آراء ومساهمات

لينة الصمادي تكتب: سلاحه البازلاء.. ما هو سلاحك؟

لن تستطيع ابدا ان تتخيل كيف تُحاك القصص لتعطي تلك النتائج..

كيف انطلق ذاك الطفل من خلفية قروية مليئة بالاشجار والاراضي والزراعة.. نحو سلسلة محاولات فاشلة..

فقد باع والده حق الانتفاع بالمزارع حتى يتمكن من دفع تكاليف دراسه ابنه الذي صار راهبا لانه احتاج الى راعٍ ثري.. وتخرّج كـ قسّيس قبل ان يعمل كـ كاهن ويفشل في ذلك..

حاول ان يكون مدرساً للعلوم بيد انه رسب في الاختبار..

عاد الى بلدته شاباً ثلاثينياً لا يناسبه شيء سوى العمل في الدير..

كان بستانياً شغوفاً.. وأجاد الرياضيات الى جانب الشطرنج.. كان يجيد تماماً التعامل مع الارقام..

تعلّم من والده كيف يطعّم اشجار الفاكهة ويستنبتها..

كل تلك الصفات التي قد تظنها للوهلة الاولى مجموعة غير متناسقة..

فما حاجة البستاني للرياضيات.. وما حاجة الارقام للإنبات..

هناك حيث نرمي أحكامنا على توليفة غريبة.. فقط لأننا لا ندري ما الذي كان يُحاك..

ألا تعلم ان تلك الصفات مجتمعة.. هي ما يحتاجه علم الوراثة حتى يظهر؟..

ارقام ورياضيات و بساتين وزراعة.. نعم نحن نتحدّث عن بازيلاء مندل الشهيرة..

كيف ان تلك المحطات والرغبات والصفات التي امتلكها عن غير درايةٍ بمغزاها.. كانت تقوده لأحد اعظم التجارب والنتائج والسلسلة الدقيقة المدروسة من الخطوات.. حتى اخرج لنا احجار الاساس في علم الوراثة الذي بدأ من حبات البازيلاء المجعدة والملساء.. الصفراء والخضراء.. الطويلة والقصيرة..

إنك لن تفهم ابداً لما تُحب هذا وتكره ذاك..

لماذا نجحت هنا وفشلت هناك..

لماذا اخترت ولماذا احترت..

كل ما يحدث لك ويختلج صدرك.. وكل الظروف التي تمر بك.. هي خيوط اساسية لصنع قصتك وهي مكونات اساسية للوصول بك الى نتائج وجودك.. إنها في الحقيقة أنت بكل ما تحمله من تناقضات ومشاعر واهداف وقرارات..

لكن إياك.. إياك ان تتجاهلها.. او تقتل تلك المشاعر والخبرات.. اياك ان تتخلى عن حبك لركوب الدراجة بين السيارات..

اياك ان تخجل من حبك لملمس ورقة الليمون.. ظناً منك أنه امر تافه..  سيضحك منك الكثير لأنك تقضي ساعات الليل تتأمل النجوم وتنتظر اشارةً ما من كوكب ما، وسيسخر الكثير من اهتمامك بألوان التربة وربما أصوات الحمام، وربما اصرارك على قراءة كل لافتة تمر في الطريق..

قد تظن أن رغبتك في تلوين الحجارة أو توجيه الصنارة، انما هي امور ثانويةٌ لا تعدو أكثر من كونها هوايات عالقة من الماضي.. لكن في الحقيقة ان كل تلك الامور البسيطة التي تثير في نفسك الشغف وتزيد دقات قلبك، هي ما سيقودك لما وُجدت لأجله، وستشكّل الانجاز العظيم لك..

لا تقتل نفسك وتقطع خيوط حكايتك فقد لأنك لا تفهمها  ، اتركها تسير وفق ما تختار..

كم منا يعيش بلا روحٍ ولا شغف، كم منا تخلّى عن ذاته ليكون نسخة من ذواتِ الآخرين، أو آلة تسير كما يُطلب منها، كم منا فقد هدفه ويعيشُ فراغاً لن تملأه وظائف الدنيا ونجاحات الآخرين أبداً، لأنه فقد مصدر شغفه ومُحرّك وجوده..

كثيراً ما ضحكنا على حبات البازيلاء ثم تناولناها.. وكثيراً ما سخرنا من صورها في صفحات  كتب الاحياء..

هل كنت تظن ان البازيلاء في فمك.. كانت اعظم اداة وسلاح في يد الشخص المناسب في الوقت المناسب؟

ومنها انطلقت الذرة الخاصة بعلم الاحياء..!

كذلك يمكن أن يكون كل شيء سلاحاً واكتشافاً في يدي ذاك الشخص الذي يفهم أهميته، ابحث عن سلاحك و اكتشافك في كل ما تحب وتهوى..

إخلاء مسؤولية: المحتوى في قسم الآراء والمساهمات لا يعبر عن وجهة نظر الموقع وإنما يمثل وجهة نظر صاحبه فقط، ولا يتحمل الموقع أي مسؤولية تجاه نشره.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى