الصحة النفسية

إدمان التسوق.. ولماذا يشتري الإنسان ما يزيد على حاجته؟

يُعرف إدمان التسوق في الأوساط الأكاديمية باسم التسوق القهري، وهو شراء الإنسان أشياء تتخطى احتياجاته الشخصية في لحظة شرائها، ظنًا منه بأن عملية الشراء في حد ذاتها، ستكفُل له الشعور بالسعادة، لكن على العموم، يظل هذا النوع من أنواع الإدمان مقبولًا اجتماعيًا إلى حد كبير.

تعريف إدمان التسوق

إدمان التسوق هو إدمان سلوكي يتضمن الشراء القهري كوسيلة للشعور بالرضا وتجنب المشاعر السلبية، مثل القلق والاكتئاب. وكأي إدمان سلوكي آخر، يمكن أن يتمكّن التسوق من الفرد، حتى يصبح محور حياة الإنسان في بعض الحالات، وهو ما قد يؤثر على تصرفاته في العموم.

”الجميع يحب التسوّق، لكن هنالك نحو 6% من المواطنين الأمريكيين مدمنون للتسوق“.
‑تقرير موقع «Very Well Mind»، يوليو 2020.

حقائق عن إدمان التسوق

إدمان التسوق

عادةً ما يبدأ إدمان التسوق في أواخر سن المراهقة وبداية مرحلة البلوغ، وغالبًا ما يتزامن مع اضطرابات أخرى، بما في ذلك اضطرابات المزاج والقلق، واضطرابات تعاطي المخدرات، اضطرابات الأكل، واضطرابات الشخصية.

ويكون التسوق طريقة لمحاولة تعزيز تقديرهم لذاتهم، على الرغم من أنها قد لا تكون فعالة، لذلك علينا أن نتطرق لبضعة حقائق، ربما لا يعرفها الكثير حول هذا الاضطراب السلوكي.

  • على الرغم من تصاعد النزعة الاستهلاكية على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، فإن إدمان التسوق ليس اضطرابًا جديدًا، حيث تم التعرف عليه في وقت يعود إلى أوائل القرن التاسع عشر وتم الاستشهاد به باعتباره اضطرابًا نفسيًا في أوائل القرن العشرين.
  • إدمان التسوق وسيلة للتغلب على الألم العاطفي وصعوبة الحياة، ويميل إلى جعل الأمور أسوأ وليس أفضل للمتسوق.
  • على الرغم من تاريخه الطويل، إلا أن إدمان التسوق لا يزال موضوعًا مثيرًا للجدل، ويختلف الخبراء وكذلك الجمهور حول ما إذا كان إدمان التسوق إدمانًا حقيقيًا أم لا.
  • عادةً ما يقضي الأشخاص الذين يعانون من إدمان التسوق وقتًا وينفقون مالًا أكبر في التسوق مما يمكنهم تحمله، ويواجه الكثيرون منهم مشاكل مالية نتيجة الإنفاق المفرط.
  • يعاني مدمن التسوق من ما يعرف بالإنفاق الاندفاعي، أو القهري، الذي يقودهم بعد التسوق إلى تبني مشاعر الندم وعدم الرضا عن مشترياتهم عند العودة للمنزل.

ما هو الفارق بين التسوق وإدمان التسوق؟

إدمان التسوق

الآن، علينا أن نجيب على السؤال الأهم؛ ما هو الفرق بين التسوق العادي والتسوق العرضي وإدمان التسوق؟

كما هو الحال مع جميع أنواع الإدمان، فإن ما يميز إدمان التسوق عن أنواع التسوق الأخرى هو أن السلوك يصبح الطريقة الرئيسية للشخص للتعامل مع الإجهاد، إلى الحد الذي يستمر فيه في التسوق بشكل مفرط حتى عندما يكون له تأثير سلبي واضح على حياته.

ومن مظاهر هذه التأثيرات السلبية ما يلي.

  • المشاكل المالية: حيث يعاني المصاب باضطراب إدمان التسوق من عدم القدرة على التوقف أو التحكم في حجم إنفاقه المال على المشتريات، حتى وإن كان في ضائقة مادية، ما يجعل وضعه المالي أكثر تعقيدًا.
  • تغيّر الشخصية: في بعض الأحيان يتطور التسوق فيصبح الملاذ الوحيد للشخص، نتيجة لانعدام تقديره لذاته، حيث يرى ‑عبثًا- أن قيمته ترتفع بارتفاع قائمة مشترياته، إضافة إلى كون التسوق التجربة الوحيدة التي تمنحه اتصالا مع الآخرين من حوله.
  • ضحية سهلة: يكون المصاب بذلك الاضطراب أكثر عرضة للحملات الدعائية الخاصة بالعلامات التجارية المختلفة، نتيجة كونه عميلًا ماديًا، يسهل استهدافه بعبارات بسيطة تحثه على الشراء كي يختبر بعض المشاعر الجيدة.

هل النساء أكثر عرضة للإصابة بإدمان التسوق؟

إدمان التسوق
الإنفاق القهري.

حتى لا تعتقد بأننا متحيزون ضد المرأة، فالشعور الضمني الذي نمتلكه لا علاقة له بكوننا رجالا أو سيدات، لكنه نتاج لدراسة استقصائية أقيمت على عينة عشوائية مكونة من 2000 شخص بريطاني (رجال وسيدات) في 2013، أظهرت بأن الرجال عادة يملون عقب مرور 26 دقيقة من التسوق، بينما تستطيع السيدات إمضاء ما يقارب الساعتين دون ملل.

أشارت نفس الدراسة إلى أن 80% من الرجال لا يحبذون التسوق مع شريكاتهم، منهم ما يقارب الـ45% لديهم الاستعداد التام لفعل أي شيء لتجنّب القيام بتلك الرحلة التسوقية. لأنه حسب وجهة نظر بعض الرجال ‑التي أقرتها الدراسة- فنصف الحالات المشابهة تقريبا تنتهي بشجار بين الطرفين؛ لأن الرجال يرون بأنهم بالفعل قد حصلوا بشكل ما على احتياجاتهم خلال نصف الساعة الأولى، لذا لا داعي من الاستمرار في البحث، بينما تفضل السيدات المفاضلة بين الخيارات لوقت طويل، الأمر الذي يثير استغراب شركاءهم.

مراجعة تاريخية

كان الإنسان البدائي قبل آلاف السنين يعتمد على الصيد وجمع الثمار، حيث كانت مهمة الرجال ‑وقتئذ- صيد الحيوانات البرية، بينما كان الشغل الشاغل للنساء هو البحث عن المؤن مثل الخضروات والفاكهة الصالحة للتناول. وربما وجدت هذه الفكرة بحد ذاتها طريقا للانتقال إلى عالمنا الحالي.

كانت المجموعات السكنية في ذلك الوقت تعتمد بشكل مباشر على السيدات في مسألة الإطعام، لأنه وفقا للتقديرات، فقد كان الطعام مقسّما لـ80% من الخضروات والفاكهة، و20% من اللحوم، ما يعني أن عبء إطعام القبيلة بشكل شبه كلي يعتمد على المرأة، على عكس ما قد نعتقده. فلم يكن للرجال دور عظيم في مسألة توفير الغذاء، فكانت مهمة الرجل إيجاد فريسة، ثم قتلها والعودة بها للديار بأسرع وقت، تجنبا لما قد يصيبها من ضرر نتيجة للتعرض إلى الرطوبة التي قد تفسد اللحم.

حقيقة بيولوجية

ما قد تراه مبالغة من بعض السيدات بمسألة إمضاء أوقات طويلة بالتسوق، يمكن إرجاعه لتاريخ طويل من استخدام نفس الأسلوب، فتنقل المرأة حاليا بين الأسواق يشبه تنقلها بين الأشجار قديما للبحث عن أجود الثمار، وهو الأمر الذي من الممكن أن يكون قد انتقل كتطور في أسلوب العيش وليس أكثر.

بإسقاط ما حدث منذ قديم الأزل على واقعنا الحالي، وجد عالما الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) أن السيدات بشكل ما يحرزون نقاطا أعلى من الرجال في المهارات الخاصة بالانتقاء والجمع، وهو ما قد يفسر ملل الرجال أحيانا من التنقل للبحث عن أفضل منتج، لأن الرجل يرى بأن مهمته هي الصيد، أي إيجاد الضحية (المنتج) ثم العودة سريعا للديار.

كيف يمكن التعايش مع إدمان التسوق؟

تشير الأبحاث إلى أن حوالي ثلاثة أرباع المتسوقين القهريين على استعداد للاعتراف بأن التسوق تحوّل لمشكلة حقيقية بالنسبة لهم، لا سيما في مجالات المالية والعلاقات الاجتماعية.

بالتالي، وضع علماء النفس بضعة خطوات يجب اتباعها لتخطي مسألة الإنفاق القهري، خاصةً وأنه من المستحيل أن يعيش الإنسان من دون شراء أي شيء.

  1. إيجاد طرق بديلة للاستمتاع بوقت الفراغ لكسر حلقة استخدام التسوق كوسيلة لمحاولة الشعور بتحسن تجاه النفس.
  2. تفويض شخص مقرّب من المصاب بالقيام بالتسوق نيابة عنه، ولو بصفة مؤقتة.
  3. التخلُّص من بطاقات الائتمان، والاحتفاظ بمبالغ نقدية محدودة، لتجنّب الاندفاع تجاه الشراء.
  4. اختيار شركاء تسوُّق لا يعانون من مشكلة الإنفاق القهري، حيث يمكنهم مساعدة المصاب في تحديد نفقاته.

ختامًا؛ يجب الاعتراف بأن إدمان التسوق قد يكون مزعجًا مثل أي إدمان آخر، لكن باستخدام الحيل أعلاه، قد يتمكن الشخص من التحكم في إنفاقه، بشرط التأكيد على أن أي إنسان يظل جديرا بالاحترام، بغض النظر عن مقدار ما يملكه من مقتنيات.

المصدر
مصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى