آراء ومساهمات

حبيبة عوض تكتب: صقيع صيف المنتصف

أيؤلمك البرد؟ لأن الصقيع في أحشائي لا يفعل، لكن مع كل نسمة هواء أشعر به يلفح جوفي قبل جلدي، المنتصف الرمادي حيث تقف لا تعرف للتقدم طريقا ولا للعودة طريقة، أنت فقط عالق بلا أغلال مشتت بين الماضي الحاضر متشبث بالذكريات، عندما لا تستطيع أن تبتعد ولا تستطيع أن تقترب ولا تستطيع أن تنسى ولا يمكنك التجاوز، فأهلا بك في المنتصف المميت حيث لا حول لك ولا قوة.

المنتصف هو اللاحزن وعدم السعادة هو الفراغ واللاشعور حين تكون الغيوم أكثر إشراقًا من الشمس وتمطر ترابًا يمتص الهواء الباقي في رئتيك فلا أنت تتنفس ولا أنت مختنق، أنت تحاول البقاء ولكنه الغبار في داخلك، بين أسود وأبيض بقايا قوة واستسلام تام.

حبيبة عوض تكتب: صقيع صيف المنتصف

المنتصف أبشع من القاع بكثير لأنك معلق في الهواء لا تعرف مكانك، أين أنت؟ أنا قبل القاع ببضعة سنتيميترات أنتظر الارتطام ولا يأتي، ما زلت لم أصل بعد، أنا ثابت، أهو الأمل أم الخوف من المجهول؟ مأساة غير مكتملة، أصبحت نصفًا… نصف قلب يحب نصف حب، المنتصف هو السرمدية والشك، جزء من العالم الذي ستواجهه إن نجوت، البعض لا يتحمل الوسط فيختار إنهاء الرحلة ببساطة.

هذه الأجساد على دفتي الطريق والخواء والصمت هي سبب البرودة القارصة، إذا كنت قويا بما فيه الكفاية وتخطيت الطريق حتما ستفزعك الأجساد المعلقة على حائط منزله، جدار الفخر خاصته نصف أحياء نصف بؤساء يبدو غبار الزمن بين تقاسيم وجوههم، يسكن اليأس تحت جفونهم وبين أظافرهم وجلودهم الشابة، موتى بروح حية يتفقدهم يوميا بشغف ورغبة للمزيد.

يعتز المنتصف بمن قبلوا به وأصبحوا أنصافًا، مصدر غذائه ودافعه وحفزه الوحيد هي تلك النظرة في أعينهم وتساؤلاتهم اللامنتهية وغرقهم في أفكارهم ليل نهار، حتى يقرروا أخيرا رفع الراية البيضاء وقتل الأمل والموت واقفين، فيعطيهم نصف حزن ونصف سعادة ونصف دمع ونصف ابتسامة، نصف حلم ونصف أمنية ونصف أمل كاذب.

قال جبران: «لا تجالس أنصاف عشاق، ولا تصادق أنصاف أصدقاء، ولا تقرأ لأنصاف موهوبين، ولا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، ولا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، ولا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت فتكلم حتى النهاية».

تعلم أنك في المنتصف حين تصبح عبدا للماضي هلعًا من المستقبل، فتصبح أضعف من المواجهة حيث إن صدمة الفشل مميتة، إذن فالتوقف هو الحل أو هكذا تقنع ذاتك، الثبات مع أنقاض أمل أرحم من اصطدام آمالك باليابسة القاسية.

أعرف كثيرا من الأنصاف يعيشون نصف حياة بنصف عقل ونصف تركيز ونصف شرود، لديهم أنصاف أصدقاء، حياتهم نصف صعبة يواجهونها بأنصاف حلول، فإن تساءل فضولك عن النصف الأخر أفاجئك بأن لا آخر، لقد استسلموا للنقص مقنعين أنفسهم أنه الكمال ذاته وأن هكذا تكون الحياة، بيت قصيد كان ذا معنى وأصبح مجرد شطر لا قيمة له ناقص بلا حكمة ولا قافية وهذه وحشية المنتصف.

واجهوه، واجهوا المنتصف بعقل كامل وفكر واعٍ، واجهوه بكلمات لا تصمت وموهبة كاملة، واجهوا واصمدوا حتى النهاية لأن النهايات حتمية حتى اللانهائية لها نهاية، لا يوجد أبدية في دنيانا فلا تستسلموا، لا تكن نصفا ولتحب بقلب كامل، دع شعاع الأمل يحتضن قلبك واشعر بالدفء.

اليأس موت فلا تمت وفيك روح حرة، كن شجاعًا وأقدم على كل خطوة، السفينة آمنة في المرفأ لكن ليس لهذا تصنع السفن، احلم أحلامًا كبيرة بكبر قلبك وتحدث بوسع الفضاء في صدرك، تعهد لنفسك أنك لن تكون نصفًا وتحرر من الماضي، اترك الماضي إلى حيث ينتمي واصنع مستقبلًا تفخر به.

إخلاء مسؤولية: المحتوى في قسم الآراء والمساهمات لا يعبر عن وجهة نظر الموقع وإنما يمثل وجهة نظر صاحبه فقط، ولا يتحمل الموقع أي مسؤولية تجاه نشره.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى