إبداع

كيف احتلت الدبابات المطاطية منازلنا دون مقاومة؟

أصبحت المقاعد القابلة للنفخ جزءا من أثاث كل منزل عصري، حيث احتلت غرف الأطفال والمراهقين المولعين بالابتكار والتجديد كعنصر أساسي وترفيهي جذاب ضمن أثاثها، ولا يقتصر الأمر على المنازل فقط، فستجدها أيضا على الشواطئ وفي أحواض السباحة بمختلف أشكالها وأحجامها وألوانها، ولكن من كان يظن أن هذه المقاعد الترفيهية كانت فكرة مقتبسة عن أحد الأشياء التي مثلت دورا هاما جدا في ساحة المعركة!

الدبابات المطاطية

تعرف باسم الدبابات المطاطية أو الدبابة الدمية كما يطلق عليها، وهي سلاح وهمي يتم استخدامه خلال الحروب بهدف التضليل وخلق شيء من الخداع البصري للعدو، ويكون الغرض منها حماية الدبابات والمعدات العسكرية الحقيقية، وقد تم استخدام هذا التكتيك العسكري القادر على ردع وإرباك جيوش العدو لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية.

كيف انتقلت الدبابات المطاطية من أرض المعركة إلى منازلنا؟

الحرب خدعة

كانت البداية في سبتمبر 1942، عندما تم استدعاء بعض الفنانين والمصممين والمهندسين المعماريين من قبل قيادة قوات الحلفاء، حيث تم عقد اجتماع سري سريع قاموا فيه بتكليف هؤلاء الفنانين والمصممين بإنشاء الدبابات المطاطية المملوءة بالهواء، والتي كانت ضمن تكتيكات عسكرية وخطة واسعة النطاق، الهدف الرئيسي منها هو مباغتة الأعداء الألمان والإيطاليين بهجوم وهمي، مما يسمح لهم بخداعهم وتشتيت ضرباتهم.

وكان هذا المطلب يسيرا للغاية إذ تم خلال 28 يوما فقط من قبل أذكى المصممين المحترفين في ذلك الوقت، حيث قاموا بتصميم دبابات وهياكل أسلحة قابلة للنفخ من القماش الخشن، وتم تجهيزها بعد ذلك عن طريق ضخها بالهواء، وهو الأمر الذي يستغرق حوالي 20 دقيقة للهيكل الواحد.

وبالفعل كانت ساحة المعركة الوهمية جاهزة للقتال حيث اصطفت مئات من الدبابات المطاطية المزيفة، وقد بلغ عددها تقريبا 600 هيكل، والتي بدت واضحة جدا للأعداء من قوات المحور في مشهد مهيب كما لو كانت حقيقية تماما، مما أربكهم وجعلهم يشعرون أنهم يواجهون خطرا جسيما.

كيف انتقلت الدبابات المطاطية من أرض المعركة إلى منازلنا؟

وقد شكلت هذه الحيلة مصدر إلهام لإحدى الكتائب العسكرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، والتي عرفت باسم «جيش الأشباح» المكون من 1000 جندي، وكان الهدف منها خداع الألمان عن طريق وهم جنودهم بمواقع تهدد خطوطهم، الأمر الذي سيجبرهم على توزيع قواتهم في المواقع التي تكون الظروف فيها ملائمة لخدمة قوات الحلفاء.

وقد ضمت هذه الكتيبة الكثير من المهندسين المعماريين والمصممين وخبراء الدعاية والفنانين الذين شاركوا في صناعة الدبابات المطاطية، وكان من أبرز أفرادها المصور الفوتوغرافي آرت كين، ومصمم الأزياء بيل بلاس والرسام إلسويرث كيلي.

درع حصين من المطاط

ولكن الأمر لم يقتصر على الدبابات المطاطية فقط، فقد كانت هناك لحظات أخرى مثلت تطورا معماريا عن طريق استخدام هذه المواد القابلة للنفخ، حيث قام المهندس والتر بيرد بحماية المعدات العسكرية الحساسة عن طريق إنشاء قباب قابلة للنفخ وهياكل مدعومة بالهواء، والتي كانت تغطي المعدات بالكامل ومثلت درعا حصينا لها من الأعداء.

وبحلول منتصف خمسينيات القرن الماضي تطور الأمر حتى أصبح إحدى وسائل الترفيه، حين قام بيرد بإنشاء مجموعة هياكل مطاطية لكرات القدم والتنس والجولف، وهو الأمر الذي جعل الكثير من المصممين يفكرون جديا في تصميم بعض الديكورات القابلة للنفخ أيضا.

من ساحة المعركة إلى منازلنا

حازت فكرة الدبابات المطاطية وغيرها من الهياكل القابلة للنفخ إعجاب الكثير، مما دفع 4 مصممين ضمن حركة anti-design الإيطالية للإقدام على تنفيذ أول كرسي قابل للنفخ في أوائل الستينيات، وسرعان ما تطور الأمر حتى أصبح هذا الكرسي رمزا للأثاث الخفيف المريح بمظهره الجديد الجذاب، وتم تسويقه في ذلك الحين كأثاث مثالي لأولئك الذين يتنقلون بكثرة بين المدن، والذين يبحثون عن أثاث موفر في المساحة للمنازل الضيقة، إذ كان من السهل تخزين هذا الكرسي عن طريق تفريغ الهواء منه ثم إعادة نفخه من جديد.

كيف انتقلت الدبابات المطاطية من أرض المعركة إلى منازلنا؟
كرسي Blow، أول كرسي قابل للنفخ في ستينيات القرن الماضي..

ثم حذا الكثير من المصممين حذو هؤلاء الشباب في ذلك الوقت، حتى إن المهندس والمخترع الفيتنامي المشهور مانه خانه قام بافتتاح خط أثاث قابل للنفخ خاص به، والذي أطلق عليه Aero­space، وقد أصبح هذا الخط على الفور رمزا للأثاث والمقاعد البسيطة المتاحة في متناول الجميع، والتي تطورت بمرور الوقت بمختلف تصميماتها اللافتة للأنظار من حيث الشكل واللون والحجم، الأمر الذي أدى إلى تواجدها تقريبا في كل منزل عصري منذ ذلك الحين حتى وقتنا هذا.

زر الذهاب إلى الأعلى