عجائب

لغز مقبرة جنكيز خان الذي حير الباحثين عبر العصور

من السهل أن يجمع القائد بين الفطنة والدهاء والحفاظ على أدق الأسرار وإخفائها عن أعدائه حال حياته، إلا أن «جنكيز خان» غير المعادلة بعد موته، ونجح في إخفاء موقع مقبرته وإبقائه سرا لم يستطع عدو أو قريب الوصول إليه حتى وقتنا هذا.

جنكيز خان

جنكيز خان، هو مؤسس الإمبراطورية المغولية والتي تعد أضخم إمبراطورية في التاريخ، حيث تمتد من المحيط الهادئ إلى بحر قزوين، كما أنها احتلت جزءا ضخما من أواسط آسيا والصين في نهاية حياته، إذا قام بالعديد من المجازر والحملات العسكرية على القوقاز والدولة الخوارزمية وإمبراطورية جينوزيا الغربية.

كان جنكيز خان قائدا عسكريا عظيما بين بني قومه، محنكا، شديد البأس، كما أنه امتلك قدرا من الفطنة والذكاء جعل منه أسطورة يهابه القاصي والداني، حتى إنه ما زال يمثل لغزا كبيرا بعد وفاته.

مقبرة جنكيز خان

وصية واجبة التنفيذ

أوصى جنكيز خان جنوده قبل وفاته بأن يدفنوه سرا، وأن يعملوا جاهدين على إخفاء مكان مقبرته، فلا يعلمها سواهم تحت أي ظرف، وقد نفذ الجنود وصيته على أكمل وجه حيث قاموا بحمل جثمانه متجهين إلى مقر مقبرته وهم يحملون السيوف والخناجر، فما إن قابلهم شخص غريب حتى انهالوا عليه وقتلوه، في محاولة لإخفاء مسارهم والطريق الذي يسلكونه.

ليس هذا فقط بل إنهم امتطوا قرابة الـ1000 حصان وقاموا من خلالها بطمس آثار أقدامهم بعد أن وارى الثرى جثمان قائدهم الأعظم، الأمر الذي أثار دهشة الشعب وحيرة الباحثين والعلماء الذين لم يعثروا على مرقده حتى بعد مرور 800 عام.

جهود مكثفة

قامت فرق كاملة بقيادة كبار الباحثين من خارج منغوليا ببذل أقصى جهودهم للعثور على مقبرة جنكيز خان، حيث إنهم بحثوا عنها بين طيات جميع كتب التاريخ، وعلى أرض الواقع، حتى إن الأمر قد وصل بهم إلى البحث عنها عبر الفضاء من خلال الاستعانة بمشروع ترعاه قناة ناشيونال جيوغرافيك، والذي استخدم الأقمار الصناعية في عملية البحث الجماعي عن المقبرة.

معتقدات خاطئة

قامت وسائل الإعلام الأجنبية بترويج أسباب خيالية حول رغبة المغول الشديدة في إيقاف البحث عن المقبرة، ومن بين هذه الأسباب اعتقادهم بأن المغول يخشون أن تحل عليهم اللعنة بمجرد اكتشاف موقع القبر، مثلما حدث عند فتح مقبرة تيمورلنك «الملك التركي المنغولي» الذي تزامن نبش مقبرته من قبل علماء الآثار السوفيتيين مع غزو الجنود النازيين، واندلاع معارك الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل بعض المؤمنين بالخرافات يعتقدون أن ما حدث كان عقابا لهم لموافقتهم على فتح المقبرة.

ولكن الباحثة والمترجمة «يولون» والتي كانت في زيارة إلى منغوليا «مسقط رأس جنكيز خان»، ترجح أن عزف المغول عن البحث عن مرقده ليس له تفسير سوى احترام وتقدير الشعب لقائدهم، الذي أراد أن تظل مقبرته سرا لا يستطيع أحد الوصول إليه.

عراقيل طبيعية

لم يكن احترام المغول لوصية قائدهم هو العائق الوحيد أمام الباحثين، فهناك بعض المشكلات الطبيعية التي يواجهونها والتي تتمثل في طبيعة بلاد المغول حيث إنها أرض شاسعة تفوق بريطانيا العظمى في مساحتها، وبرغم ذلك فإنها تعاني من قلة الكثافة السكانية، الأمر الذي جعل الحياة فيها بدائية وبعيدة عن العمران والتقدم الحضاري، فمظاهر الحياة هناك تتلخص في وجود أضرحة صخرية، أو خيمة لبعض رعاة الأغنام، مما جعل مهمة البحث عن المقبرة شبه مستحيلة بين هذه الأراضي القاحلة.

ليس هذا فحسب، فقد استنتج الدكتور ديماجاف إردنباتار «رئيس قسم الآثار بالعاصمة المنغولية» والذي كان واحدا من أفراد البحث في إقليم خينتي، أن قبائل شيونغنو هم أسلاف المغول، وقد اعتادت هذه القبائل على دفن ملوكها تحت سطح الأرض في غرف يزيد عمقها على 20 مترا، ويدفنون معهم ممتلكاتهم أيضا من الذهب والفضة وجميع الكنوز الأثرية القيمة، وإن صح اعتقاد الدكتور إردنباتار فإن جنكيز خان قد دفن بذات الطريقة التي دفن بها ملوك شيونغنو، مما جعل مهمة البحث عن المقبرة شبه مستحيلة بين هذه الأراضي القاحلة.

شائعات محتملة

كثرت الشائعات التي تناقلها الشعب المنغولي حول احتمالية دفن جنكيز خان فوق قمة أحد جبال خينتي والتي تسمى «بورخان خلدن»، إذ احتمى به جنكيز خان ذات مرة وهو شاب يافع، وتعهد أن يعود إليه مرة أخرى عند مماته، ولكن العلماء والباحثين قد اختلفوا حول صحة هذا المكان، فبحسب الروايات التاريخية التي استعانوا بها يجدر بمكان القبر أن يكون تحت واد أو سهل منبسط، حيث إن الجنود لن يستطيعوا طمس آثار المقبرة باستخدام الأحصنة فوق قمة الجبل، ولكن العهد الذي أخذه جنكيز خان على نفسه قد حصر الخيارات لديهم بين الجبال، مما زاد الأمور تناقضا وتعقيدا.

جبل بورخان خلدن

توقف قهري

بقيت الجهود مستمرة ولم ينفك الباحثون الأجانب عن محاولة استكشاف مكان المقبرة «والتي يرجح أنها مليئة بالكنوز الأثرية»، ولكن بإدراج جبل بورخان خلدن والمنطقة المحيطة به ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو، أصبح من الصعب دخول الباحثين هذه المنطقة حيث أنها أصبحت خاضعة للحماية المشددة، مما أدى إلى توقف البحث وجعل مقبرة جنكيز خان سرا معلقا لن يستطيع أي شخص الوصول إليه «وهو ما أراده جنكيز قبل وفاته».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى