ثقافة ومعرفة

مركبة كاسيني.. السفينة التي غزت الفضاء قبل أن تحترق عمداً

في عام 1997، شهد العالم إطلاق سفينة فضائية عملاقة إلى الفضاء الخارجي، بغرض اكتشاف هذا العالم الخفي المليء بالأسرار العجيبة، ما تكلل بالنجاح فعليا بعد التوصل إلى عدد من المفاجآت العلمية، والفضل يعود إلى بطلة الرحلة، مركبة كاسيني العملاقة.

مركبة كاسيني

مركبة كاسيني هو اسم تلك المركبة التي انطلقت من كوكب الأرض منذ نحو 23 سنة، إلى كواكب الزهرة والمشتري، قبل الوصول إلى الهدف وهو كوكب زحل، ومن ثم الاستقرار حوله في عام 2004، في رحلة طويلة المدى وغزيرة الاكتشافات أيضا.

أمل علماء وكالة ناسا الفضائية بالتعاون مع علماء وكالة الفضاء الأوروبية من خلال مركبة كاسيني، إلى محاولة اكشاف عدد من الأقمار الأخرى في الفضاء، ومعرفة السر وراء حلقات كوكب زحل والألوان الخاصة بها، إضافة إلى فهم طبيعة الأقمار الخاصة بكل كوكب في المجموعة الشمسية.

اكتشافات أقمار زحل

بينما كان العلماء والخبراء على علم بوجود ما يزيد عن 50 قمرا عرفوا باسم أقمار زحل، جاءت رحلة مركبة كاسيني طويلة الأجل، لتكتشف نحو 7 أقمار أخرى خاصة بالكوكب المذكور، والذي صار هو الشغل الشاغل للمركبة منذ الوصول إليه، وعلى مدار نحو 13 سنة.

اكتشف العلماء عبر مركبة كاسيني دلائل مؤكدة على وجود مياه سائلة بداخل إنسيلادوس، وهو أحد أكبر الأقمار التابعة لكوكب زحل، والمعروف بأنه جليدي، كذلك توصل الخبراء إلى وجود بحيرة عملاقة تتكون من الميثان على سطح قمر تيتان، وهو أكبر الأقمار الخاصة بكوكب زحل، والذي يعرف بأنه يملك أحد أكثر الأغلفة الجوية كثافة، ما أشار لاحتمالية وجود حياة فوق زحل.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حملت مركبة كاسيني المزيد من الأخبار الجيدة والمعلومات القيمة، لعلماء وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة ناسا، حين قامت باكتشاف حلقة جديدة من حلقات زحل، ولكنها تميزت تلك المرة بأنها كانت عملاقة الحجم، كما أنها كانت تبعد عن زحل بنحو 8 ملايين ميل تقريبا.

رحلة ممتدة

لم يكن الهدف الرئيسي لعلماء وكالات الفضاء العالمية وراء انطلاق مركبة كاسيني إلى الفضاء، يفوق استمرار المركبة لأكثر من 4 أعوام بالتمام والكمال، حيث تمثلت الخطة الموضوعة مسبقا في إطلاق كاسيني من الأرض في عام 2004، على أن تنتهي الرحلة في سنة 2008، ما لم يحدث على أرض الواقع، نظرا لأن نجاح الرحلة الذي فاق التوقعات أقنع العلماء بتمديدها لسنوات وسنوات أخرى.

ظلت كاسيني تجمع المعلومات حول كوكب زحل لمدة 13 سنة، وتحديدا حتى حلول عام 2017، عندما قرر العلماء توجيهها بسرعة قصوى إلى الغلاف الجوي الخاص بزحل من أجل إحراقها، ما حدث عمدا من أجل حماية قمر إنسيلادوس وغيره من الأقمار التابعة لكوكب زحل، من خطورة اصطدام مركبة كاسيني بسطحه، ما قد يؤدي في تلك الحالة إلى نشر ميكروبات كوكب الأرض عليه، ومن ثم إضاعة فرصة اكتشاف ربما دلائل وجود حياة هناك.

لم يقرر علماء الفضاء إنهاء رحلة مركبة كاسيني، قبل أن تلتقط المزيد من الصور المذهلة لكوكب زحل، لتكمل سلسلة اللقطات المذهلة التي كانت قد حصلت عليها منذ سنوات لأكبر كواكب المجموعة الشمسية المشتري.

سر التسمية

في وقت تعددت فيه الإسهامات الخاصة بتلك المركبة الفضائية الشهيرة، مركبة كاسيني، فإننا نجد أن سر تلك التسمية يعود إلى جيوفاني كاسيني، وهو عالم الفضاء القادم من القرن الـ17، والذي كان أول من اكتشف 4 أقمار دفعة واحدة تابعة لكوكب زحل، وهم إيابيتوس في عام 1671، وقمر ريا في العام الذي يليه، إضافة إلى قمر تثيس في سنة 1684 وقمر ديون الذي اكتشفه في نفس العام.

الجدير بالذكر أن خطة إطلاق مركبة كاسيني إلى الفضاء، قد بدأ الحديث عنها منذ بدايات ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن الأمور تأجلت لسنوات طويلة، حتى بدأ الإعداد لانطلاق رحلة كاسيني في عام 1989، قبل تحقق الأمر على أرض الواقع في عام 1997.

في النهاية، يشير الخبراء إلى أن التكلفة المادية الخاصة برحلة مركبة كاسيني طويلة الأجل، ربما تتجاوز الـ4 مليارات دولار، إلا أن الاكتشافات والإسهامات العلمية من ورائها، والتي مازال العلماء يقوموا بدراستها حتى وقتنا هذا لا تقدر بثمن، الأمر الذي ربما يعد مؤشرا على احتمالية إطلاق مركبة أخرى من الوارد أن تحمل اسم كاسيني رقم 2 إلى الفضاء الخارجي، في السنوات القريبة القادمة، من أجل المزيد من الاكتشافات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى