آراء ومساهمات

الفنان حسام داغر يكتب: لا تلعب بعيدا يا شاطر

كم مرة شاهدت ممثلًا في عمل فني وقلت كيف لهذا الشخص أن يكون ممثلًا أو يقوم بالتمثيل أساسًا؟ أو رأيت مشهدًا رتيبًا مملًا إخراجيًا مثلًا، أو سمعت موسيقى بلا روح، إيقاعات متكررة مع صخب وضجيج، ألم تسأل نفسك يومًا … «ما هذا؟» لماذا كل هؤلاء يحتلون الأماكن التي يشغلونها الآن؟ .. بل وكيف أصبحوا نجوم الساحة أيضا؟ .. كما لو كان هناك رابط قوي يربطهم ببعض .… 

نعم إنهم أصحاب أنصاف وأرباع المواهب، أصبحوا مثل «اللوبي» المنتشر جسدا واحدا على طول المهنة، بل إنهم يعرفون بعضا بالأعين، فهذا ممثل ضعيف محصور في دائرة واحدة، أو صاحب عينين ميتتين، وهذا مخرج غير موهوب مقلد غير مبدع، يقوم بنسخ الأعمال الفنية، وذاك مؤلف ليس لديه حبكة، أو لسان متعدد للشخصيات، أو عمق في الحوار، أو جمل لا تنسى، فكل حواره سطحي يعبئ الورق المطلوب منه لإتمام العمل ليس إلا.. وهذه نجمة تاريخها في التسلق على أكتاف الغير معروف للجميع، ويقال هذا في جميع الجلسات إلا التي تشاركهم هي فيها … وغيرهم الكثيرين من أنصاف المواهب الموجودين في كافة المجالات، فهم يعوضون نقص الموهبة بطرق أخرى تصل لحد التذلل و«مسح الجوخ» كما يقولون … 

طرق لا يقوم بها الموهوب الذي دائما يعتقد أن أفضل طريق لعرض نفسه هي عن طريق موهبته التي تتكلم عنه، شاهدت ذلك والتاريخ يشهد على ذلك في نماذج عدة، مثل الموسيقار العظيم «موتزارت» الذي لا يختلف عليه اثنان في موهبته الفذة، كان يوجد موسيقار آخر في عصره يتحكم به كونه موسيقار البلاط الإمبراطوري آنذاك، وطبعا كعادة «ابن الكار» .. لا يعرف ويقدر حجم الموهبة إلا من حرم منها، وكان يتطلع لأن تكون من نصيبه … فكان هذا الموسيقار المدعو «ساليري» يشعر بفرق موهبة «موتزارت» ومدى لمعانه وتفوقه، وقرر أن يهمشه؛ بل ويتجاهله ويحمل عليه، إلى أن مات «موتزارت» في ريعان شبابه قهرا وهمًا؛ بل وفقيرًا معدما، ودفن بأحد المقابر على سور مدينته، وما زال مجهولا إلى الآن مكان دفنه، ولكن ظلت أعماله خالدة رغمًا عن أنف «ساليري» …

نفس الشيء يتكرر عبر العصور واختلاف الأزمان، نفس «اللوبي» من أنصاف المواهب الذين يصلون إلى القمة عادة تعويضًا عن نقص الموهبة؛ أثناء انشغال الموهوب بتقديم فنه كلما سنحت الفرصة، سواء كان في دور جيد ليقتنصه من فمهم .. أو حتى لو كانت تجربة فنية ما لم يشاهدها أحد ولكن أخرج فيها طاقته الإبداعية .. إنهم ينظرون لبعض وبدون أي لغة حوار، ويقررون ذلك بلغة الأعين هؤلاء الضعفاء يقررون أن يتجاهلوا هذا الموهوب لكيلا يكشف فساد فنهم وذوقهم المتدني أو أداءهم المزري، يتجاهلونه فقط ويظلون على هذا التهميش حتى ينساه الجمهور، وكيف لا يتسنى لهم ذلك وهم من يجلسون على طاولة المفاوضات والاختيارات، كأن لسان حالهم يقول لهذا الموهوب (العب بعيد يا شاطر) وهو فعلًا الشاطر الموهوب المليء بالفن والأحاسيس التي تفضحها أعينه الحية أو طاقته وحماسه أثناء العمل، فانظر إلى مشهد واحد أو أغنية أو لحن واحد يقوم به هذا الموهوب، وقارنه بتاريخ كامل لهؤلاء الآخرين وستعرف الفرق … 

ولكن يظل في نظري «المسخ الأكبر» هو «الجمهور» الذي قام بتغذية أنصاف المواهب حتى أصبحوا الوحوش التي أصبحوا عليها … هو المسخ الحقيقي حين يشاهد هذا الهراء يكبر أمامه حتى يصبح هو الصفة العامة الغالبة، ويظل القليل منهم كجمهور يقولون يا ليتهم يستطيعون التغيير، ويا ليتهم فعلا، قبل أن ينتهي المبدعون قهرًا وكمدًا في هذا الزمن الافتراضي، الذي يقاس فيه النجم بعدد المتابعين له، بغض النظر عن حجم موهبته أو كون المتابعين له أحباء له أو أعداء، فالمهم والأهم هو العدد الكبير المتابع له، حتى أصبحنا في زمن «الفولورز»، ولنا في الحديث بقية .…

من خاتمة كتاب «استوديو الممثلين» للفنان حسام داغر

اقرأ أيضا للفنان حسام داغر: صغيري «فيتو»

إخلاء مسؤولية: المحتوى في قسم الآراء والمساهمات لا يعبر عن وجهة نظر الموقع وإنما يمثل وجهة نظر صاحبه فقط، ولا يتحمل الموقع أي مسؤولية تجاه نشره.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى