الصحة النفسية

هل الرياضة تعالج الأمراض النفسية وتغني عن العلاج النفسي الحديث؟

بعد التقدم العلمي الكبير في معالجة المشكلات النفسية على اختلاف أشكالها، هل نستطيع أن نثبت أن الرياضة تعالج الأمراض النفسية التي أصبحت شائعة في وقتنا هذا كالاكتئاب، التوتر، والقلق والتي تسمى بأمراض العصر؟ كلنا يعلم أن ممارسة الرياضة تساعد على الوقاية من الأمراض العضوية، مثل: ضغط الدم، السمنة، السكري، أمراض القلب وغيرها، ولكن هل فكرت يومًا في حماية صحتك النفسية، والعقلية عن طريق الرياضة؟ تابع القراءة لتجد بغيتك في هذا المقال.

هل الرياضة تعالج الأمراض النفسية؟

هل الرياضة تعالج الأمارض النفسية وتغني عن العلاج النفسي الحديث
عند معاناة الشخص من إحدى المشكلات والأمراض النفسية، فإن ممارسة التمارين الرياضية بأشكالها إحدى سبل العلاج التي لها فاعلية كبرى، ومن أهم المشكلات النفسية التي تساعد الرياضة على التخفيف من حدتها: القلق، الاكتئاب، والتوتر، وليس من الصواب أن يفكر أولئك الذين يعانون من هذه المشكلات أن يتعاملوا مع الرياضة كخيارٍ أخيرٍ، بل إنه من المفضل أن تكون الخطوة الأولى في طريق العلاج، وعلى سبيل المثال، فقد ثبت أن ممارسة رياضة المشي، أو الجري لمدة ربع ساعة فقط يوميًا تخلص الشخص من الضغوطات النفسية.
وبمرور الوقت يشعر الشخص بتحسن كبير في حالته النفسية، وهو ما ينعكس بالإيجاب على حالته الصحية الجسمانية، ومن أهم المشكلات الصحية التي تساعد ممارسة الرياضة على التخلص منها: داء السكري، التهاب المفاصل، وارتفاع ضغط الدم، وعلى الرغم من عدم وجود روابط واضحة وواقعية بين ممارسة التمارين الرياضية، والتخفيف من حدة المشكلات النفسية والجسمانية، إلا أن جميع التجارب أثبتت تأثيرها الإيجابي في هذا الشأن، إلى جانب أنها تمنع عودة الشعور بالقلق، والاكتئاب مجددًا بعد التعافي منهما حال الاستمرار عليها.

أمراض نفسية تحاربها الرياضة

ثبت من خلال الدراسات العلمية والتجارب أن الرياضة تعالج الأمراض النفسية بأشكالها المختلفة، وكل هذه المشكلات والاضطرابات النفسية لا يمكن للشخص تخطيها دون الخضوع لعلاج ممنهج على يد أحد المتخصصين، ولعل من يتعامل مع أي لايف كوتش، أو متخصص في العلاج النفسي، اختصاصي كان أو طبيب، يرى كيف أنه يركز على فكرة ممارسة الرياضة، وفيما يلي نوضح كيف أن الرياضة تعالج المشكلات النفسية بأشكالها المختلفة.

اضطراب ما بعد الصدمة

تساعد التمارين الرياضية الجسم على الخروج من حالة الانغلاق التي تلازمه عند التعرض لأي من أشكال الصدمات، وهي التي تحدث للشخص بعد التعرض لحادثةٍ كارثيةٍ، سواء حدثت له أو رآها تحدث لغيره، وما تقوم به الرياضة هو أنها تمنع الشخص من التركيز على ما يدور بعقله، وتصرفه إلى ما يشعر به في عضلات جسمه، ومن أفضل الرياضات التي تساعد على التعافي من هذه الحالة: الجري، الرقص، السباحة، المشي على الرمال، وركوب الدراجات.

التوتر العضلي والإرهاق

إن الشعور بالإرهاق لهو إشارة من الجسم إلى توتر عضلاته، خاصةً في مناطق: الرقبة، الكتف، والوجه، وهو ما يسبب ألمًا شديدًا في: الظهر، الرقبة، والجسم بالكامل، وقد يتطور الأمر ليعاني الشخص من الصداع، أو ضيق التنفس، أو الإسهال، أو التبول المتكرر، أو حرقة المعدة، ولأن ممارسة الرياضة تعالج الأمراض النفسية عن طريق إطلاق هرمون الأندروفين، فإنها تعمل على تخفيف حدة الألم، وإرخاء العضلات المتشنجة.

الاكتئاب

تقوم التمارين الرياضية بالدور نفسه الذي تقوم به الأدوية المضادة للاكتئاب، وذلك في حالات الاكتئاب الخفيف والمتوسط، وفي دراسة أجريت بكلية الصحة النفسية، جامعة هارفارد، ثبت أن ممارسة رياضة الجري لمدة ربع ساعة يوميًا، أو المشي لمدة ساعة يقي من التعرض للاكتئاب بنسبة 25%، ويعالج منه عند الإصابة به، والسبب في ذلك هو أنها تساعد الجسم على إطلاق هرمون الأندروفين الذي يشعره بالراحة والاسترخاء، كما أنها تخفض الالتهاب، وتساعد على النمو العصبي الدماغي.

اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة

من أسهل الطرق، وأفضلها لتخفيف أعراض اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة، ممارسة التمارين الرياضية، ذلك لأنها تساعد على تقوية الذاكرة، التركيز، تحسين المزاج، والحالة النفسية، والسبب العلمي لذلك هو أن الرياضة تعزز مستويات: الدوبامين، السيروتونين، والنورايبين في الدماغ، وهو ما يزيد من القدرة على التركيز والانتباه، ومن الجدير بالذكر أن تأثير الرياضة له نفس فاعلية الأدوية التي تستخدم في علاج هذه الحالة.

كيف تعالج الرياضة الأمراض النفسية

علاج الأمراض النفسية الحديثة بالرياضة
إن ممارسة الرياضة تعالج الأمراض النفسية المتنوعة لعدة أسباب، منها: أن الجسم وقتها يقوم بإفراز هرمون الأندروفين الذي يساعد على الشعور بالراحة النفسية والسعادة، كما أن العقل يبتعد عن كل الأفكار السلبية، وينشغل بممارسة التمارين التي يقوم بها الجسم، إلى جانب أن أي إنجاز يقوم به المريض يكسبه ثقةً كبيرةً بالنفس، ومن أهم الإنجازات ممارسة الرياضة، ولا ننسى أن من يمارس الرياضة في جماعة يتخلص من الشعور بالوحدة، وربما وجد من بين صحبته من يبوح له بمتاعبه، ويتخلص من جزء من حمله، وفيما يلي نورد جميع هذه الأسباب بإسهاب:

إفراز الجسم للإندروفينات

تسمى الإندروفينات بهرمونات السعادة، وهي عبارة عن مجموعة من المواد الكيميائية التي يفرزها الجسم، وتؤثر على مدى شعور الشخص بالسعادة، وهذه الهرمونات هي: السيروتونين، الإندروفين، الدوبامين، والأوكسيتوسين، ومن الجدير بالذكر أن هذه المواد جميعها طبيعية، إلا أن مفعولها يشبه مفعول الحشيش الذي يتعاطاه البعض بهدف الشعور ببعض السعادة والنشوة، ولو كانت زائفة.

المساهمة في زيادة التركيز

أحد أسباب كون الرياضة تعالج الأمراض النفسية هو أنها تعمل على الحفاظ على مهارات الشخص العقلية، خاصةً بعد أن يتقدم بالعمر، وهذا يساعد على أن يكون قادرًا على التعلم المستمر، والتفكير النقدي البناء، واكتساب الحكمة في معالجة الأمور كلها، وقد ثبت أن الأشخاص الذين يقومون بممارسة التمارين الرياضية لمدة 30 دقيقة من 3 إلى 5 مرات في الأسبوع يتمتعون بصحةٍ عقليةٍ جيدة.

زيادة الثقة بالنفس

يعد الكثيرون ممارسة التمارين الرياضية من الأمور التي تشق عليهم، ويعتقدون أنه ليس من السهل المواظبة عليها، وهنا فإن النجاح في القيام بذلك بشكل منتظم يكسب الشخص الثقة بالنفس، ويشعره بالإنجاز الكبير، خاصةً لو ترتب على ممارستها استعادة اللياقة البدنية، تحسن الحالة الصحية، والتغلب على بعض الأمراض التي كانت ناتجة عن السمنة، وتدهور الحالة النفسية.

أسلوب الحياة الصحي

الغالبية العظمى ممن يعانون من بعض المشاكل النفسية، كالقلق الاكتئاب، والتوتر يختارون نمط حياة غير صحي يتناسون به الحالة السيئة التي يمرون بها، وهو ما يزيد من تفاقم المشكلة، ويجعل من الصعب التعافي منها، وعلى العكس، فإن اختيار نمط الحياة الصحي، رغم الضغوطات، يساعد على التعافي، والشعور بالتحسن خلال وقت قصير، ولا يجعل المرض يتمكن من الشخص.

التقليل من الشعور بالإجهاد والكآبة

إن النشاط الجسدي يساعد العقل على أن يتخلص من الضغوطات اليومية ويتركه صافيًا، وهو ما يجنبه الأفكار السلبية التي تداهمه عند الكسل وقلة الحركة، وفي الوقت الذي تعمل فيه الرياضة على زيادة إفراز هرمونات السعادة في الجسم، فإنها تقلل من إفراز هرمونات التوتر، وهو ما يجنب الشخص الشعور بالمشاعر السلبية، ويشعره بالسعادة بدلًا عن ذلك.

تحسين عادات النوم

الرياضة تعالج الأمراض النفسية الحديثة
إن ممارسة التمارين الرياضية، أو أي شكل من أشكال الحركة يساعد في الحصول على نومٍ جيدٍ، من حيث الجودة، النوعية، والتوقيت، فالإنسان الذي يبذل الكثير من الجهد خلال يومه يتمكن من النوم بمجرد الاستلقاء على الفراش، ولا يأخذ الكثير من الوقت ليستغرق في النوم بعمق، ويساعد هذا بشكلٍ غير مباشرٍ في تحسين الحالة المزاجية، فالنوم العميق خلال ساعات الليل المبكرة يساعد الجسم على إفراز بعض الهرمونات التي تمده بالنشاط، الحيوية، والشعور بالمزاج الحسن في اليوم التالي.

زيادة التفاعل الاجتماعي

يفضل في حال إصابة الشخص بإحدى المشكلات النفسية ممارسة التمارين الرياضية خارج المنزل مع أناس آخرين؛ فهذا من شأنه أن يخفف من الضغط الذي يشعر به، فقد ثبت أن الحالة المزاجية تتحسن بمجرد أن يرى الشخص أماكن وأشخاصًا جدد حتى ولو لم يتفاعل أو يتبادل الحوار معهم، فالكلمات البسيطة، أو حتى ابتسامة متبادلة كلها أمور تحسن من الحالة النفسية بشكلٍ أكبر.

هل يلزم اتباع نظام ممنهج لممارسة الرياضة؟

علمنا مما سلف أن ممارسة الرياضة تعالج الأمراض النفسية، وتساعد على التخلص منها خلال وقتٍ قصيرٍ، ولكن هل هذا يعني أن الشخص الذي يعاني منها يلزمه اتباع نظام ممنهج للوصول إلى هذه الغاية؟ الحق أن الأبحاث أظهرت التأثير الإيجابي لكل أشكال الحركة على الحالة النفسية، وهذا يعني أنه لا يلزم اتباع برنامج تدريبي محدد، ومع ذلك فإننا لا نعد النشاط البدني العادي، وممارسة التمارين الرياضية شيئًا واحدًا، بل هناك فرق بين كلٍ منهما، نورده فيما يلي:

  • النشاط البدني العادي: هو أي تحرك يلزمه طاقة ومجهود عضلي، كالأعمال المنزلية، أو المشي الخفيف.
  • ممارسة التمارين الرياضية: هي حركات منظمة ومكررة نقوم بها؛ لتحسين اللياقة البدنية، والحفاظ على الصحة.

أنواع التمارين الرياضة التي تساعد على تحسين الحالة المزاجية

نصائح المواظبة على الرياضة للقضاء على الأمراض النفسية الحديثة
هناك الكثير من أشكال الرياضة التي تسهم في التخلص من الضغط النفسي، والعلاج من المشكلات النفسية، وتشمل المشي السريع الذي يشبه الهرولة والجري، خاصةً في الهواء الطلق، رفع الأثقال، السباحة، كرة السلة، وغيرها من التمارين الرياضية، وهناك بعض الأنشطة التي تساعد على الوصول لنفس الغاية، مثل: الأنشطة البدنية المحببة للشخص، كرعاية حديقة بيته، أو تنظيف البيت، أو التمشية الخفيفة التي لا تتطلب الكثير من الجهد.

تمارين فردية تساعد على تحسين الحالة المزاجية

على الرغم من أن ممارسة الرياضة تعالج الأمراض النفسية بفاعليةٍ أكبر لو كانت جماعية، حيث تساعد الشخص على الانخراط مع غيره من الناس، وتكوين صداقات جديدة، والتعافي مما يعاني منه في وقتٍ أقصر، إلا أن البعض يفضل أشكال الرياضة الفردية، ولا ضير من ذلك، فلها الكثير من الفوائد، ومن أهم هذه الرياضات نورد ما يلي:

  • اليوجا: تساعد على تقليل الشعور بالتوتر والاسترخاء، وهو ما يعالج الاكتئاب، والإرهاق، واضطراب ما بعد الصدمة.
  • الجري المنفرد: يساعد على السيطرة على الأفكار السلبية، واستبدالها بأخرى إيجابية.
  • ركوب الدراجة: يساعد ركوبها في الهواء الطلق على الحفاظ على المادة البيضاء بالمخ، وهو ما يعالج الكثير من المشاكل.
  • القدر الكافي من الرياضة للتخلص من الأمراض النفسية

    لا يمكن للشخص الاستفادة من ممارسة الرياضة في التخلص من الأمراض النفسية إلا إذا داوم عليها على المدى البعيد، ولم ينقطع عنها، ولعل هذا يجعل من اللازم اختيار أنواع الأنشطة التي يحبها، ويستمتع بها، وتكفي ممارسة أي شكل من أشكال الرياضة لمدة 30 دقيقة فأكثر من 3 إلى 5 أيام في الأسبوع، وفي حال كان ذلك يسبب الشعور بالإجهاد، فلا ضير من الاقتصار على 10 إلى 15 دقيقة فقط في اليوم.

    نصائح للمواظبة على ممارسة الرياضة

    هناك الكثير من الناس من يبدأ ممارسة التمارين الرياضية بحماس في بداية الأمر، ولا يمر وقتٌ طويلٌ إلا ويسيطر عليهم الشعور بالملل، وتقل همتهم وعزيمتهم، ولو كان الشخص مصابًا بإحدى المشاكل النفسية، فإن تراجعه يشعره بالمزيد من الضغط النفسي، وفي هذه الحالة لا يكون صحيحًا أن الرياضة تعالج الأمراض النفسية، وتخفف من حدتها، بل إنها تزيد من حدتها بسبب الشعور بالفشل؛ لذا هناك بعض الإجراءات التي تسهل على الشخص المواصلة وعدم التوقف، وهي كالتالي:

  • اختيار نوع النشاط الذي يحبه الشخص، والوقت الذي يفضل ممارسته فيه.
  • الحصول على الدعم، والمساعدة من قبل أحد المختصين في الصحة النفسية والعقلية.
  • اختيار أهداف منطقية، وعقلانية ومعقولة؛ حتى لا يتحمل الشخص فوق طاقته.
  • القيام بممارسة الرياضة بدافع الحب، وليس على أنها عمل روتيني يشعر بالملل والتعب.
  • تناول الأطعمة التي تمد الجسم بالطاقة، والبعد عما يسبب له الكسل والخمول، مثل: الدهون والسكريات.
  • مسامحة النفس، وتقبل فكرة الانتكاس من وقت لآخر، فليس مطلوبًا أن يكون الشخص مثاليًا في هذه الحالة.
  • متى يمكن استشارة الطبيب المختص؟

    الرياضة وعلاج الأمراض النفسية الحديثة
    ليس معنى أن الرياضة تعالج الأمراض النفسية أنه يمكنك البدء في ممارستها، واختيار ما يحلو لك منها من تلقاء نفسك، بل يفضل استشارة أحد المتخصصين قبل الشروع في ممارستها؛ فهو سيساعدك على اختيار الأنسب لك من أشكال الرياضة، وسيحدد لك المدة الزمنية التي تمارسها فيها، كما أنه سيساعدك على الحفاظ على حماس البدايات، والاستمرار في ممارستها بروح إيجابية.
    كذلك في حال قمت بممارسة التمارين الرياضية، واتبعت بعض النصائح التي تخلصك من المشكلة التي تعاني منها، وظل الوضع كما هو، ولم تزل عنك الأعراض المزعجة، فإن ذلك يتطلب الإسراع في طلب المساعدة من أحد مختصي الطب النفسي، فإن ممارسة الرياضة، على الرغم من كونها عاملًا مساعدًا وفعالًا في علاج الأمراض النفسية، إلا أنها لا تغني عن العلاج النفسي، سواء بالأدوية أو العلاج المعرفي السلوكي بالجلسات.
    نختتم كلامنا بأن الأمراض النفسية والعقلية متعددة وكثيرة، منها: ما يكون بسيطًا يمكن التخلص منه ببعض الإجراءات البسيطة، كممارسة التمارين الرياضية، واتباع نظام حياة صحي، ومنها: ما يكون عصيبًا، ولا يمكن التخلص منه إلا على يد طبيب متخصص في المجال النفسي، بل تتطلب بعض الحالات الاحتجاز في إحدى المصحات النفسية، ومن هنا نستخلص أن الرياضة تعالج الأمراض النفسية البسيطة، ولكنها لا تكون فعالة وحدها لو كانت الحالة مستعصية.

    المصادر:

    فرونت إيرسين.
    إن سي بي أي.
    هيلب جايد.
    ويكيبيديا.

    زر الذهاب إلى الأعلى