رياضة

من «فيفا» إلى «المدرب الأفضل».. كيف تؤثر الألعاب الإلكترونية على نجوم كرة القدم؟

يخبرنا أندريا بيرلو نجم ميلان ومنتخب إيطاليا الأسبق في كتابه «I Think There­fore I Play» بأن البلايستيشن ربما هو الاختراع البشري الأكثر قيمة بعد اختراع السيارات، خلال سيرته الذاتية يواصل نجم السيدة العجوز الأسبق إعرابه عن كونه أحد هؤلاء المدمنين لألعاب الفيديو، التي لم تعد حكرًا الآن على الأطفال أو المراهقين، بل إنها مع توالي الأيام قد وجدت طريقًا للبالغين أيضًا ولم لا لاعبي كرة القدم المحترفين أيضًا.
ولكي تدرك المعنى الحقيقي خلف هذا الحديث الذي يبدو غريبًا بعض الشيء، فقط يمكننا أن نخبرك بأن حامل لقب كأس العالم في 2006 كان قد قضى عصر يوم التتويج أمام فرنسا على ملعب برلين الأوليمبي أمام البلايستيشن، دون أن يجد أي حرج في التصريح بذلك، نفس الأمر الذي أقرّه زلاتان إبراهيموفيتش، نجم وهدّاف منتخب السويد التاريخي حين وصف في كتابه علاقته بألعاب الفيديو كالتالي.. «في بداية مسيرتي، كان من الممكن أن أجلس أمام ألعاب الفيديو لمدة 10 ساعات متواصلة». 

لعبة فيفا
أندريا بيرلو، نجم منتخب إيطاليا.

في الواقع يبدو أن ألعاب الفيديو مثل «فيفا» لم يكن الهدف الرئيسي منها محاولة تحويل ما يحدث داخل أرض الملعب عن طريق صورة رقمية إلى واقع، لكن ربما كانت تهدف تلك الألعاب إلى محاولة تسهيل ذلك الواقع الصعب الذي يعيشه اللاعبون خلال مسيرتهم ونقله بصورة بسيطة للجماهير عن طريق لعبة ترفيهية، لا مكان بها للضغط، الإصابات، ولا أي من كل المعوقات التي تؤرق لاعب الكرة الحقيقي، مع إضافة اللمسة التنافسية التي يريدها أي متابع شغوف لهذه اللعبة.
لذا وبعد مرور حوالي 3 عقود على إصدار أول نسخ لعبة «FIFA» الافتراضية التي تنتجها شركة «EA Sports»، نجحت الشركة نفسها في بيع 1.5 مليون نسخة رقمية من «FIFA 21» لعملائها، وفقًا لتقرير أعدّه موقع «Sta­tista» الإحصائي، بزيادة 300 ألف نسخة مباعة عن العام المنصرم.

محاكاة ولكن..

«أصبحنا نعيش داخل عالم به هامش بسيط للتفرقة ما بين الافتراض والحقيقة، بشكل مثير، أصبح لاعبو كرة القدم يتعلمون بعض الأشياء من ألعاب الفيديو».
- جيارد لوبيز دوس سانتوس، أحد المعدّين بشركة «EA Sports».
عقب اقتحام عالم البيانات لكرة القدم عبر مؤسسات ضخمة مختصة بدراسة الإحصائيات وتقديمها بشكل احترافي لأندية كرة القدم، بات بديهيًا أن يتم استخدام نفس البيانات من مطوري ألعاب الفيديو طمعًا في محاكاة أقرب، فهنالك آلاف من جامعي البيانات الذين يعملون بصورة رسمية أو تطوعية لدى شركات إنتاج ألعاب الفيديو، وتقتصر مهمتهم على مراقبة أدق تفاصيل اللاعبين داخل أرض الملعب، بداية من شكل اللاعب وطريقة حركته وصولًا إلى قدرته على التسجيل، التمرير والمراوغة، قبل أن يتم دمج كل هذه البيانات التي تظهر في هيئة شخصية لاعب كرة قدم رقمية.
يرى أليكسندر أيوبي لاعب أرسنال الإنجليزي السابق بأن ألعاب الفيديو لم تعد مجرد أداة ترفيهية على الأقل بالنسبة له، فقد ذكر في مقابلة رسمية مع الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم، أنه أحيانًا لم يكن يكتف بما يشرحه له مدربه أرسين فينجر وجهازه المعاون حول طريقة لعب الخصم، بل كان في الأغلب يلجأ إلى لعبة الـ«FIFA» ليستزيد في البحث عن منافسه القادم، معيدًا رغبته في القيام بذلك إلى حاجته لمعرفة كل تفصيلة مهما بدت صغيرة عن المنافس، كالمراوغة التي يتقنها مثلا.

اتفق كل من السويدي زلاتان إبراهيموفيتش والألماني ماتس هوميلز مع ما سرده أيوبي بشكل كبير، فحسب وجهة نظرهما، بإمكان لاعب كرة القدم المحترف حل بعض المشكلات الفنية التي تحدث له داخل أرض الملعب، فقط عبر الاستعانة بطريقته لحل مشكلة مشابهة داخل لعبة الفيديو.

ربما ذلك ما حدث بالتحديد حين واجه ماركو أميليا، حارس بارما السابق، تحديا جديدا يتمثل في محاولة صد ركلة جزاء يقدم البرازيلي رونالدينهو لاعب ميلان الأسبق على تنفيذها، وقتئذ، قرر ماركو اللجوء لحيلة مماثلة، فقد تذكر كيف كان يتحرك البرازيلي قبل أن يسدد ركلة جزاء داخل لعبة «FIFA» الأمر الذي مكّنه من تقليل الفجوة بين ما يعرفه وما لا يعرفه عن اللاعب الذي يواجهه للمرة الأولى.

فيفا.. لأنها أكثر من مجرد لعبة

بالنسبة للاعبين، وحتى بعد إدراكنا لحجم المساعدة التي قد يحصلون عليها بفضل ألعاب الفيديو ‑فنيًا- إلا أن الأمر لم يعد مقتصرًا على ذلك فحسب، ولأن للشقين النفسي والاقتصادي دورا كبيرا في حياة لاعب كرة القدم المحترف، فبالتبعية انتقل الأمر ذاته لألعاب الفيديو، حيث أضحى تأثير التقييم الذي يحصل عليه كل لاعب داخل اللعبة والذي ينم عن تقدير مطوري النسخة لقدرات اللاعب سواء كان جيدا أو سيئا أو حتى متوسطا، أكبر مما نتوقع.

وحقيقة الأمر أبعد من مناقشة ساخرة بدأها البلجيكي ميتشي باتشواي ملمحًا إلى امتعاضه من تقييم قدرته على التمرير بنسخة «FIFA» للعام 2007، أو حتى اعتراف هوملز بأنه يشعر بالسعادة حين يحصل على نقاط تقييم أكثر مما يتوقع لنفسه داخل كل إصدار من اللعبة.

فطبقًا لإيدوارد سيسيه، لاعب باريس سان جيرمان السابق، فألعاب الفيديو هي أرض الأحلام بالنسبة للاعب كرة القدم المتوسط، لأنه في الأغلب لم يكن يلعب بفريقه الذي ينشط ضمن صفوفه، على العكس كان يفضل اختيار ريال مدريد أو برشلونة، لأنه حين كان ينظر إلى إحصائياته والتقييم الممنوح له، كان يشعر بالفارق الكبير بينه وبين نجوم الصف الأول بالعالم، كذلك لم يخف محاولة بعض زملائه الغش عن طريق تعديل نقاط قدراتهم داخل اللعبة، إلا أن النهاية تكون محرجة جدًا حين يتم اكتشاف الأمر.

بغض النظر عن أحاسيس اللاعبين ومشاعرهم، يخبرنا «روري سميث» محرر «نيويورك تايمز»، بأن أحد صنّاع لعبة «FIFA Man­ag­er» الافتراضية قد سبق وأخبره بأن هنالك العديد من الوكلاء واللاعبين يبدؤون بفتح خط للنقاش حول التقييم الخاص بهم أو بوكلائهم داخل اللعبة، لأن هذا الأمر بشكل ما، يؤثر على القيمة التسويقية والشرائية للاعب، الذي غالبًا ما يطمح في الصعود للأعلى وليس العكس.

بنفس الصدد، يقول مايل جاكوبسون، أحد مطوري «FIFA Man­ag­er» بأن حوادث كتلك تكررت أكثر من مرة، وأحيانًا يتم التعامل معها بإضافة بعض النقاط للاعب، أو حتى إرسال نسخ مبدئية إلى اللاعبين قبل طرح الإصدار الرئيسي بغية إرضائهم.
أخيرًا؛ لا يمكننا الجزم بما يمكن أن يحدث مستقبلًا، ولا يمكننا ضمان حجم التأثير الذي قد ينتج عن تطور التكنولوجيا المستمر على ألعاب الفيديو وعلاقته بكرة القدم الحقيقية، لكن ما يمكننا قوله بفم ممتلئ أن اللعبة التي كانت تهدف لأن يسجل جيمس ساروتي هدفًا صاروخيا بمرمى نوير بمنتهى السهولة وحسب لم تعد كذلك، وأن كرة القدم التي كانت محل اختلاف الآراء باتت تحكمها الأرقام.
من هو جيمس ساروتي؟ ببساطة لا أحد.. هو شخصية افتراضية من اختراعنا نحن، ينشط بفريق مغمور حصد لتوه دوري أبطال أوروبا على حساب بايرن ميونخ الألماني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى