عجائب

«سالار دي أويوني».. والسير بين النجوم على الأراضي البوليفية

هنا ستسير فوق السحب، الغيوم، هنا سترى الغروب والشروق والنجوم تحت قدميك بينما أنت تسير في طريقك اللامتناهي، هنا ستشعر أنك محلق في السماء، ولكنك في واقع الأمر تقف فوق أكبر وأكثر المسطحات الملحية إثارة على الأرض، والذي يعرف باسم «سالار دي أويوني».

سالار دي أويوني

يقع مسطح سالار دي أويوني أو مرآة السماء كما يطلق عليه البعض، في مرتفعات التيبلانو جنوب غرب بوليفيا، الواقعة بالقرب من جبال الأنديز، وتعتبر أحد أكبر المسطحات الملحية في العالم حيث تبلغ مساحتها 10,582 كيلومترا، ويبلغ ارتفاعها 3656 مترا فوق سطح البحر.

مسطح "سالار دي أويوني" الملحي.. حيث تلتقي السماء بالأرض

صحراء الملح

توصلت الدراسات التي قام بها العلماء الجيولوجيون أن السبب في تشكيل هذا المسطح هو وجود بقايا بحيرة مينشن التي تكونت قبل 40,000 سنة، التي تبلغ مساحتها 36,000 كيلومتر مربع، كما كانت المنطقة مغطاة أيضا ببحيرة أخرى تشكلت إثر ذوبان المياه الجليدية قبل 12,000 عام، والتي تغطيها طبقة هائلة من الملح وكلوريد الصوديوم، كذلك كمية كبيرة من كلوريد الليثيوم تبلغ حوالي 100 مليون طن، أي ما يمثل تقريبا 50 — 70% من احتياطي الليثيوم في العالم.

مسطح "سالار دي أويوني" الملحي.. حيث تلتقي السماء بالأرض

وبمرور الوقت تبخرت مياه هذه البحيرات بسبب الحرارة الناجمة عن النشاط البركاني، وقد ساعد الجفاف بالمنطقة على تماسك طبقات الملح المتواجدة تحت البحيرات، مما أدى إلى تكون مسطح سالار دي أويوني في المرتفعات البوليفية، والتي ذكر العلماء أنه لم يشهد على وجودها في الماضي سوى 32 جزيرة كانت مأهولة بالشعاب المرجانية المتحجرة والستروماتوليت، وقد قدر العلماء أن مجموع الملح في المسطح يبلغ حوالي 10 بليون طن، والذي يستخرج منه سنويا ما يقرب من 25,000 طن فقط للاستهلاك البشري، مما أدى إلى تسمية المنطقة بصحراء الملح.

طفرة في تخزين الطاقة

لا توفر هذه الصحراء المالحة المحلول الملحي فقط، بل إنها تحتوي على الكثير من المعادن ومن أهمها، البورون، المغنيسيوم، وكلوريد الصوديوم، وخاصة الليثيوم الذي استخدم في صنع بطاريات أحدثت طفرة في حلول تخزين الطاقة والتنقل بها من مكان لآخر، ومهدت لثورة في الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها اليوم، حيث إن بطاريات الليثيوم أيون تستخدم الآن لتوفير الطاقة للكثير من الأجهزة الإلكترونية الحديثة، من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمول وحتى فرش الأسنان الكهربائية والمكانس الكهربائية المحمولة.

وقد جذب هذا الأمر انتباه الشركات اليابانية والفرنسية والكورية، وكذلك روسيا والصين الذين يقومون بأعمال الحفر للوصول إلى رواسب الليثيوم واستخراج هذا المورد، مما زاد من أهمية المنطقة وجعلها من أكثر المواقع جذبا للباحثين والجيولوجيين.

مسطح "سالار دي أويوني" الملحي.. حيث تلتقي السماء بالأرض

يبدو سطح المنطقة من بعيد كالبحر الصلب بمظهره السلس غير المتناهي، ولكن بمجرد النظر إليه عن كثب ستفاجأ بسلسلة من الأشكال السداسية التي تحدث من خلال عملية تسمى «المربط»، حيث يتكون القاع من 11 قشرة ملحية، ويبلغ سمك كل منها من 2 إلى 10 أمتار، وبمجرد أن تتراكم مياه الأمطار في المساحات التي بينها تتحول فيما بعد إلى محلول ملحي، وبمجرد أن تشتد حرارة الشمس تبدأ عملية التبخر التي يمثل سطح الأرض حائلا أمامها يمنعها من اختراق السطح، مما يجعلها تحاول الصعود عن طريق تكسير الملح الذي يخلق هذا الشكل السداسي.

طريقك نحو الفضاء

لا يعتبر المسطح مصدرا هاما لاستخراج الملح والمعادن وحسب، بل إنه يمثل مشهدا طبيعيا خلابا وقت الشروق، حيث يعكس لك السماء بصفائها ونقائها، والذي  يشعرك أنك تسير فوق السحب والغيوم، كذلك غروب الشمس الذي ينعكس بألوانه المتداخلة كلوحة فنية مذهلة، وبحلول الليل يتلاشى البريق تحت قدميك ليبدأ الانفجار النجمي في غزو سماء سالار دي أويوني، ليتداخل مع الأرض مكونا صورة أقرب إلى مجرة درب التبانة، الأمر الذي يجعلك تسير بين النجوم وتحلق كالطير نحو الفضاء إلى ما لا نهاية، وهو ما جعل المسطح أحد أكثر الأماكن جاذبية وإثارة ووجهة للكثير من الزوار من جميع أنحاء العالم.

مسطح "سالار دي أويوني" الملحي.. حيث تلتقي السماء بالأرض

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى