شخصيات مؤثرةملهمات

روبرت كوخ.. العبقري الذي اكتشف السل والجمرة الخبيثة

ليس هناك ما هو أعظم من اكتشاف أسباب الإصابة بالأمراض الفتاكة، وربما اكتشاف العلاجات الممكنة لها، حيث يحصل الشخص الذي يتوصل إلى تلك المساهمات الطبية على درجات التقدير التي تصل أحيانا إلى الفوز بجائزة نوبل الشهيرة، مثلما حدث مع الطبيب والعالم الذي توصل إلى البكتيريا المسببة لمرض السل القاتل في أواسط القرن الـ19 وغيره من الأمراض، والمعروف باسم المؤسس الحقيقي لعلم الجراثيم، روبرت كوخ.

ولادة عالم

ولد روبرت كوخ في مدينة كلاوستال الألمانية في الـ11 من ديسمبر سنة 1843، فيما لفت انتباه والده مهندس التعدين إلى عقليته المتفردة وذكائه الشديد، منذ أن كان في الـ5 فقط من عمره، إذ كان قادرا منذ ذلك الوقت على تعلم القراءة بنفسه ودون مساعدة، فقط عبر تصفح الجرائد وقراءة الأخبار اليومية.

التحلق روبرت بجامعة غوتينغن الألمانية في سنة 1862 من أجل دراسة الطب، حيث تتلمذ على يد جاكوب هينلي، رائد علم التشريح والذي أيد فيما بعد نظرية علاقة البكتيريا بالأمراض، فيما حصل روبرت على الدرجة العلمية عام 1966 ليعمل كمساعد في إحدى المستشفيات، قبل أن يتطوع بعد 4 أعوام كضابط طبيب للمشاركة في الحرب الفرنسية البروسية.

سر الجمرة الخبيثة

تفرغ روبرت كوخ عقب انتهاء الحرب للعمل كطبيب في بعض من المستشفيات في ألمانيا، قبل أن يبدأ رحلة طويلة من البحث عن أسباب معاناة البشر من الأمراض المعدية في القرن الـ19، ومن بينها مرض السل القاتل آنذاك، إلا أن بداية مساهمات روبرت العلمية والطبية كانت تدور حول مرض الجمرة الخبيثة، التي كانت هاجسا مخيفا بالنسبة لشعوب العالم في هذا التوقيت.

تمكن روبرت من خلال عمله في أحد المراكز الخاصة ببلدية فولستين الألمانية، من التوصل إلى الأسباب الجذرية لظهور الجمرة الخبيثة، التي حصدت أرواح الكثير من الحيوانات والبشر الذين يقومون بتربيتها في ألمانيا وغيرها من الدول، إذ نجح من خلال حقن بعض الحيوانات بأنسجة مصابة بالجمرة الخبيثة، من إدراك البيئة المناسبة لها من أجل تطورها وانتشارها، ليصبح روبرت كوخ في لحظة من المشاهير، بعدما صار الرجل الذي توصل في عام 1876 إلى علاقة بين البكتيريا والمرض، أطلق عليها البعض فيما بعد اسم نظرية روبرت كوخ.

اكتشاف السل

لم يكتف روبرت بالتوصل إلى سر معاناة الشعوب والكائنات الحية بشكل عام من الجمرة الخبيثة، بل شهدت بداية انتقاله للعمل بمركز الصحة الإمبراطوري في برلين، بداية إجرائه للأبحاث أملا في الوصول البكتيريا المسببة لمرض آخر لا يقل فتكا عن سابقه، ويتمثل في مرض السل القاتل.

نجح روبرت في اكتشاف مادة التيوبركلين التي تسبتت في انتشار مرض السل آنذاك، والتي صارت وسيلة العلماء فيما بعد وحتى وقتنا هذا، من أجل تشخيص هذا المرض، ليتمكن في سنة 1882 من الإعلان عن سبب الإصابة بالسل، وكذلك الطريقة المثلى للوقاية من المرض الخطير، ما أدى لحصوله على جائزة نوبل ولكن بعد مرور عدد من السنوات.

روبرت كوخ في زمن الكوليرا

نال روبرت كوخ تقديرا دوليا يستحقه، بعدما صار الطبيب القادر على ربط البكتيريا بالأمراض المعدية، ليس هذا فحسب بل أصبح المكتشف وراء أسباب المعاناة من السل والجمرة الخبيثة، لذا وكلت إليه مهمة السفر لعدد من بلدان العالم، ومن بينها مصر والهند وعدد من الدول الأخرى في قارتي إفريقيا وآسيا، من أجل التحقيق في أسباب انتشار مرض الكوليرا الشائع هناك.

تمكن روبرت كعادته من التوصل إلى البكتيريا المسببة لهذا المرض الفتاك، على الرغم من صعوبة المهمة كونه مرضا بشريا فحسب، ولا يصيب الحيوانات إلا في ظروف نادرة، لكنه نجح في اكتشاف علاقة مياه الشرب الملوثة الوطيدة بالكوليرا في عام 1892، ما أدى إلى زيادة حملات التوعية في ألمانيا آنذاك، بخصوص ضرورة  الانتباه لمخاطر المياه الملوثة.

إلى جانب مساهمات روبرت في عالم البكتيريا المليء بالأسرار، نجح العالم الألماني في التوصل إلى تقنيات جديدة تساهم في تطوير الأبحاث العلمية، حيث استخدم صبغات مختلفة لسهولة استكشاف البكتيريا، كما تعاون مع مصممي المجهر أو الميكروسكوب أملا في تحسين دقة الرؤية، ليصبح فيما بعد العالم الأول الذي استخدم العدسات المغمورة بالزيت خلال عمله وكذلك المكثف الحراري.

نوبل وسنوات الترحال

استحق روبرت كوخ دون شك الحصول على أعلى درجات التكريم في بلاده وخارجها، حيث أطلق على معهد الأمراض المعدية الذي ترأسه روبرت لبعض الوقت، اسم معهد كوخ تيمنا باسمه في عام 1904، كما حصد عدد من الجوائز الفخرية ربما تعد أكثرها شهرة هي جائزة نوبل، التي حصل عليها في سنة 1905، تقديرا لجهوده العلمية المتعددة، وفي مقدمتها اكتشاف البكتيريا المسببة لمرض السل القاتل، فيما أطلق عليه المؤسس الحقيقي لعلم الجراثيم.

أمضى روبرت السنوات الأخيرة من حياته، في السفر والترحال بين دول وقارات مختلفة، فيما لم يكن ذلك بغرض التنزه والاستمتاع بل كذلك من أجل إجراء أبحاث علمية جديدة، تساهم في تطور البشرية، إذ سافر إلى جنوب إفريقيا لدراسة أسباب معاناة الحيوانات هناك من الطاعون، فيما زار دولا أخرى بداخل القارة السمراء للوقوف على العوامل المؤدية للإصابة بأمراض خطيرة شائعة هناك، مثل الملاريا والحمى القلاعية، علاوة على مرض النوم الطفيلي أيضا.

في النهاية، لم يبخل روبرت كوخ بعلمه في أي من فترات حياته، حتى وإن كان ذلك في سنوات عمره الأخيرة، حتى توفي في الـ27 من مايو لعام 1910، في بلدة بادن الألمانية، عن عمر يناهز الـ67، بسبب مرض في القلب، لتنتهي حياة روبرت كوخ الحافلة بالإنجازات العلمية والطبية، التي لم ينته أثرها على البشر إلى الآن بعد مرور أكثر من قرن كامل على الوفاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى