ثقافة ومعرفة

أبو المعالي الجويني.. إمام الحرمين صاحب السيرة العطرة

إمام الحرمين، هكذا عرف أبو المعالي الجويني، ذلك الفقيه والعالم الديني الذي يعد من أشهر من أنجبت الأمة الإسلامية خلال القرن الـ5 الهجري، فما هي قصة حياة هذا الفقيه وما هي أبرز مؤلفاته؟

لماذا لقب الجويني بإمام الحرمين؟

ربما يكشف لقب إمام الحرمين الذي التصق بالجويني عن شخصيته المتفردة، حيث عرف منذ الصغر بغزارة عمله وباجتهاده الدائم، ما جعله الإمام الورع الذي لا يمل أو يكل من البحث والدراسة، مهما زاد علمه.

اشتهر أبو المعالي الجويني كذلك بصفات زادت من تقرب الآخرين إليه، ومن بينها الذكاء الملحوظ والذاكرة الحديدية علاوة على الكرم والسخاء والتواضع، وهي أمور ربما عجلت من توليه مهمة التدريس خلفا لوالده عبد الله بن يوسف الجويني، فكيف كانت نشأة الابن الفقيه؟

نشأة أبي المعالي الجويني

ولد عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، في سنة 419 هـ، حيث نشأ في قرية نيسابور التابعة الآن لإيران، وتحديدا بمنطقة جوين التي اشتق منها اسم الجويني.

ساعد انتماء الجويني إلى بيت متدين ورع، في اكتسابه أصول الفقه بسرعة البرق، حيث كان والده من الفقهاء الذين يشهد لهم بالكفاءة في نيسابور، قبل أن يأتي أبو المعالي الجويني ليكمل رحلة الأب عبر دراسة العقائد والفقه والتفسير، ليصبح مؤهلا للتدريس ويتحول إلى أحد الأئمة المشهورين وهو لم يتخط عامه الـ20 بعد وفاة والده.

عرف عن الجويني عدم رضاه عن أي معلومة تصله بسهولة، فكان دائم البحث والقراءة والاستقصاء، لذا صار في أعين الآخرين الرجل المعلم والتلميذ المجتهد في الوقت نفسه، ما زاد من خبراته بمرور الوقت، وخاصة وأنه درس الفقه على يد أعلام مثل أبي القاسم الإسفراييني، كما تعلم القرآن الكريم من خلال أبي عبد الله محمد بن علي النيسابوري الجنازي.

مكانة أبي المعالي الجويني

كان من المتوقع أن يحصل الجويني على المكانة التي يستحقها بمرور السنين، فقد بدأت شهرته تتزايد حتى وصلت إلى مصر والعراق والشام والحجاز، إلا أن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن طوال الوقت، حيث اضطر إلى ترك بلاده بعد أن تعرض لبعض الأزمات، ليرحل في البداية إلى العراق وتحديدا بغداد، قبل أن يسافر من جديد إلى مكة، ليحصل هناك على لقبه الشهير إمام الحرمين.

تكشف أقول الآخرين عن أبي المعالي الجويني، وسواء من الفقهاء الذين عاصروه أو العلماء الذين أتوا بعده، عن مكانة هذا الإمام شديدة الارتفاع، إذ قال عنه الإمام أبو إسحاق الشيرازي: «تمتعوا بهذا الإمام، فهو نزهة هذا الزمان»، كما قال له في إحدى المرات: «يا مفيد أهل المشرق والمغرب، لقد استفاد من علمك الأولون والآخرون».

كذلك قال عنه العالم تاج الدين ابن السبكي: «الجويني هو الإمام شيخ الإسلام، البحر الحبر والمدقق المحقق، النظار الأصولي المتكلم، البليغ الفصيح الأديب»، فيما قال عنه عبدالغافر الفارسي: «هو فخر الإسلام وإمام الشريعة، هو إمام الأئمة على الإطلاق».

كتب أبي المعالي الجويني

يملك أبو المعالي الجويني سجلا مثاليا من الكتب والمؤلفات، التي تنوعت بين كتب الفقه وأصول الدين والشريعة وكذلك علم الكلام.

من بين مؤلفاته يوجد كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو الكتاب الغني الذي عرف بأنه يحتوي على ما يزيد على 20 جزءا، فيما تحدث خلاله الجويني عن كل ما توصل إليه في علم الفقه.

كذلك ألف الجويني في الفقه، كتب مثل مختصر النهاية، ومختصر التقريب، وكذلك الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية، علاوة على كتب البرهان والورقات والغنية في أصول الفقه.

أما في علم الكلام، فاشتهرت للجويني كتب نموذجية، من بينها الشامل في أصول الدين، وكتاب لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة، إضافة إلى كتب الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، وشفاء العليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل.

وفاة الجويني

عاش الجويني متنقلا بين عدد من المدن والبلاد، إلا أنه لم يتكاسل يوما عن دراسة كل ما هو جديد، حيث ظل طوال حياته ذلك الرجل الدؤوب دائم الاجتهاد، حتى بدأ يصاب بالمرض فقرر السفر إلى بشتنقان القريبة من وطنه، لما عرف عنها من طقس معتدل، حتى وافته المنية هناك.

رحل أبو المعالي الجويني عن عالمنا في سنة 478 هـ، عن عمر يناهز الـ59، تاركا مجموعة رائعة من المؤلفات في شتى علوم الدين، إضافة إلى سيرة عطرة استحقها عن علمه الذي أفاد به الكثيرين طوال حياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى