ثقافة ومعرفة

تأثير المدخل.. ماذا يحدث للذاكرة بعد فتح باب الثلاجة؟

«تريد تناول شيء من الثلاجة، تتجه إلى المطبخ وتفتح باب الثلاجة، ثم تقف متأملا جميع ما بداخلها وقد نسيت ماذا تريد».. لا بأس فجميعنا نمر بلحظات من النسيان والحيرة، والتي قد تكون حرجة في بعض الأوقات، ولتفادي الوقوع ضحية هذه اللحظات عليك أولا معرفة ما يسمى بتأثير المدخل ثم محاولة تجنبه قدر الإمكان.

النسيان المؤقت

هل سبق لك الدخول إلى إحدى الغرف لإحضار شيء ما، ثم تفاجأ بأنك قد نسيت ما أتيت لأجله؟ هل صعدت السلم ذات مرة لجلب هاتفك المحمول أو مفتاح سيارتك، وبمجرد عبورك باب المنزل تصيبك حالة من الذهول لتقف متسائلا «لماذا صعدت السلم؟»، يمر غالبيتنا تقريبا بمثل هذه المواقف المليئة بلحظات النسيان غير المفهومة، والتي نعجز عن تفسيرها وفهم أسبابها، وهو ما أدى إلى قيام فريق من الباحثين من جامعة نوتردام، برئاسة الباحث غابرييل رادفانسكي بإجراء عدة دراسات عام 2011، في محاولة لإيجاد تحليل علمي لحدوث هذا الأمر.

النسيان

تأثير المدخل

توصل الباحثون من خلال هذه الدراسات إلى نظرية «تأثير المدخل»، وهي حالة من النسيان المؤقت عند الدخول إلى بوابة جديدة، وعند دخول غرفة أو الخروج منها، وقد استطاعوا تفسير هذه الحالة بأن العقل يبدأ في عملية تكوين ذاكرة جديدة بمجرد دخوله إلى المكان الجديد، بينما يزيح القديمة إلى الذاكرة البعيدة.

كما رجحوا أن السبب الثاني هو وجود طاقات كهربائية في البوابات الجديدة التي نعبرها، والتي تؤثر بشكل سلبي على الذاكرة قصيرة المدى ليحولها إلى أخرى جديدة، وهو ما يكشف عن مدى قوة ذاكرة الشخص أو ضعفها، كما ذكر عالم النفس توم ستافورد.

إدراك المستويات المختلفة للمهام

نستطيع شرح ظاهرة النسيان المؤقت الموجودة في عقولنا بسهولة، عن طريق مثال استعان به الباحثون عن إحدى السيدات، التي قابلت 3 من عمال البناء أثناء استراحة الغداء الخاصة بهم، حيث سألت العامل الأول عن الأمر الذي يقوم به خلال هذه اللحظة، فأجابها بأنه «يضع حجرة فوق الأخرى»، أما العامل الثاني فأجابها بأنه «يبني جدارا»، بينما أجاب الثالث بثقة قائلا: «أنا أبني كاتدرائية».

النسيان

سيعتقد الغالبية أن المغزى من هذا المثال هو أن ننظر دائما إلى الصورة بشكلها الأعمق أو الكبير، بينما يقول علماء النفس إن الفكرة الرئيسية هي إدراك الشخص أنه بحاجة إلى التفكير عن طريق عدة مراحل، للقيام بأحد المشاريع والعمل بجهد لإتمامه بنجاح، موضحين أن إجابة العامل الثالث قد تكون ملهمة إلا أنها غير مكتملة، فهو لن يستطيع الوصول إلى الفكرة الرئيسية وهي «بناء الكاتدرائية»، دون أن يقوم بوضع الأحجار فوق بعضها كما ذكر العامل الأول.

النسيان

كما تساعدنا القصة على فهم كيفية إدراك العقل البشري للمستويات المختلفة للمهام، فقد جرت العادة على تأدية المهام المألوفة اليومية دون التفكير في كل خطوة من خطواتها، ومع ذلك فإن مواجهة المخ لأحد الظروف غير الاعتيادية أثناء قيامه بالمهام، يؤدي إلى النسيان، وهو ما يتطلب تركيزا أعلى على كل إجراء مألوف اعتاد عليه.

وهذا ما يحدث بالفعل عندما تفكر في أمر ما أثناء تواجدك داخل غرفة قبل الخروج منها أو أثناء طريقك إلى المنزل، فمجرد عبورك بوابة أخرى يفتح لك عالما آخر يقوم بعملية تشويش للذاكرة المؤقتة، ويوسع إدراكك ليجعلك تقوم بالتركيز على الأشياء غير المألوفة في البيئة الجديدة التي دخلتها، وهذا يفسر التشتيت الذي يحدث لك عندما تفتح باب الثلاجة، حيث ينصب تركيزك على المعطيات الكثيرة أمامك وقد نسيت ما أتيت لأجله.

سلم الأولويات

أضاف الباحثون أن الدماغ يقوم بعملية ترتيب أهداف الشخص إلى أعمال، ولكن فعلا بسيطا كالسير عبر أحد الأبواب يعد سببا في اضطراب تطبيق الشخص لخططه، ولذا يعتبر سلم الأولويات هو المتحكم الرئيسي، في الطريقة التي يتشتت بها انتباهنا ويتغير اهتمامنا خلال عدة دقائق، إذ يسمح لنا بالقيام بأمور معقدة جراء وضع خطة محكمة مكونة من عدة مراحل وخطوات متعددة، وفي أماكن مختلفة، وعندما يتنقل اهتمامنا صعودا وهبوطا بين مستويات السلم تحدث عملية تأثير المدخل، الأمر الذي يعكس اعتماد ذاكرتنا على البيئة التي نتواجد فيها خلال ذلك الوقت، متضمنة أيضا ما كنا على وشك القيام به.

النسيان

تجنب الوقوع في الفخ

كل ما عليك فعله لتجنب الوقوع في حالة النسيان المؤقت، هو ترتيب أولوياتك واهتماماتك بحسب النطاق المتواجد فيه، مهما كانت هذه الأولويات صغيرة وبسيطة، حيث يتطلب كل أمر اهتماما معينا عند وقت معين، وعلى سبيل المثال نسيان مفاتيحك أثناء خروجك من المنزل، رغم أنها أمام عينك في هذه اللحظة.

من الناحية النفسية يتم نسيان الخطط الصغيرة بين سلسلة الخطط الكبيرة المسيطرة على عقلك، والتي هي جزء من خطط على نطاق أوسع وأوسع، وفي هذه الحالة تعتبر المفاتيح هي الخطة الصغيرة في عقلك.

كذلك حاول دائما أن تأخذ قراراتك الهامة أثناء تواجدك في غرفة مغلقة، دون اللجوء إلى الدخول والخروج أكثر من مرة، مما سيتسبب في تشتيتك ونسيان هذه القرارات.

وعلى الرغم من التأثير السلبي للمدخل، إلا أننا نستطيع استغلاله بشكل إيجابي أثناء حياتنا اليومية، فعند حدوث أمر مزعج أو مضايقتك من قبل شخص ما، كل ما عليك فعله هو الخروج من الغرفة إلى غرفة أخرى وأخرى، حيث تتسبب هذه الحركة عبر الأبواب المختلفة في محو الأمر الذي أزعجك بشكل أسرع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى