رياضة

أديداس وبوما.. وكيف بدأ صراع “الإخوة الأعداء”؟

قد تعتقد أن الصراع ما بين شركتي أديداس وبوما يتعلّق بجودة المنتج الذي تقدمه أي من الشركتين، بدايةً من الأحذية الرياضية وصولًا إلى بقية المنتجات التي استحوذت على اهتمام المستهلكين لقرابة الـ100 عام، لكن الحقيقة؛ الصراع بين هاتين الشركتين تحديدًا ممتد لأسباب لا تتعلق بالأحذية أو الأزياء، لأنه صراع «الإخوة الأعداء».

من هُم الإخوة الأعداء

دعنا نخبرك أنّ الأخوين أدولف ورادولف دسلر، مؤسسا شركتي أديداس وبوما، في حقيقة الأمر شقيقان، قادتهما الظروف إلى منافسة حامية، قادتهما لإحداث ثورة حقيقية في صناعة الأزياء والرياضة، لكن السؤال الأهم: كيف حدث ذلك؟

ما قبل أديداس وبوما؟

ولد أدولف ورادولف داسلر في ألمانيا عامي 1989 و1900 على الترتيب، وبما أننّا نتحدث عن النشأة في ألمانيا بهذه الحقبة التاريخية، يبدو منطقيًا تبنيهما للفكر النازي.

بالعام 1918، وبمجرد عودة أدولف من مشاركته كجندي ألماني بالحرب العالمية الأولى، كانت تجارة الأحذية الخاصة بوالده قد انهارت بسبب الحرب، لذلك قرر أن يتجه للعمل كإسكافي (مهنة تصليح الأحذية)، والتي كانت مهنةً تحظى باحترام كبير بمسقط رأسه «هيرتسوجيناوراخ» الواقعة بمقاطعة باڤاريا الألمانية.

حاول «أدي» وقتئذ أن يساعد نفسه بأقل الإمكانيات، فاستخدم أي مادة متاحة لصنع الأحذية، كذلك كان محبًا للرياضة، ما جعله يسعى جاهدًا لصنع أحذية خاصة بالرياضيين.

في تلك الأثناء، انضم رادولف (شقيقه الأكبر) للعمل، وقاموا معًا بتأسيس شركة «الأخوان داسلر»، وكان نظام العمل يسير وفق خطة محكمة، حيث اهتم رادولف (الأكثر انفتاحًا) بالتسويق والمبيعات، بينما عكف أدولف (الخجول) على بناء الأحذية من العدم.

شهرة واسعة

كان العام 1936 عام الأخوين داسلر دون شك، فخلال دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت ببرلين في هذه السنة، ارتدى العدّاء الأمريكي من أصل إفريقي «جيسي أوين» حذاءً رياضيًا من صنع الشركة الخاصة بهما، لكن الحدث الأبرز كان نجاح أوين في الفوز بـ4 ميداليات دفعة واحدة، ما منح حذاء داسلر شهرة واسعة، حيث تخيل الناس أن للحذاء نفسه دورًا في ذلك النجاح الذي حققه العداء الأمريكي.

منذ ذلك التاريخ، انتقلت شركة داسلر إلى مصاف الشركات الكبرى، بعد أن أصبحت وجهة الرياضيين المثلى لاقتناء أزواج من الأحذية مشابهة لتلك التي اقتناها جيسي أوين قبل أن يحصد ميدالياته الأربع.

بداية الدراما

أديداس وبوما
الأخوان داسلر.

وبحلول أواخر الثلاثينات من القرن العشرين، كانت العلاقة بين الأخوين داسلر في حالة اضطراب، فالإخوة كرهوا بعضهم وقد عزا الكثيرون سبب الصراع إلى أمور مختلفة.

إحدى الروايات تقول إن أدولف اقتحم غرفته ذات مرة، غاضبا من غارة قصف، وقال: “ها هم الأوغاد الدمويون مرة أخرى”. حيث كان يشير إلى الحلفاء، لكن رودولف افترض أنها كانت موجهة إليه وإلى عائلته، وتحديدًا زوجته «كات».

مثل رودولف، كانت كات أكثر جرأة وثقة بنفسها، وسرعان ما انخرطت بإجراءات العمل، وهذا ما لم يلق استحسانًا من رودولف، حيث غضب من تدخل زوجة أخيه بأمور العمل، ويبدو ذلك منطقيًا، لأننا نتحدث عن امرأة في ثلاثينيات القرن العشرين، في ألمانيا النازية المحافظة، أي قبل ما يعرف بحركات الدفاع عن حقوق المرأة.

انقسام وشيك

تم استدعاء رودولف للانضمام إلى الجيش في عام 1943، لكنه لم يتمكن من إعفاء نفسه، كما تم استدعاء أدولف أيضًا لكنه أعفي بعد 3 أشهر فقط لأنه اعتبر أكثر أهمية للشركة من رودولف، ما أثار غضب الأخير، لعدد من الأسباب.

كان رودولف مقتنعا بأن أدولف وزوجته كات خططا له ليكون في جبهة القتال حتى يتمكن أدولف من الحصول على العمل لنفسه.

لذلك هرب من جبهة القتال، وحصل على وثيقة تفيد عدم أهليته عبر صديق، لكن لسوء حظه، ألقي القبض عليه بسبب تخليه عن منصبه كمجند، وتم حبسه لمدة عام بينما استمر شقيقه في إدارة المصنع، قبل أن يطلق سراحه بعد انقضاء المدة.

في هذه اللحظة، قرر رودولف أنه لن يستمر في العمل مع أخيه، ورأى أن الحل المثالي هو الانفصال، وبدء العمل بمفرده.

أديداس وبوما لأول مرّة

أديداس وبوما
مدينة الأعناق المنحنية.

قرر الأخوان تقسيم الشركة، وتسبب هذا في حدوث شقاق بين الموظفين، حيث اختار نصف الموظفين، معظمهم من مندوبي المبيعات، الذهاب مع رودولف، بينما بقي الفنيون مع آدي.

جمع «أدولف» اسمه الأوسط «Adi» والجزء الأول من اسمه الأخير «Dassler» ليشكل «Adidas»، في حين قرر رودولف استخدام نفس الطريقة وسمى شركته رودا، قبل أن يغيره لاحقا إلى (بوما) بعد توصيات من مقربين له، ومن هنا بدأت قصة المنافسة الحقيقية بين الشركتين العملاقتين أديداس وبوما.

 «هيرتسوجيناوراخ».. مدينة الأعناق المنحنية

ماتت الشراكة، لكن نزاع الأخوين ظل حيا أكثر من أي وقت مضى، فقد كانت الأجواء مشحونة لدرجة أن مدينة هيرتسوجيناوراخ بأكملها انقسمت لفصيلين.

كانت أديداس من جهة وبوما على الجانب الآخر. فمثلًا؛ إذا أردت تكوين صداقات مع شخص ما، فعليك ارتداء الحذاء المناسب، حيث وظف شعب أديداس من ينتمون لهم، وحصل شعب بوما على الطعام ممن ينتمون لهم، وتقول إحدى الروايات الشهيرة:

«اختيار الأصدقاء والأحباء لا يتم بناءً على مظهره أو شخصيته أو حتى مواقفه، بل بناءً على حذائه».

بالفعل، كانت طريقة سخيفة للحكم على شخص ما، كان الناس ينظرون إلى الأسفل، ويفتشون أحذية بعضهم البعض لدرجة أن هيرتسوغيناوراخ اكتسبت لاحقًا لقب “بلدة الأعناق المنحنية”.

منافسة حقيقية

أديداس وبوما
انتصار ألمانيا المفاجئ على المجر في نهائي كأس العالم 1954.

وبينما كان الناس مشغولين بثني أعناقهم، كانت أديداس وبوما، تحتلان سوق الأحذية الرياضية، محاولين إقناع المستهلكين بأفضلية الأحذية التي يقدمانها.

تولت بوما زمام المبادرة، لأن رودولف كان بائعا أفضل، وفضل لاعبو كرة القدم حذاءه لأنه أخف وزنا، على عكس أديداس، بتلك الأثناء، استمتع رودولف بالنصر، لكن نجاحه استمر لوقت قصير، حيث دخل رودي في معركة مع مدرب الفريق الوطني الألماني، مما تسبب في عبور المدرب للنهر وإقامة صداقة قوية مع أدي.

الصداقة التي غيرت التاريخ

يعتقد أن صداقة أدي داسلر ومدرب المنتخب الوطني الألماني لكرة القدم غيرت مسار المنافسة بين أديداس وبوما لصالح الأولى، لكن هنالك قصة خلف هذا النجاح.

في نهائيات كأس العالم 1954، ارتدى المنتخب الألماني أحذية من رياضية أديداس، كانت هناك أمطار غزيرة أثناء المباراة، وكانت ألمانيا هي الخصم المستضعف الذي عليه أن يواجه منتخب المجر الشرس.

هنا تجلّت عبقرية آدي، لأنه منح لاعبي المنتخب الألماني أحذية كرة قدم خاصة، تحتوي على مسامير قابلة للاستبدال، حيث يمكن للفريق الألماني تثبيت مسامير أطول لتثبيتها على الأرض الرطبة، تجنبًا للانزلاق بسبب الأمطار.

بالدقيقة الـ84، تمكّن هيلموت ران من إحراز هدف الفوز لصالح ألمانيا، بعدما كانت الكفة متعادلة بهدفين لكل منتخب، لتنتهي المباراة، وتتوج ألمانيا بطلًا للعالم، وبالتبعية، حصلت أديداس على رصيد ضخم جرّاء تقديمها الأحذية للمنتخب الوطني، والتي ساهمت في منح البلاد لقب كأس العالم، لتنتهي أولى معارك أديداس وبوما الحقيقية بانتصار ضخم لصالح شركة أدولف داسلر.

 كر وفر

مع مرور السنوات، ظلت فكرة المنافسة قائمةً ما بين أديداس وبوما، مع هامش بسيط من التفوق لصالح أديداس، لكن المعركة لم بينهما لم تكن نزيهة على الدوام، بل كانت في بعض الأحيان سيئة ومضحكة على حد سواء.

إحدى تلك المعارك الكوميدية، كانت بإحدى دورات الألعاب الأولمبية، حين قرر موظفو أديداس الاتصال بأحد الفنادق، التي تقرر أن يسكنها موظفو بوما أثناء الدورة، لإلغاء حجز الإقامة الخاص بهم، ليتركوا عالقين دون مكان للإقامة به.

من هنا يمكننا أن ندرك حجم الكراهية التي نقلها كل من أدولف ورودولف لموظفيهم، والتي استمرت حتى بعد أن توفي كلاهما، ونقلت ملكية الشركتين للورثة.

بيليه وآخرون

 أديداس وبوما
تعاقد بوما مع بيليه عام 1970.

استمرت المنافسة بين أديداس وبوما بقيادة «هورست داسلر»، نجل أدولف، و«أرمين داسلر»، نجل رودولف، لكنهما كانا قد قررا بشكل ضمني أن المنافسة لن تتبع أي كود أخلاقي.

بدأ هورست داسلر، في رشوة الرياضيين لارتداء أحذية أديداس في الأحداث الرياضية، ورد أرمين داسلر، بمحاولة رشوة الرياضيين الآخرين، بالتالي، أدت هذه الممارسات غير القانونية إلى ولادة صفقات العلامات التجارية الرياضية.

في ذلك الوقت، اتفقت أديداس وبوما على أمر وحيد، عرف لاحقًا بـ«Pele Pact»، وهي عبارة عن معاهدة بين هورست وأرمين تنص على عدم التعاقد مع أعظم لاعب بالعالم بذلك التوقيت، نظرًا لأن المزايدة للحصول على توقيع بيليه سيرفع السعر أكثر من اللازم، لذلك قررا البقاء بعيدًا عنه لمصلحة الجميع.

خيانة العهد

كانت الأمور بين أديداس وبوما تسير على ما يرام حتى جاء كأس العالم 1970، لتقرر بوما بدء حملة من التعاقدات مع لاعبي المنتخب البرازيلي، وبما أنّ بيليه كان أعظم من مثّل البرازيل حتى تلك اللحظة، قرر مسؤولو بوما كسر المعاهدة، والتوقيع مع بيليه مقابل 100 ألف دولار في عقد يمتد لـ4 سنوات، بالإضافة إلى 10% من قيمة أحذية اللاعب المباعة، في صفقة اعتبرت الأكبر في تاريخ الرياضة آنذاك.

وحتى يتوّج هذا النجاح، طلب مسؤولو بوما من بيليه أن يجثو في المباراة النهائية ضد بيرو، بشكل بطيء، أثناء ربطه لحذائه، لتلتقط الكاميرات المسلطة على النجم الأبرز عالميًا هذه الصور، التي تعد بمثابة انتصار في معركة أديداس وبوما، لكن هذه المرة لصالح الأخيرة.

صعود «نايكي»

أديداس وبوما
تعاقد شركة نايكي مع مايكل جوردان نجم كرة السلة الأمريكية.

قادت الخصومة ما بين أديداس وبوما الشركتين لتجاهل صعود نجم جديد بسوق العلامات التجارية، حيث سيطرت شركة نايكي الأمريكية على سوق الأحذية الرياضية، بسبب طفرة الركض التي سادت المجتمع الأمريكي، إضافة لإبرامها تعاقدًا مع نجم كرة السلة الأمريكية «مايكل جوردان»، الذي مكنها من ضمان مكانتها كالشركة الأفضل بسوق الأحذية الرياضية متخطيةً حجم مبيعات أديداس وبوما.

حقيقةً، لم تعد كلتا الشركتين تدار بواسطة آل داسلر، حيث تم طرد البعض بسبب سوء الإدارة، واضطر البعض الآخر منهم إلى بيع أسهمهم بسبب ديون ضريبة الميراث التي تراكمت عليهم.

حققت أديداس وبوما عودة في الصناعة على الرغم من أنهما لم يتفوقا على نايكي مطلقًا، لكن الشركتين حافظتا على تواجدهما خاصة بوما التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الكلي في أواخر الثمانينيات.

في النهاية، وطبقًا لأحد الأمثال الإفريقية، أديداس وبوما كانا مثل القنادس، حيوانات بناءةً، وحين يتعارك البناة، يكون النصر حليف من يبني السد الأعلى، كذلك كان الصراع بينهما، فخلاف الأشقاء، لم يدمرهما، بل قادهما لأخذ صناعة الأحذية الرياضية إلى آفاق لم يكن ليتخيلها أحد لولا أن تحول الأخوان من أشقاء لأعداء.

المصدر
مصدر مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى