رياضة

عمليات احتيال وحماقات لا تغتفر.. حتى الكبار يرسبون في سوق الانتقالات أحيانا

في 2018، صدر فيلم وثائقي عن قصة حياة لاعب برازيلي يدعى اختصارا كارلوس كايزر، ربما لم تسمع عنه حتى وإن كانت مسيرته قد بدأت بوقت ليس ببعيد، فقد لعب في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.. عفوا، نعتذر عن ذلك الخطأ، فهو لم يلعب فعليا، لم يشارك في أي مباراة موثقة بمعناها المفهوم، وذلك هو السر في إصدار الفيلم الوثائقي الذي يؤرخ حقيقة وجود لاعب كرة قدم، تعاقدت معه الأندية الثلاثة الكبار بالبرازيل، دون حتى المشاركة مع أي منهم في مباراة واحدة، لذا، كان كايزر هو أفضل لاعب كرة قدم لم يلعب كرة القدم على الإطلاق.

حقيقة يبدو الأمر مربكًا للوهلة الأولى، فكيف للاعب أن يصل لهذا المستوى دون أن يلعب؟ على كلٍ، أشارت عدة مصادر إلى أن حضور كارلوس كان ساحرًا كشخص، كما أنه كان متحدثًا لبقًا، يجيد التعامل كنجم شباك، وهذا ما أهله نسبيًا لعقد صداقات وطيدة مع عدة نجوم مثل البرازيلي بيبيتو، كذلك بعض الصحفيين المرموقين، الذين كانوا يشعرون بالراحة تجاهه، ويسمعون قصصه عن مهاراته الفذة، لتنتقل الحكايات بالوسط الرياضي دون مراجعة لأصل أي منها، وهذا هو مربط الفرس، أراد كايزر أن «يتوه» اسم صاحب الحكاية الأصلي، أما عن البقية، فسيتكفل به كل ناقل لحديثه.

عمليات احتيال وحماقات لا تغتفر.. حتى الكبار يرسبون في سوق الانتقالات أحيانا

بالفعل يبدو الأمر في منتهى السذاجة، لكن علينا فقط أن نتذكر، بأن في تلك الحقبة لم يمتلك العالم وسيلة للتأكد من صحة الأخبار التي يتداولها البشر فيما بينهم، ولم تكن المصادر الموثوقة إلا الثقة الموضوعة في الصحفيين الكبار، الذين كانوا أصدقاءً لكارلوس، ثم إن الأندية نفسها لم تكن تعتمد على البيانات والتحليل بالفيديو للتعاقد مع اللاعبين، بل كانت الأمور مرهونة بتوصيات يقدمها بعض الصحفيين، واللاعبين القدامى والكشافين، الذين وجد كايزر أيضًا طريقة ما تجذبهم لصفه.

لأننا لا نعلم

يمكننا افتراض أن مسيرة كايزر وحوادث مشابهة مثل تلك الخاصة بالمهاجم السنغالي علي ديا، الذي أقنع المدرب الأسكتلندي الشهير جرايم ساونيس بشكل ما أنه قد سبق له اللعب بمنتصف التسعينيات لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، بعد تلقي المدرب مكالمة هاتفية زائفة من أحد الأشخاص، والذي ادعى أنه نجم ميلان الإيطالي جورج وياه، يخبره بأن علي هو أحد أقربائه ويرشحه للانضمام لنادي ساوثامبتون الذي أشرف على تدريبه ساونيس وقتئذ، ما هي إلا أشياء يمكن أن تحدث بسبب عدم وجود آليات حقيقية لمعرفة الحقيقة من الخداع. على أية حال، لم تستمر رحلة ديا طويلا داخل معقل القديسين، فقد تم إنهاء عقده مع النادي عقب أسبوعين فقط من التعاقد معه.

إضافة مصطلح الاحترافية لكرة القدم جعل البعض يتصور بأن ما يحدث خلف الكواليس، خاصة داخل المؤسسات الرياضية الكبيرة لا بد وأن يكون محسوبا بدقة، وربما السبب في ذلك يرجع إلى محاولات الأندية والمسؤولين وكذلك اللاعبين ووكلائهم إبعاد الجمهور العادي عن التفاصيل التي تدور داخل المطبخ، ويتم الاكتفاء بالتلميحات حول السياسة العامة للتحركات داخل سوق الانتقالات لهذا وذاك من أجل ضمان التفاعل الإعلامي بالطبع. إلا أنه ومع مرور الوقت قد نجد بأن حوادث أكثر فداحةً من خداع ديا لسوانيس قد حدثت بعصر العولمة والإنترنت بمنتهى البساطة، لكننا فقط لم نكن نعلم.

«لم يكن اللاعب من اختياري، لكنه كان توصية من أحد الأشخاص الذين أثق بهم».

جوزيه مورينهو عن تعاقده مع المدافع السنغالي بابي دجيلوبودجي.

لم يكن مورينهو يتنصل من التعاقد مع لاعب قليل الجودة، لكنه كان يتحدث بصدق عن ثقة بناها مع أحد الأشخاص دون التصريح باسمه، لأنه وخلال نفس المقابلة لم يُخف أنه قد فعل حادثة مشابهة من قبل، عندما أتم تعاقد من المدافع كورت زوما بنفس النمط، بعد توصية مشابهة من نفس الشخص.

برر مدرب «البلوز» آنذاك ما حدث بشكل صريح لكنه صادم، فقد اعترف بأنه أحيانًا لا يمتلك الوقت لمشاهدة مباريات اللاعبين بصورة مباشرة مع أنديتهم قبل أن يعطي رأيا في مسألة التعاقد من عدمه، كذلك قد لا يمتلك الوقت لمشاهدته عبر الفيديو، ذلك وإن بدا ظاهريا مقبولا، لأن مسألة الكشف عن المواهب وتحليل جودتهم هي مسؤولية أطقم كاملة مختصة بذلك، فإنه في تصورنا السطحي ‑على الأقل- يجب على المدرب أن يعرف من اللاعب الذي هو بصدد التعاقد معه، لأنه أولا وأخيرا سيظل مسؤولا منه كمدير فني للفريق.

عمليات احتيال وحماقات لا تغتفر.. حتى الكبار يرسبون في سوق الانتقالات أحيانا

بذكر حائط الثقة الذي بناه مورينهو مع الاسم الغامض، فقد بنى الأسكتلندي أليكس فيرجسون، المدير الفني التاريخي لنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي حائطا مشابها مع وكيل اللاعبين ذائع الصيت خورخي مينديش، الذي سهّل انتقال النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو للشياطين الحمر من سبورتنج لشبونة، كما كانت له يد ضالعة في عدد من التعاقدات الجيدة التي أبرمها النادي خلال الفترة ما بين 2003 وحتى اعتزال السير أليكس التدريب بـ2013.

لكن الثقة العمياء غالبا قد لا تأتي بالخير، ففي العام 2010 أعلن النادي الإنجليزي عن تعاقده مع لاعب برتغالي جديد يدعى اختصارا بيبي، سبق له اللعب كجناح أيسر لشهر واحد قبل ذلك التعاقد مع فيتوريا جيماريش، شهر واحد كان كفيلا لأن يضع لاعب لم يسمع عنه أي شخص على وجه الأرض ‑سوى مينديش-، ضمن تشكيل أحد أفضل الأندية الأوروبية في ذلك الوقت.

دون شك لم يكن بيبي موهبة فذة، ولا موهبة من الأساس، فلم يمض سوى عام واحد على المنتقل إلى اليونايتد مقابل 8.8 مليون يورو قبل أن يتم قذفه في رحلة من الإعارات انتهت ببيعه نهائيا لبنفيكا البرتغالي عام 2014، ليظل رحالة بين الأندية المتوسطة دون أي بريق يذكر.

بعض التكهنات أشارت إلى أن تصريح فيرجسون بأنه قد أتم تعاقده مع اللاعب المغمور بناءً على توصية من خورخي ليس في محله، بل إنها كانت خطة لتغطية دفع ما تبقى من عمولة الوكيل الخاصة بانتقال كريستيانو رونالدو لريال مدريد عام 2009 دون أن تلتقطها عدسات الفيفا. لكنها مجرد تكهنات لم تُثبت أو تنفِ أي شيء، حتى بعد فتح تحقيق بنفس الصدد، لم نصل لنتيجة حقيقية.

«هل نحتاج أندي كارول بالفعل؟»

تتبقى أيام بل ساعات معدودة على انتهاء نافذة الانتقالات الشتوية، آنذاك.. يدرك بعض مسؤولي الأندية أن الهدف ‑الأولي والثاني وربما الثالث- بعيد المنال بسبب مطالبات النادي البائع المبالغ بها. في تلك اللحظات الحاسمة، يتحول الخوف من عدم إبرام الصفقات التي يريدها المدير الفني إلى ذعر تام يتبعه قرارات عشوائية سواء اقتصادية أو فنية.

تسمى تلك اللحظات في عالم وكلاء اللاعبين بساعات السعادة، فالمشتري سيدفع أي مبلغ لتعويض ما فاته من أهداف منذ بداية السوق، لذلك قد ترى دولارات مجنونة تتدفق إلى خزائن البائع أحيانا، حتى وإن كانت ليست مستحقة.

عمليات احتيال وحماقات لا تغتفر.. حتى الكبار يرسبون في سوق الانتقالات أحيانا

سرد أحد الكشافين تفاصيل ما أسماه «صفقات الذعر» التي تحدث في الأغلب قبل إغلاق سوق الانتقالات بلحظات، فحسب رأيه، عادةً تتم الأمور الخاصة بانتداب اللاعبين بمنتهى الاحترافية خاصة في دوريات كبيرة مثل البريمييرليج، ففي الأغلب تمتلك هذه الأندية أطقما كاملة تفند الأهداف المطلوب التعاقد معها، ثم تحللها باستخدام الفيديو، قبل أن يتم تقديم تقرير مفصل لمن هم في موضع المسؤولية كي يتم اتخاذ القرار.

لكن المشكلة لا تكمن في إعداد هذه التقارير، لكن في ضيق الوقت، الذي يدفع المسؤول عن اتخاذ القرار بإنهاء الصفقة إلى التغاضي عن توصيات إدارة الكشف والتحليل، لأنه ‑حسب رأيه- لا يوجد وقت لاتخاذ قرار مدروس.

طبقًا لـ«The Ath­let­ic»، كان إدارة ليفربول الجديدة في 2011 تسعى لتعويض رحيل المهاجم الإسباني فيرناندو توريس إلى تشيلسي الإنجليزي بنفس السوق.

يخبرنا دانييل كومولي بأنه قد تلقى اتصالا هاتفيا من شخص لا علاقة له بكرة القدم يخبره بأن مالك نيوكاسل لا مانع لديه في بيع مهاجم فريقه الإنجليزي الشاب أندي كارول، ونظرًا لضيق الوقت، فقد وافق كومولي على إبرام هذه الصفقة لأنه لا يمكن ألّا يتم تعويض رحيل فيرناندو، فتم الاتفاق مبدئيا مع الماجبايز على التعاقد مع اللاعب.

صباح اليوم التالي وصلت أنباء عن الرقم الحقيقي الذي سيتلقاه الريدز جرّاء بيع توريس، ما جعل مسؤولي نيوكاسل يطلبون زيادة في الرقم الذي تم الاستقرار على دفعه في كارول قبل يوم واحد بحوالي 5 ملايين يورو، الأمر الذي وجده المدير الرياضي لليفربول جنونيا.

لم يكن كارول مناسبا لطريقة لعب ليفربول من الأساس، ولم يكن ضمن الأهداف التي يسعى النادي لضمها أيضا، لكن على أية حال، ونظرا للظروف المحيطة قرر كومولي أن ينهي الصفقة بعدما وضّح للإدارة الأمريكية للنادي أنه حتى وإن لم يكن اللاعب مناسبًا للفريق وبغض النظر عن الرقم الضخم الذي سيدفعه النادي لاستقطابه، فإنه إنجليزي وما زال صغيرا بالسن، ما يعني أنه إذا فشل، وهو احتمال وارد، فسيكون من السهل إرساله للإعارة إلى أحد أندية الوسط ومن ثم يمكن بيعه إلى أي ناد بمبلغ يقارب الـ20 مليون يورو، ما يعني أن الخسارة الاقتصادية لن تكون ضخمة على المدى الطويل، لكن الخسارة الأكبر، ستكون الاستمرار دون تعاقد حقيقي مع مهاجم يعوض رحيل هدّاف الفريق.

تمامًا كما جرت التوقعات، فشل كارول مع الفريق، فلم يشارك سوى في 26 مباراة لم يقدم بها ما يشفع لبقائه داخل النادي، لتتم إعارته لويستهام الإنجليزي، قبل أن ينتقل إليهم بعقد دائم بصيف 2012 مقابل 15 مليون يورو.

ختاما في عالم الاحتراف وتدفق الأموال يمكننا ضمان أنه لن يتواجد من يشبه كايزر بيننا، كذلك قد نعتبر علي ديا حادثة عارضة يمكن تفاديها باستخدام محرك البحث جوجل، ولنزيدك من الشعر بيتا، فمانشستر يونايتد قد لا يمنح لاعبا مغمورا آخر عقدا يضمن له الحياة بين الأثرياء مجددا، لكن ما لا يمكننا ضمانه هو تحقيق تلك الصورة النمطية التي كونها عقلك عن كل ما ينعت بالاحتراف، فقط لأن كرة القدم عالم من الفوضى المنظمة.. عالم يبدو من الخارج مسيرا كساعة سويسرية الصُنع، إلا أن بواطن الأمور ‑التي قد لا نتمكن من معرفتها- ما زالت تحمل بطيّاتها الكثير والكثير من العشوائية، لماذا؟ لأن كل هؤلاء المحسوبين على اللعبة ليسوا سوى بشر، يصيبون أحيانا ويرتكبون في أخرى حماقات لا تغتفر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى