عجائب

دوائر الجنيات.. هل شكّل النمل الأبيض ملامح صحراء ناميبيا الغامضة؟

لا تزال الطبيعة تبهرنا يوما بعد يوم بالعجائب المحيطة بها في جميع بقاع الأرض، وتعتبر صحراء ناميبيا واحدة من هذه البقاع، إذ تحتوي على إحدى الظواهر المحاطة بالألغاز التي كثرت حولها الأساطير والفرضيات، دون الوصول إلى تفسير قاطع لها، وتتمثل هذه الظاهرة في «دوائر الجنيات».

دوائر الجنيات

تقع «دوائر ناميبيا» أو «دوائر الجنيات» كما يسميها البعض، في صحراء ناميبيا الحمراء القاحلة، والتي سيدهشك مظهرها الخيالي بمجرد النظر إليها عن بعد، حيث تنتشر الآلاف من الحفر المتباعدة المتراصة بجانب بعضها البعض، والتي لا تتداخل أبدا وتحف الأعشاب الخضراء الكثيفة كلا منها بطريقة محددة، وعلى الرغم من نمو هذه الأعشاب حول الدوائر إلا أنها قاحلة جدا من الداخل وتشبه الحلقات المجوفة، حيث لا يتخللها أي شيء سوى الرمال ولا ينمو بداخلها أي نوع من النباتات على الإطلاق.

دوائر الجنيات.. هل شكّل النمل الأبيض ملامح صحراء ناميبيا الغامضة؟

أساطير وشائعات

سحرت هذه الدوائر سكان الأدغال المحليين قديما، حيث تم اكتشافها منذ قرون طويلة، ولم ينفك السكان عن نشر الأساطير والتحليلات منذ لحظة اكتشافها، ومن ضمن الأساطير الشفوية المتداولة أن تنينا ضخما يعيش تحت سطح الأرض، ويتنفس الفقاعات النارية التي تصطدم بالقشرة الأرضية لتحرق الغطاء النباتي مكونة هذه الدوائر.

ويعتقد بعض السكان الآخرين أن سقوط الأطباق الطائرة للفضائيين هو المسؤول عن إحداثها، أما الفئة الثالثة فقد اعتقدت في وجود الجنيات تحت سطح صحراء ناميبيا، والتي تعبر عن غضبها في كل مرة عن طريق تكوين دائرة من الدوائر التي يصل قطرها أحيانا إلى 20 مترا تقريبا.

دوائر الجنيات.. هل شكّل النمل الأبيض ملامح صحراء ناميبيا الغامضة؟

دراسات أولية

بدأ العلماء والباحثون دراسة دوائر الجنيات في سبعينيات القرن الماضي، وبذلوا جهودا هائلة في محاولة للوصول إلى تحليل علمي يفسر هذه الظاهرة الغامضة، التي اعتبروها واحدة من أعظم ألغاز الطبيعة.

وقد انقسم العلماء إلى 3 أقسام كل منهم بحسب مجال خبرته، حيث اعتقد علماء الأحياء أن الدوائر تكونت بسبب تواجد النمل الأبيض تحت التربة، أما علماء فسيولوجيا النبات فرجحوا أن الأمر يعود إلى وجود كائنات حية دقيقة تقتل الأعشاب والنباتات داخل الدائرة، حيث تتكون الدائرة بحجمها الصغير حاملة في داخلها بعض الكائنات القاتلة كالفطريات، ثم تتسع بعد ذلك وتتزايد بالتبعية أنواع الفطريات بداخلها، والتي تقوم بإصابة بذور الحشائش والأعشاب الجديدة وتتسبب في موتها، الأمر الذي يمنع نموها مكونا هذا الجزء القاحل، ولكن علماء الكيمياء حاولوا نفي هذه الفرضيات، ورجحوا وجود غازات سامة في التربة تقوم بقتل النباتات والأعشاب قبل نموها.

دوائر الجنيات.. هل شكّل النمل الأبيض ملامح صحراء ناميبيا الغامضة؟

مجهودات لم تكلل بالنجاح

لم يستطع العلماء إثبات واحدة من هذه النظريات بشكل قطعي، الأمر الذي حال بين تكليل أبحاثهم ومجهوداتهم بالنجاح، حيث باءت جميعها بالفشل ولكنه الفشل الذي يستحق التقدير كما قال البروفيسور دون كوان مدير مركز علم البيئة الميكروبية في جامعة بريتوريا جنوب إفريقيا، حيث ذكر أن هذا الفشل لم يكن بسبب عدم المحاولة أو عدم الرغبة في الفهم، بل بسبب الغموض المحير لهذه الدوائر التي يظن أنها تحمل بداخلها أسرارا مثيرة يصعب على التقنيات المحدودة الوصول إليها. 

دراسة حديثة

وبحلول عام 2007 عند رؤية «والتر تشينكل» لدوائر ناميبيا، وهو عالم أحياء بجامعة فلوريدا، أعلن على الفور أن النمل الأبيض هو المتسبب في هذه الظاهرة، وقد سعى جاهدا لمحاولة إثبات فرضيته، حيث استغرق 3 أيام في الحفر تحت دائرتين بحثا عن النمل، ولكنه بعد البحث الشاق ليلا ونهارا اكتشف أن النمل الأبيض لا علاقة له بهذا الأمر مطلقا.

النمل مرة أخرى

وفي عام 2013 تصدر نوربرت يورجنز الصحف والمجلات، وهو عالم بيئة من جامعة هامبورغ في ألمانيا، حيث قام برحلة ميدانية في دوائر الجنيات وأخذ العينات من حوالي 40 دائرة، ثم بدأ في وضعها تحت الملاحظة وقام باختبار التربة ومراقبة النباتات والكائنات الحية بداخلها، واستطاع أخيرا إثبات فرضية النمل.

حيث ذكر في نتيجة تحليلاته أن كائنا واحدا فقط يقبع تحت هذه الدوائر وهو النمل الأبيض، وقد توصل في دراسته إلى أن النمل الأبيض يتغذى تحت التربة التي يعيش بها على جذور النباتات التي يقتلها، وعند هطول المطر الشديد تتجمع المياه تحت التربة الرملية حيث لا توجد نباتات تمتص مياه الأمطار وهو ما يسمح للنمل الأبيض بالبقاء على قيد الحياة خلال موسم الجفاف، كما يساعد على نمو الأعشاب حول أطراف الدوائر بهذا الشكل المنتظم. 

هل انقشع الغموض حقا؟

كما أكدت دراسة قام بها فريق عمل ناشيونال جيوغرافيك هذه النظرية، حيث توصلت إلى أن النمل الأبيض عندما يبتعد عن جذور العشب يضعف التربة ويجعلها أقل كثافة، مما يتسبب في خلق حفرة رملية خالية من الحياة النباتية، ونظرا لأن النباتات تنمو في بيئة غنية بالمياه فإن هذه المراكز الرملية الخالية من الغطاء النباتي قادرة على امتصاص الماء، والاحتفاظ به بشكل أكثر كفاءة كما لو كانت النباتات موجودة، وبالتبعية تساعد هذه المياه المتراكمة النباتات المحيطة بالدوائر على النمو والازدهار كأعشاب معمرة، والتي تقوم بدورها بتزويد النمل الأبيض بالطعام ومساعدته على التكاثر والبقاء.

ولكن يبدو أن لغز دوائر الجنيات لا يزال يثير التساؤلات ويمثل غموضا، حيث لم يجزم العلماء بصحة نظرية النمل الأبيض، إذ قام العديد منهم بالتشكيك في هذه النظرية رغم الجهود الذي بذلها يورجنز لإثباتها، وكان من بين المشككين عالم البيئة «ستيفان جيتزين» في مركز هيلمهولتز للبحوث في ألمانيا، والذي يرجح أن السبب هو وجود أنواع مختلفة من الحشرات تحت التربة، أو تسرب الغاز الذي يؤدي إلى قتل جذور النباتات تحت الدوائر، وقد أيده في رأيه الكثير من علماء الكيمياء وعلماء فيسيولوجيا النبات أيضا، الأمر الذي جعل جميع الاحتمالات مطروحة ولم يغلق ملف الأبحاث والدراسات حتى وقتنا هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى