رياضة

كيف أنقذت مواقع التواصل الاجتماعي بعض لاعبي كرة القدم؟

ربما لا نحتاج لأن نعطي مقدمة طويلة عن أهمية الفترة التي تفتح بها نافذة الانتقالات لأطراف اللعبة ‑كرة القدم- المعنيين الثلاثة: اللاعب، إدارة النادي والوكيل، فالقاصي والداني أصبح على دراية بعمل الجميع خلال تلك الفترة نتيجة لسيل الأخبار، الحقيقية أو الكاذبة، التي تنتشر حول ما يدور خلف الكواليس.
في الغالب تسلط الأضواء على تحركات اللاعبين الأفذاذ من هنا إلى هناك، وبدرجة أقل تتم متابعة الأسماء الأقل نجومية من باب الفضول، مشاهد جميلة تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الساعة للاعب يمسك بقميص الفريق الذي انتقل إليه قبل لحظات، وفي الخلفية، شعار النادي، ومسؤول يشيد بالتعاون المثالي بين جميع الأطراف الذي أدى إلى تواجد اللاعب داخل بيته الجديد.
هذا هو الجانب المشرق من القصة، لكن كما الحياة، لا تظل الأمور وردية على الدوام، ففي المقابل، هنالك من يتم الاستغناء عنه ليتم إفساح المجال لوافد جديد، هذه هي سنة الحياة، لكن المؤسف، أنه لا يتم تتبع قصص هؤلاء، خاصة وإن كانوا مثل «جيريمي ويستين».

لماذا نحن هنا؟

ربما لم تسمع من قبل عن جيريمي، حقيقة لم نسمع عنه نحن أيضًا حتى لحظة التحضير لكتابة قصته التالي ذكرها.

كيف أنقذت مواقع التواصل الاجتماعي بعض لاعبي كرة القدم؟
جيريمي وينستن، ناشئ مانشيستر سيتي الذي تم تسريحه.

جيريمي ويستين كان لاعبًا لفريق مانشيستر سيتي تحت 17 عاما، تم تسريحه قبل أكثر من عامين لسوء مستواه، حاله كحال الكثير من لاعبي الفئات السنية بإنجلترا الذين يفشلون في حجز بطاقة لتمثيل الفريق الأول، بعدما ساروا طريقًا طويلًا داخل الأكاديميات الخاصة بالأندية، وخاصة الكبيرة منها، لينتهي بهم المطاف كلاعبين لأندية منتصف وأسفل الترتيب بالبريمييرليغ، ولم لا اللعب في الدرجات الأدنى.
الخبر المحزن كان انتحار جيريمي، بعدما فشل في إدارة اكتئابه عقب تعرضه لصدمة تسريحه، ربما تعتقد بأن تلك الحالة عارضة، فردية، تنم عن خلل في قدرة ذلك الشاب في التعامل مع متغيرات الحياة، لكن حتى إن بدا ذلك الطرح منطقيًا، لا يمكننا أن نغفل نصف الكوب الآخر.
فجيريمي وأمثاله هم ضحايا لحلم يتم التسويق له بقطاعات الناشئين بسائر بلاد العالم، الحلم بأن يصبح الشاب الصغير نجم الغد، بالتالي صاحب الملايين، السيارات، الحسناوات، وهذا ما قد لا يحدث، بل الحقيقة أن احتمالية حدوثه تقترب من الاستحالة.
طبقًا لمايكل كالفين، مؤلف كتاب «No Hunger In Par­adise»، نجح 180 لاعبا من أصل 1.5 مليون ناشئ مسجلين في منافسات الفئات السنية بإنجلترا في النجاح للوصول للبريمييرليغ، ما يعني أن نسبة تحقيق الحلم السابق ذكره هي 0.012% وهي النسبة التي قد تساوي احتمالية تعرضك للوفاة عقب اصطدام نيزك بجسدك أثناء عودتك للمنزل من العمل.

مستقبل غامض

هؤلاء الذين وصلوا لقمة الهرم ليسوا محل حديث الليلة، فكل منهم قد وصل إلى ما يريد، بشكل أو آخر، فإن تم تسريح ميسي من برشلونة غدًا، لا نعتقد بأنه قد لا يجد من الأموال ما يعينه عن استكمال حياته بشكل طبيعي، بل مثالي للمزيد من الدقة. لكن ماذا عن هؤلاء الذين يسكنون أسفل الهرم الطبقي لكرة القدم، هل يجب أن تظل حياتهم مأساوية إلى الأبد، أم أن هنالك بارقة أمل؟


كان «جيمس أسبينال»، لاعب «بولتون الإنجليزي يعاني صدمة اكتئاب أخرى مشابهة، فبنفس الطريقة المأساوية، أخبره مديره الفني بعدم حاجة النادي لخدماته عبر تطبيق «زووم»، ليجد الشاب نفسه فريسة للاكتئاب، الشك وعدم القدرة على إنقاذ مستقبله، خاصةً وأن وكيل أعماله قد فشل في تسويقه بسبب حالة الإغلاق الأول بإنجلترا جراء انتشار فيروس «كورونا».
في لحظة يأس، يحكي «جيمس» أنه كان ممسكًا بهاتفه، وقتئذ، قرر ألّا يستسلم للواقع، فقام بالتغريد على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يسأل متابعيه، بأنه يبحث عن فرصة عمل كلاعب كرة قدم، وأرفق السيرة الذاتية الخاصة به داخل المنشور، مع استعطاف بائس منه بأن أن يقوم كل من تقع عينه على التغريدة بنشرها لتصل لأكبر عدد ممكن من البشر.
بالفعل، وصل عدد مشاركات التغريدة لأكثر من 15 ألفا، ونالت إعجاب أكثر من 20 ألفًا آخرين، والخبر السعيد كان اتصالات وصلت لـ«جيمس» من عدد من المدربين ومحطات الإذاعة، ولعل أبرزها هيئة الإذاعة البريطانية، التي قررت أن تنشر قصته على نطاق واسع، ما حصد ثماره أخيرًا بوعود لقضاء فترات معايشة في أكثر من ناد.

بديل حقيقي

لا نملك الكثير من التأكيدات حول حقيقة عمل أطراف اللعبة فيما يخص سوق الانتقالات، لكن ما نحن على يقين منه، هو أن عالم الانتقالات ليس مثاليًا، تقوده في الأغلب العلاقات والمصالح المشتركة، فحتى وإن كان دور وكيل الأعمال بالنسبة للاعب يشبه دور المنقذ، لأنه المسؤول الأول عن مسيرته المهنية وكيفية إدارتها، إلا أن في بعض الأحيان، يجد اللاعب نفسه وحيدًا تمامًا مثلما حدث مع «أسبينال»، لأن مبدأ المصلحة المشتركة لم يعد حاضرًا، فاللاعب قد تم تسريحه وهو بعمر الـ20 من فريق ليس بالكبير، لذا وفي الأغلب، لن يحصل الوكيل على عمولة كبيرة إذا ما سعى لتوفير فريق جديد له، فالحل من وجهة نظر الوكيل هو ترك اللاعب ليواجه مصيره.
مؤخرًا؛ أضحى من الممكن تخطي دور وكيل اللاعبين، وعمولته، فبغض النظر عن احتمالية رفض أي من اللاعبين التغريد بحثًا عن وظيفة شاغرة، من باب الكبرياء، توصل البعض لطريقة قد تحمي من يعانون البطالة الكروية بتوفير البديل دون المساس بالأنا التي قد يمتلكها بعضهم.
تعتبر وكالة «Play­ing Away From Home»، أحد الوكالات التي تعمل على توفير بدائل للاعبين الإنجليز الذين لا يملكون عقودًا بتسويقهم داخل وخارج إنجلترا.

«اللاعب عادة يدفع ما بين 20 لـ40 جنيهًا إسترلينيًا كمقابل لتسويقه»
‑جوش مكلوجلين، نائب رئيس الوكالة.

يرى «جوش» بأن العديد من اللاعبين يتم خذلانهم من وكلائهم، من هنا أتت أهمية إنشاء مؤسسات بعينها تسعى لتسويق اللاعبين، لأنه من غير المنطقي أن تنتهي حياة إنسان مهنيًا بشكل كهذا، لأنه دائمًا هنالك مكان شاغر في نقطة ما بهذا العالم.
عن ذلك يقص علينا «أبيدان إدواردز»، حارس بريمينجهام السابق، حكايته المشابهة، والذي قد سبق له وأن استفاد من خدمات الوكالة السالف ذكرها. فقد وجد إدواردز نفسه كذلك بلا ناد، عقب ما وصفه بسيل من الوعود الكاذبة التي كررها وكيله على آذانه، آنذاك أدرك صاحب الـ21 عاما، بأنه لا بد وأن يتخذ خطوة للأمام، بأن ينشئ قناته الخاصة على منصة المقاطع المصورة «يوتيوب»، مضيفًا مقاطع خاصة به وهو يتدرب، لعلها تجذب انتباه أي مسؤول.
وفقًا لروايته، لم يكن عدد المشاهدات على مقاطعه كبيرًا، اقترب من الـ500 مشاهدة، وهو رقم ليس بالعظيم، لكنه ‑حسب رأيه- وصل لمن أراد هو أن يصل إليه. ففي غضون أسبوعين، كان قد تلقى مكالمة من مدرب حراس فريق «بيري» الذي أخبره بأن المدير الفني للنادي شاهده ويرغب في ضمه.

لا مانع من بعض التنازلات

استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على عقود عمل بالفعل له مساوئ عدة، حتى وإذا تجاهلنا البعد النفسي، لأنه من الممكن جدًا أن يتعرض المستخدم للنصب والاحتيال من قبل بعض المحترفين بهذه المسألة، لكن الأهم، وبما أن ذلك هو الحل الأخير الذي قد يلجأ إليه اللاعب، هو وضع نفسه في الواجهة بطريقة ما، وأن يحاول تخطي أكبر عدد من الحواجز التي وضعت أمامه لإنقاذ مسيرته من الانهيار.
كنصيحة أخيرة، إن كنت أحد من جار عليهم الزمن ووجدت نفسك بلا وظيفة، أرجو أن تتمسك بآخر قشة، تغريدة قد تعيدك لحياتك العادية، نعم لن تصبح ميسي، لكن كذلك لن تتحول لجيريمي وينستن، غالبًا ستظل بالمنتصف تمامًا كأسبينال الذي لربما قد تحمل الأيام خبرًا سعيدًا بعودته لحراسة المرمى مجددًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى