نصائح

الكمالية والواقعية.. لأننا نخطئ لكي نتعلم

لا يوجد بيننا من هو كامل، لكن أغلبنا يسعى إلى ذلك، و«ذلك» هنا تعود على الجُهد المبذول من الفرد بغية تحسين نفسه، من خلال المحاولة بجدية أكبر، والبحث عن فرص لتعلُّم أشياء جديدة، والإصرار على إنجاز المهام التي توكل إلينا يوميًا.

لكن البعض منّا يصطدم بمعايير الكمال الخاصة به، وهنا تبدأ المشكلة الحقيقية، حين لا يقبل الفرد التسامح مع فكرة ارتكاب الأخطاء، أو عدم الوصول إلى أعلى مستوى ممكن، لهذا يتحول شعور الفرد حيال نفسه أوتوماتيكيًا إلى الشعور بالفشل، حتى وإن لم يكُن كذلك.

لهذا يجب تأطير نقد الذات، لكيلا يتحول فيما بعد إلى شكل من أشكال الاكتئاب والعُزلة، لذلك يجب تفكيك هذه السلسلة المتشابكة، أو بمعنى أصح، يجب تفكيك المفهوم الخاطئ عن الكمالية عبر طرح العديد من الأسئلة المنطقية.

إلى الأمام أم ماذا؟

يعتقد الساعون إلى الكمال عادةً أن التطلعات والتوقعات المرتفعة لديهم تحفزهم على التقدُّم، لأنهم واقعيون ببساطة، لكن في أحيانٍ أخرى يتحول ذلك إلى ضغط مضاعف على الفرد، ما يجعله قلقا حيال خوض تجارب جديدة، خوفا من سقف توقعاته المرتفع، أو بمعنى أوضح، خوفا من الفشل حسب معاييره الخاصة.

يحدُث ذلك لأن هذه الفئة من البشر قد تجاهلت عمدًا أنه لا يمكن للإنسان أن يركض دون أن يضرب الأرض بقدميه أولا، وذلك يعني أن النجاح ما هو إلا حاصل ضرب لسلسلة من حالات الفشل التي يتعلّم منها الإنسان طوال حياته. لذلك يبدو إجحافا أن يظل الإنسان عالقًا داخل ذكريات الفشل الخاصة به، بل إن الأفضل أن يمنح نفسه رصيدًا من التقدير على كل خطوة إيجابية يخطوها.

هل أنت فخور بنفسك فعلا؟

اتفقنا مسبقا على أن بعض البشر يمتلكون تطلعات عالية، غير منطقية، والمثير هو أن بعض هؤلاء البشر لديهم شعور سري بالفخر حيال امتلاكهم هذه التطلعات، التي غالبًا لن يستطيعوا تحقيقها.

المشكلة هنا، هي أن هذه الفئة تحديدًا تريد أن تصبح مختلفة عن سائر البشر، حتى وإن كانوا في حل عن ذلك من الأساس، وبما أن الفشل في الوصول للتطلعات العالية شيء مؤرق، يظهر السؤال الأهم، وهو لماذا تفتخر بشيء يؤرقك بالتبعية، ويجعلك تعيسا؟

بين الكمالية والسقف العالي للتوقعات شعرة

لا ضير في أن يمتلك كل إنسان عددًا من الأحلام والأمنيات صعبة المنال، التي يسعى بين الحين والآخر لأن يصل إليها، فالأهداف البعيدة ‑الواقعية- صحيّة، تجعلك تشعر بالرضا عن محاولاتك حتى وإن لم تنجح، لأنك تتعلم، كذلك تجعلك تتقبل إمكانية ارتكاب الأخطاء، لذلك في سعيك إلى الكمال ‑حرفيا- أنت تمتلك احتمالا ولو بسيطا لتحسين نفسك دون إثقال كاهلك بالمستحيل.

لا يوجد بيننا من لا يخطئ

يخبرنا «روبيرت ليهي»، الطبيب النفسي، أنه عند محاولته لعلاج مرضى الكمالية، يبدأ في سؤالهم عن نظرتهم للأشخاص الناجحين المثاليين، والمثير هو أن الأشخاص الناجحين في الغالب يرتكبون أخطاء باختلاف درجاتها، كذلك تعرضوا ولو لمرة واحدة على الأقل للفشل، لأنهم منخرطون بشكل كامل في العالم الحقيقي وليسوا سكانا لعالم موازٍ، بالتالي فإذا كان الجميع يرتكب الأخطاء، يجب أن يُسأل من يعاني الكمالية المرضية سؤالا، وهو لماذا يريد أن يكون مثاليًا بشكل فريد.

يرى ليهي أن المشكلة الحقيقية هي في كيفية التعامل مع الندم، لأنهم يمررون فكرة «كم كنّا أغبياء!» لعقولهم مرارًا، ما يبني حاجزًا بين إمكانياتهم الحقيقية والواقع الذي يخشونه، لذلك يبدو من المنطقي أن يتعلم الإنسان من أخطاء الماضي لا الخوف منها، لأن الأخطاء هي ما يدفع الإنسان للتعلّم.

والحقيقة الثابتة الوحيدة هي أن إحراز التقدّم هو الممكن، وأولى خطوات تجنّب الاكتئاب الناتج عن عدم الوصول للكمالية هو الاعتراف بأننا جميعا غير كاملين، لكن يمكننا فقط أن نتحسن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى