رياضة

مدربون بلا خبرات.. لماذا تلجأ أندية كرة القدم أحيانا للخيار الأسهل؟

بحلول صيف 2019، رأت إدارة يوڤنتوس الإيطالي بأنه يتوجب إقالة الإيطالي «ماسيميليانو أليجري» بعدما فشل في تحقيق الثنائية المحلية للمرة الخامسة تواليا، معللة القرار آنذاك بالرغبة في تقديم كرة قدم «ديناميكية» أكثر من تلك التي يقدمها البرجماتي «ماكس»، خاصةً وبعدما تم إثقال كاهل خزينة النادي بما يقارب الـ100 مليون يورو سنويا بعد التعاقد مع نجم ريال مدريد السابق «كريستيانو رونالدو».

الحقيقة وبعيدًا عن زعم إدارة «أنييلي» أعلاه، لم يُقل «أليجري» بسبب خسارة الكأس المحلية أمام نابولي في 2019، ولا بسبب عدم تقديمه كرة قدم جميلة وفقًا لما يراه الجمهور، لكن السبب كان الفشل ‑حسب تعبير البعض- في تحقيق دوري أبطال أوروبا، اللقب الذي يسعى النادي لإدخاله خزائنه مجددًا منذ أكثر من 20 عامًا.

المثير للدهشة، لم يكن إقصاء «أليجري» الذي وصل بالفعل لنهائي دوري الأبطال مرتين في 2015 و2017، وربما منعه من تحقيقه فقط مواجهة نسختين أكثر تكاملا وجودة من ريال مدريد وبرشلونة خلال النهائيين، لكن الغريب كان هوية البديل الذي تقرر إلقاء عبء استعادة المجد الأوروبي على عاتقه، وهو الإيطالي الحالم «ماوريتسيو ساري».

استقدام «ساري» كان عبارة عن رمية النرد الأخيرة من الإدارة، فقد جلبت من يوصف مجازا بصاحب ذات الأذنين ‑رونالدو-، وحامل لقب الدوري الأوروبي مع تشيلسي ‑ساري-، إذن وبشكل ما، وجد المسؤولون أن الظروف أصبحت مهيئة لحصد اللقب الغائب دون شك.

وبغض النظر عن سذاجة ذلك الافتراض الذي يمكننا الطعن في إمكانية حدوثه بمجرد مشاهدة أي مباراة لأحد الأندية التي أشرف «ساري» على تدريبها، ومقارنته مع ما يمكن لأن يضيفه لكتيبة البيانكونيري وقتئذ، بما فيهم رونالدو صاحب الـ33 عاما حينها، يجب الإشارة لما هو أهم، هل يوجد من هو عاقل بتورينو؟ أم أن حلم الوجاهة الأوروبية قد عطّل تفكير الجميع؟

مدربون بلا خبرات.. لماذا تلجأ أندية كرة القدم أحيانا للخيار الأسهل؟

على كل، أقيل «ساري» لنفس السبب الذي أقيل به «أليجري»، كما لم تقدم السيدة العجوز أداء جميلا، أضف إلى ذلك، خروجا مدويا من دوري أبطال أوروبا أمام «ليون» الفرنسي، لم يمنعه تواجد اللاعب الأكثر إحرازا للأهداف بتاريخ البطولة داخل أرض الملعب. لتحدث المفاجأة؛ إيطالي آخر يتولى زمام الأمور بتورينو، لكن هذه المرة، دون أن يقف ولو لدقيقة على خط التماس، حتى ولو كمدرب للفئات السنية، بالفعل، حصل «أندريا بيرلو» على فرصة تدريب عملاق مثل يوڤنتوس الإيطالي بسيرة ذاتية مكونة من 30 ورقة كانت عبارة عن رسالة تخرجه من جمعية المدربين المحترفين بإيطاليا، جاءت بعنوان «كرة القدم التي أحب».

أليس بيننا رجل رشيد؟

كرة القدم لعبة عشوائية جدًا، تحكم نتائجها عديد المتغيرات، بالتالي لا يمكننا وضع معايير ووصفات دقيقة لأسلوب يضمن النجاح في كل مرة، وإلا فقدت اللعبة متعتها من الأساس.

السر الحقيقي يكمن في رفض الإدارات أحيانا الاعتراف بذلك، لأن العائد من تحقيق لقب كدوري أبطال أوروبا يخلّد وتتوارثه الأجيال، لذلك لا مانع من قرارات حمقاء تلو الأخرى أملا في أن يبتسم الحظ ولو لمرّة، بغض النظر عن عدد المرات التي قد تفشل خلالها، وملايين اليوروهات التي قد تضيع هباءً أيضًا، فالأندية العملاقة على عكس غيرها تمتلك الكثير من الأموال والرصيد المعنوي الذي قد يقيها غضب الجماهير والإعلام.

في النهاية وبعدما تنفذ كل المحاولات، وفي تصوّر سينمائي لما قد يدور في قاعة الاجتماعات لتلك الأندية، وقبل دقائق من اتخاذ القرار، يقاطع رئيس النادي معاونيه، يلقي القلم على طاولة الاجتماعات بمنتهى الثقة، معلنا توصله للحل السحري، وهو تولي أحد أساطير النادي القدامى زمام الأمور من على دكة البدلاء، يصفق الجميع، معلنين كامل ثقتهم في قرار الرئيس الحكيم.

أهل مكة أدرى بشعابها

بالتأكيد خطر على ذهنك سؤال منطقي الآن، لماذا تلجأ الأندية الكبيرة مؤخرًا لتعيين مدربين شباب بلا أية خبرات تدريبية بمعناها المفهوم؟ أو حتى نتحلى بمزيد من الدقة، ما هو الشيء الذي يمكن أن يضيفه شاب علّق حذاءه منذ أيام لفريق نالت منه التخبطات؟ نعم، ما قرأته صحيحًا، في الأغلب لا تلجأ الإدارات لتعيين أحد الأساطير إلا بعد حقبة من النتائج السلبية.

المعادلة بسيطة جدا، ذلك النجم الذي خلع قميص الفريق وارتدى بذلة التدريب هو غطاء مثالي للإدارة التي لجأت له، فهو في الغالب محمي بفعل نجوميته من عديد المؤثرات التي قد تطحن عظام آخر لم يكن نجم كرة قدم، كما أن نجاحه سيظل رصيدا جديدا يضاف لنفس الإدارة التي أزالت الغبار عن موهبته المدفونة، أما إذا فشل، فلن يحمل فشله وقعا كبيرا، وستجد الجميع يودعه برسائل عزاء عن فترة قضاها داخل النادي ولم يوفق، على أمل تكرار التجربة في المستقبل.

تفسير تعامل الجمهور والإعلام مع المدرب الشاب الذي كان أيقونة لناديه بيوم من الأيام بسيط، لأنه وفي الأغلب يتم تسليط الضوء على التجارب الناجحة وحدها، أما الفاشلة منها فلا تنال ما تستحقه من التحليل والفحص، لأن الفشل منطقي جدا، أما قصص النجاح فهي الاستثناء الذي يجب تحليله والوصول إلى أسباب حدوثه.

هنا يجب الإشارة إلى منطق آخر، إذا افترضنا حسن النية، وهو أن أهل مكة أدرى بشعابها، إذن فلاعب كرة القدم الممتاز أدرى من الأقل جودة بما يخص اللعبة، هذه ليست مزحة، بل نتيجة دراسة استقصائية قام بها البروفيسور «أليكس بلاكيت»، من جامعة «لينكولن» الإنجليزية، على 92 ناديا ناشطا بدوريات إنجلترا المحترفة عام 2014.

خلال البحث، تحدث «بلاكيت» وفريقه للعديد من المديرين الرياضيين بالأندية من أجل معرفة السبب الحقيقي خلف تصعيد كوادر تدريبية شابة لتولي زمام الأمور بالفريق الأول، وحتى نضعك بالصورة، في هذه السنة تحديدا، كان 96% من المديرين الفنيين بالدوريات الأربعة التنافسية قد سبق لهم اللعب على مستوى عالٍ في كرة القدم قبل التدريب، ما يعني توفر شرط النجومية.

عن ذلك، تحدث أحد المديرين الرياضيين ‑لم يفصح عن اسمه قائلا: «المدرب الجديد يجب أن يبهر الجميع، حتى يجتذب ثقة اللاعبين ومن خلفهم الجماهير».

مدربون بلا خبرات.. لماذا تلجأ أندية كرة القدم أحيانا للخيار الأسهل؟

كذلك لم يجد أي حرج في تعليل ذلك، فمن وجهة نظره، في الأغلب لا يقتنع اللاعبون بتعليمات المدير الفني الذي لم يكن يلعب على مستوى عالٍ، بل يتم التشكيك في قدراته الفنية من قبل اللاعبين، كما أن المشكلة الرئيسية تكمُن في عدم معرفته الحقيقية بكل ما يعانيه اللاعب خارج الملعب، وهو ما يجعل التعامل بين المدرب واللاعب مقصور على الفنيات وهو ما لا يجب أن يحدث.

لذا وبعد عديد التجارب اتجهت أندية كرة القدم للحل الأسهل، وهو تعيين المدربين الشباب بغض النظر عن المقومات الفنية، بالفعل يبدو الأمر عبثيا، لكنه حقيقي.

نحو التدمير الذاتي

وصف «جوناثان ويلسون»، مؤلف كتاب الهرم المقلوب، سياسات الأندية الكبيرة في أوروبا بالمنحطة، لأنه يرى بأن البحث عن الوجاهة الأوروبية أمر وإن بدا في ظاهره محمودا، إلا أنه لن يتأتى بمثل ما تقترفه الإدارات من حماقات، فبعيدا عن أي أسماء، وبنفس المنطق الركيك، تبحث كل الأندية مؤخرًا عن محاكاة ما قام به «بيب جوارديولا» مع برشلونة الإسباني، حتى وإن لم ينجح الإسباني نفسه في تكراره مع أندية أخرى.

باختصار؛ يريد الجميع تصعيد أيقونة للنادي بسن صغير، يقدم كرة قدم جميلة، والأهم أن يتواجد على منصات التتويج الأوروبية، وهو ما قد لا يحدث أساسًا، وحتى وإن حدث، فلن يكون السبب هو التخطيط الجيد، بل الصدفة.. السبب في الأغلب هو رمية النرد التي قد تصيب وقد تخطئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى