إلى نمطٍ مألوف قد يُرجع قبوله على نطاق واسع، ألا وهو حقيقة امتلاك مجموعة محدودة فقط من البشر للمال، الوجاهة، والذكاء الاجتماعي الذي يجعلهم أكثر قدرة على إنشاء مثل هذه الروابط الاجتماعية، على عكس معظم البشر، الذين وجدوا في فكرة مثل العيش في عالم صغير، فكرة مقبولة، حتى ولو لم تدعمها الأدلة العلمية. 

ست درجات من التباعد
ستانلي ميليجرام.

في 2021، نشرت «جوديث كلاينفيلد»، بروفيسور علم النفس، تحليلًا طويلًا لنظرية «ست درجات من التباعد» ومن ثَم فكرة العالم الصغير، لكن الأهم كان إجابتها على التساؤل المطروح أعلاه؛ ما الذي يجعل هذه النظريات مقبولة شعبيًا؟ 

طبقا لكلاينفيلد، من وجهة نظر نفسية، هناك ثلاثة أسباب رئيسية تفسر هذه الظاهرة: 

1- الإيمان بأن العالم صغير يمنح الناس شعورًا بالأمان. 

2- تتشابك تجربة العالم الصغير مع بعض المعتقدات الدينية؛ فمثلا حين تقابل شخصا يعرف شخصا إلخ. فهذا يعني للمؤمنين بمعتقداتهم على أنّ الكون يسير وفقًا لترتيبات خالقه. 

3- عدم قدرة البشر ‑في معظم الأحيان- على فهم ما تعنيه الصُدفة، التي قد تجعل شخصًا يسكن إفريقيا مرتبط بشكل ما بأحد نجوم هوليوود مثلا. 

ومع ذلك 

بالتأكيد، لا يُحب البشر من ينسف انطباعاتهم الأولى، كما فعلنا قبل قليل، لكن دعنا نخبرك أن قصة «ست درجات من التباعد» قد بدأت ثم تم انتقادها وتفنيدها قبل أن يُصبح عالمنا بالفعل قرية صغيرة. نعم، قبل ظهور الإنترنت

على الرغم من أن تعداد سكان العالم حاليًا قد يصل لـ6.6 مليار إنسان، وهو ما يُمثِّل تقريبًا ضعف تعداد السكان وقتما أجرى ميليجرام تجربته، تبدو النظرية أكثر قابلية للإثبات الآن. 

في أغسطس 2008، أعلنت مجموعة من الباحثين التابعين لشركة «مايكروسوفت» أن النظرية صحيحة. بعد دراسة مليارات الرسائل الإلكترونية، توصلوا إلى أن أي شخصين غريبين، في المتوسط، يبعدان عن بعضهما البعض بـ6.6 درجة من الفصل.

ست درجات من التباعد

وفقا لصحيفة «واشنطن بوست»، درس الباحثون في «مايكروسوفت» سجلات 30 مليار محادثة إلكترونية بين 180 مليون شخص في مختلف البلدان، ولاحظوا أن هناك شبكة اجتماعية تغطي الكوكب بأكمله، وحسب نفس الصحيفة، غطت قاعدة البيانات جميع شبكات مايكروسوفت ماسنجر للرسائل الفورية في حزيران/يونيو 2006، أي ما يعادل تقريبا نصف حركة الرسائل الفورية في العالم في ذلك الوقت.

هذا ليس كل شيء، فهذه الشبكة الاجتماعية العملاقة تقلصَّت مع صعود منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر؛ لأنها تزيد من احتمالية تعرُّف الغرباء على بعضهم البعض.

في 2016، وعبر بيان رسمي ، أعلنت شركة «فيسبوك» بفخر عن مساهمتها في تحويل العالم لقرية صغيرة بالفعل، حيث اتضح بعد دراسة وتحليل بيانات مستخدميها الذين يصل عددهم لمليار ونصف إنسان وقتئذ، أنّ 4 أشخاص فقط هم الحد الفاصل بين كل شخصين بهذا العالم. 

 

المصادر: 

1- تجربة العالم الصغير (ويكيبيديا) 

2- فضح نظرية «ست درجات من التباعد» (Entre­pre­neur) 

3- لغز «ست درجات من التباعد 

4- برهان! ست درجات فقط من الفصل بيننا (ذي غارديان) 

5- ست درجات من الانفصال؟ فيسبوك يتوصل لعدد أقل (نيويورك تايمز) 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى