آراء ومساهمات

وسام سعيد يكتب: قنبلة «لولاكي».. وما فعلته؟!

هل للأزمنة رائحة؟! ماذا عن التسعينيات وأواخر الثمانينيات؟! رائحة شبابنا الجميل وذكريات جيلنا المغبون..

لعل الأمر لا يحتاج إلى مجهود ذهني من أي تسعيناتي، فقط نشط ذاكرته بسماع جملة موسيقية إيقاعية واحدة من توزيع حميد الشاعري أو ناصر المزداوي، لفارس أو إيهاب توفيق أو مصطفى قمر، ستجد شريط ذكريات لذيذا وطويلا يمر أمام مخيلته، يستدعي فيه طعم السعادة، وقت أن كان أحدنا إن خاصم صديقه لساعات يعتبر نفسه دخل تغريبة من الأحزان.

الحياة ما قبل علي حميدة

قبل شروق شمس 11 يوليو 1988 كانت الأغنية المصرية مثل سطح المياه الهادئ، يطفو عليه ويسير مع الريح بثبات الرباعي (منير والحجار والحلو وثروت)، وبجانبهم كان هاني شاكر يشدو منفردا في نسق خاص به كعادته، فتتحير معه إن كان يقدم أغاني للشباب أم للكبار، أهو صوت أصالة أم حداثي معاصر؟!

أما عمرو دياب فلم يكن بعد منافسا شرسا لهم، من خلال ألبوماته الخمسة وأهمها (يا طريق وهلا هلا)، ولم يكن بعد قد وجد ضالته في التعاون مع حميد الشاعري لإخراج قنبلته (ميال) التي صنعت اسمه الحقيقي شكلا وموضوعا.

وكانت شرارة (في السكة) و(يالا بينا يالا) لمحمد فؤاد نبوءة بميلاد مطرب شاب مشاكس يحمل ملامح مصرية خالصة، ويغني بطبقة صوت متميزة تليق بشقاوة الشباب وصباهم المتجدد.

وعن حال الفرق الغنائية كانت (الفور إم) ومن قبلهم (الجيتس) معادلا موضوعيا لفرق (البيتلز) و(البوني إم) الغربية.

كان النموذج الشعبي الصارخ (أحمد عدوية) ما زال يلمع في سماء النجومية، محطما كل أرقام سوق الكاسيت بأغانيه (السح الدح إمبو وزحمة وبنت السلطان وعيلة تايهة)، ويلعب في ملعب خاص به لا ينازعه فيه أحد، حتى محمد رشدي لم يكن يعرف فنه طريق الأفراح وعالم حفلات الفنادق، كما عرفه عدوية.

وقبل كل ذلك كانت وفاة (عمر فتحي) الصادمة للوسط الفني وعدم استكماله للحالة الفنية المتوقعة منه خلال مشواره، تمثل ركودا للحالة الغنائية، ووصمها بالتعددية وعدم وجود وريث حقيقي لعبدالحليم حافظ، في إشارة إلى نهاية عصر المطرب الأول.

نأتي إلى عراب الجيل المغامر ليبي الأصل (حميد الشاعري) الذي كان على استحياء قد رسا بأسطوله في أرض مصر واستقر بها فنيا، وأطلق 5 ألبومات أبرزها (رحيل وأكيد وجنة) ولكنه لم يحدث دويا يزلزل به عروش الأربعة الكبار، أو يدشن به نمطا خاصا سمي فيما بعد (الأغنية الشبابية).

انفجار (لولاكي)

الآن فقط بات من حق شباب التسعينيات أن يمثلهم نمط خاص من الأغاني من حيث الغناء والألحان والتوزيع والكلمات، وفجأة وبدون أي مقدمات فوجئ الجمهور المصري بل رجل الشارع العادي بصاروخ عابر للأجيال خفيف الوزن ولكنه بعيد المدى شديد التأثير اسمه (لولاكي).

وسام سعيد يكتب: قنبلة «لولاكي».. وما فعلته؟!

الاسم الذي تكرر حتى تجرد من معناه مع الوقت فصار يتم ترديده على اللسان مثل: (سعد نبيهة) و(دنختك) التي ابتكرها سعيد صالح في العيال كبرت.

الذي حير النقاد ماذا يكتبون حياله، وكيف يصنفون هذا النوع من الأغاني، وماذا عساهم أن يفعلوا إذا لم يتعاطوا مع هذا النموذج الغريب على الذوق المصري والمستهجن وغير المقبول من كبار السن، والمحبب جدا إلى جيل الشباب الذي ارتبط نجاح هذه الأغنية لديه بالسيارة الفيات 128 المفضلة لدى الشباب وقتها، وبالجامعة والنوادي والمصايف وثورة الملابس والتريننج سوت والجاكيتات ذات الألوان الصارخة، وقصة الأسد الشهيرة التي نفذها البنات قبل الأولاد.

وفي يوم وليلة صارت الأغنية أشهر من اسم صاحبها، فبات الأب يسأل أولاده بعد أن حاصرته أغنية (لولاكي) في كل محل وسيارة وبيت وشارع، مين الواد المايع اللي بيغني الأغنية دي…وبيقول إيه؟ فيجيبه ابنه بكل فخر: ده علي حميدة يا بابا… علي حميدة.

وكان الرقم المعجز الذي لم يستطع ألبوم في تاريخ الأغنية العربية قبله أو بعده أن يكسره لمدة سنوات عديدة وهو 6 ملايين نسخة مباعة في عام واحد، رقم مذهل جعل كل مطربي الوسط العربي يقفون متأملين، ماذا سيخبئ لهم الغد، وكيف سيكون شكل الأغنية العربية بعد (لولاكي).

ومن يكون (علي حميدة) وأين كان؟! ولماذا ظهر فجأة بدون مقدمات؟! وماذا وجد فيه مكتشفه وعرابه (حميد الشاعري) الذي يعد شريكه في تدبير هذا الانفجار المدوي، ذلك الموزع الموسيقي الذي عرف بعد (لولاكي) من أين تؤكل الكتف، ليجني ثمار مرحلة طويلة استمرت قرابة 20 سنة، وضع فيها (الشاعري) سوق الكاسيت على أزرة أورجه الغربي مقحما التصفيق والدرامز مع الجيتار في توليفة عجيبة صنعت ما يسمى (الأغنية الشبابية).

الولد الشقي

لم يكن ظهور علي حميدة المفاجئ لكل الجمهور، غريبا فقط في ما قدمه من أغنيات لم تتجاوز مدة أطولها دقيقتين، ولكن أيضا في شكله وملابسه وتسريحة شعره المعروفة لدى الشعب الليبي، بل وحركاته ورقصته أيضا على مسارح الشباب والنوادي الرياضية، وأفراح الفنادق.

وأصبح في يوم وليلة (علي حميدة) نجما فضائيا كونيا أسطوريا يتمنى أن يراه الكبار والصغار، وصار ضيفا ثابتا في كل برامج رمضان الحوارية، بل إنه هو الذي غنى تتر برنامج منى الحسيني الرمضاني الشهير (حوار صريح جدا جدا).

(لولاكي) حاصرت الناس في كل شوارع مصر بكل محافظاتها، وتفجرت في كل سيارة وميكروباص، وكانت قاسما مشتركا في كل تجمع شبابي وبالأحرى في ليالي الصيف الساهرة وعلى شواطئ ميامي والمندرة والمعمورة والمنتزه ومحطة الرمل، قبل أن يظهر اختراع (الساحل الشمالي) وقراه العامرة بالمتعة الصماء.

ولكن ماذا بعد قنبلة (لولاكي)؟

بعد هذا الألبوم المدوي، التقط (حميدة) أنفاسه لمدة عامين ثم أصدر صاروخا آخر، لكنه لم يكن مثل سابقه، حين غنى (كوني لي)، وحقق بها مبيعات كبيرة ونجح الألبوم أيضا ولكن بمقاييس عادية، وليست خارقة للعادة مثل (لولاكي).

ثم بدأ يتوارى (حميدة) تدريجيا وبسرعة مذهلة، وتفجرت فضائحه التي نفاها هو كثيرا فيما بعد وأقر بأنه تعرض لحملات تشويه ممنهج، لضربه وإنهاكه من قبل ملوك الكاسيت وأباطرته في مصر.

أخيرا… لقد ذهب (علي حميدة) بعد صراعه مع المرض، في صورة الرجل العجوز المريض المتداعي، وبقيت منحوتته (لولاكي) شاهدة على نقطة تحول بارزة في تاريخ الأغنية العربية، ولا نبالغ لو قلنا إن (علي حميدة) هو أول من فتح البوابة الملكية الكبيرة التي عبر منها كل جيل التسعينيات وما تلاه من تطور للأغنية الشبابية، على يد حماقي وتامر حسني وشيرين.

(علي حميدة) هو النوستالجيا الجميلة… ورائحة الشباب النضرة.

إخلاء مسؤولية: المحتوى في قسم الآراء والمساهمات لا يعبر عن وجهة نظر الموقع وإنما يمثل وجهة نظر صاحبه فقط، ولا يتحمل الموقع أي مسؤولية تجاه نشره.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى