ثقافة ومعرفة

عمر بن عبد العزيز.. رؤيا ابن الخطاب تتحقق في «إسطبل»

ربما يعرف الكثيرون عمر بن عبد العزيز باعتباره خامس الخلفاء الراشدين، إلا أنهم يجهلون الكثير من الصفات الحميدة لدى هذا الخليفة الأموي المشهور بإقامة العدل والمساواة بين جميع الناس، ما نوضحه عبر الكشف عن صفات وأعمال ومواقف عمر بن عبد العزيز.

نشأة عمر بن عبد العزيز

ولد عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم المعروف بأبي حفص، في المدينة المنورة في عام 61هـ، حيث نشأ في وسط بيئة محفزة على طلب العلم والدفاع عن الحق، إذ تربى بين آل الفاروق عمر بن الخطاب.

كذلك تربى عمر بن عبد العزيز على يد والده عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وهو الرجل الأموي الصالح الذي ظل لمدة تتخطى الـ20 سنة أميرا على مصر، فيما عرف بكرمه وميله إلى الإصلاح والبناء.

أشج بني أمية ورؤيا عمر بن الخطاب

عرف عمر بن عبد العزيز بلقب أشج بني أمية، وهو الاسم الذي ناله الخليفة العادل، بعد أن تعرض في شبابه لحادث أثناء ركوب فرس تابع لوالده، حيث شج رأسه بعد أن تعرض لسقوط من الفرس الذي باغته بحوافره داخل الإسطبل الخاص بهم، ليعرف من ذلك الحين بلقب أشج بني أمية.

المثير أن الأصبغ، وهو الأخ غير الشقيق لعمر، قد بدا سعيدا بتلك الحادثة وهذا الشج الذي أصاب رأس عمر، نظرا لأن هذا الأمر يكشف عن ثبوت رؤيا عمر بن الخطاب والتي شاهدها الفاروق قبل الواقعة بسنوات.

حكى عمر بن الخطاب أنه رأى أحد أبناء نسله في وجهه أثر يسير على منهجه العادل، فاندهش قائلا من يكون من بين أبنائه ويتمتع بهذا الشج، وكيف من الأساس يصبح واحد منهم خليفة في ظل رغبة الفاروق في عدم تولي أحدهم لهذا المنصب إلا إن كان يستحقه، لتدور السنوات وتتحقق رؤيا عمر بن الخطاب في صورة أشج بني أمية الذي عرف مثل جده بالعدل وكراهية الظلم.

صفات عمر بن عبد العزيز

تتعدد الصفات الحميدة التي تمتع بها عمر بن عبد العزيز منذ الصغر وحتى الوفاة، حيث عرف عمر بالورع والزهد، وكذلك بكراهية الظلم والاستبداد، ما ساعده على حماية الضعفاء والمساكين خلال فترات تولي الخلافة على المسلمين في المدينة المنورة ثم الطائف ثم الحجاز بأسرها.

اشتهر عمر بن العزيز أيضا بحب العلم، والرغبة الدائمة في مجالسة الفقهاء والعلماء، فيما يعتبر الزهد من أبرز سمات عمر بن العزيز، ما بدت ملامحه واضحة على عمر الذي صار نحيفا مع تولي الخلافة وليس العكس.

أعمال عمر بن عبد العزيز

تولى عمر بن عبد العزيز خلافة المسلمين بعد أن كان مستشارا للخليفة سليمان بن عبد الملك، حيث كانت وصية سليمان أن يكون عمر هو الخليفة من بعده، ما حدث بالفعل وخاصة وأن الهدوء والاستقرار كان قد عم البلاد في الفترة السابقة التي تولى فيها عمر بن عبد العزيز خلافة المدينة المنورة.

تعتبر السياسة المالية الناجحة لعمر بن عبد العزيز من أبرز أعماله وإنجازاته مع توليه الخلافة، حيث زادت أموال الدولة عن الحد المتوقع نظرا لاهتمامه بعدم إنفاق الأموال إلا للضرورة القصوى، كما عرف عنه اهتمامه بمساعدة المحتاجين، حيث عين مرافقين لمساندة المكفوفين والمرضى، علما بأنه اشتهر بتحرير الأسرى وتسديد ديون الغارمين.

كذلك يعد تجديد بناء المسجد النبوي من أشهر أعمال عمر بن العزيز، والذي اهتم كثيرا بجمع الأحاديث النبوية لحمايتها من الضياع، ليساهم بتلك الطريقة في تدوين السنة وحفظها.

مواقف عمر بن عبد العزيز

هناك الكثير من المواقف الرائعة التي كان خامس الخلفاء الراشدين عمر بن العزيز بطلها الأول، ومن بينها رفضه الدائم لركوب مراكب مجهزة للخلافة، مفضلا أن يعتمد على مركوبه الخاص، مع الوضع في الاعتبار أنه لم يترك منزله العادي بعد تولي الخلافة، بل بقي فيه رغم وجود مساكن الخلفاء وقصورهم الأكثر رفاهية.

اشتهر عمر بن العزيز أيضا بأنه لا يهتم بوجود الأموال في منزله، بل كان يفضل إعطاء الفقراء نصيبه دائما، ما جعل زوجته تندهش من هذا الأمر، فيما أجاب عمر حينها بأن ذلك أفضل من وجود الأغلال في يديه يوم القيامة.

يعتبر رد المظالم من أشهر مواقف وأعمال عمر بن عبد العزيز، حيث اهتم الخليفة العادل بأن يعيد الحقوق إلى أصحابها حتى بعد مرور سنوات طويلة، وعلى الرغم من أنها وقائع حدثت في عهد خلفاء آخرين غيره، الأمر الذي يبدو وأنه لم يعجب بعض أقارب الخليفة الذين شعروا بأن أموالهم ومكاسبهم التي حققوها في عهد الخلفاء السابقين صارت في خطر.

وفاة عمر بن عبد العزيز

على الرغم من نشر مفاهيم العدالة والاستقرار في البلاد، خلال فترة تولي عمر بن العزيز الخلافة، إلا أن ذلك لم يمنع الأذى من أن يطول الخليفة الأموي الشهير، حيث تعرض عمر لوشاية أثناء ولايته على المدينة أزاحته من منصبه، وعادت به إلى الشام.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل سعى بعض أقارب الخليفة إلى قتله نظرا لأنه أعاد حقوق المستضعفين التي خسروها في عهد الخلفاء السابقين، الأمر الذي كان ضد مصلحة هؤلاء الأقارب، ما دفعهم إلى وضع السم للخليفة عمر بن عبد العزيز، وفقا لآراء أغلب المؤرخين التي اتفقت على مقتل عمر بن العزيز وعدم وفاته بصورة طبيعية.

في النهاية، رحل الخليفة العادل عمر بن العزيز عن الدنيا في العام الأول بعد الـ100 هجريا، إلا أنه بقي في ذاكرة الجميع كخامس الخلفاء الراشدين، والذي لم يهتم يوما إلا بإقامة العدل والمساواة بين البشر جميعا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى