يعتقد بوب ريلاند، مدرب التنس الأمريكي الأسطوري، أن ألثيا جيبسون كانت لتهزم الأختين ويليامز إن قُدر لهن مواجهتها، حيث تعتبر هذه المرأة سمراء البشرة أيقونة التنس النسائي، بل وأحد أسباب كسر حاجز العنصرية التي سادت الولايات المتحدة الأمريكية مطلع القرن الماضي.
من هي ألثيا جيبسون؟
ولدت جيبسون عام 1927 في ولاية كارولينا الجنوبية، تحديدًا بحي هارلم، حيث يعيش المواطنون الأمريكان من أصل أفريقي، وعاشت طفولة صعبة جدًا، خاصةً وأن سنوات طفولتها تزامنت مع الكساد العظيم الذي ضرب معظم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة، ووضعت الأزمة الاقتصادية حياة العالم بأسره على المحك.
كذلك كانت علاقة ألثيا بعائلتها ليست بأفضل حال، فقد كان والدها عنيفًا للغاية معها، حيث ذكرت ذات مرة أنه كان يجلدها -بالمعنى الحرفي للكلمة- من أجل تأديبها وتربيتها، بالتالي كان ألثيا جيبسون الصغيرة تحاول الهروب من ذلك الجحيم عبر الانخراط بالرياضة، وتحديدًا تنس المضرب، وهو نوع جديد التنس من اختراع أطفال حي هارلم، يلعبه الأطفال المحليون في ملعب أنشأته الشرطة باستخدام حواجز المرور في أحد شوارع هارلم العادية.
الموهبة السمراء التي انفجرت
منذ سن صغيرة، جذبت موهبة ألثيا جيبسون أنظار أصدقائها وجيرانها بالحي، ما دفعهم لمساعدتها عبر ابتياع مضرب لتلعب به، ودفع قيمة عضويتها بنادٍ للتنس، وربما لم نكن لنتحدث عن ألثيا الآن لولا هذه المساعدات التي تبدو الآن عادية، إلا أنها كانت بمثابة القشة التي تعلقّت بها الفتاة صاحبة الموهبة الاستثنائية كي تكمل طريقها.
بالعودة لهذه الفترة من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، كان الرياضيون سُمر البشرة يعانون من بدايات ما يعرف بالفصل العُنصري، وهي سياسة توافق عليها المجتمع ضمنيًا دون أن تكون مكتوبةً بأن يتم تهميش الرياضيين السود، أو الملونين بشكل عام، كي يستمر العرق الأبيض كرائد بكل مجالات الحياة.
“الفتاة التي هزمتها بنهائي بطولة ولاية نيويورك كانت فتاة بيضاء، لا يمكنني أن أنكر بأن ذلك جعل طعم الفوز أحلى بالنسبة لي”.
تخبرنا ألثيا أنها حين فازت بأول لقب حقيقي لها (بطولة ولاية نيويورك) كانت ترى في الفوز ما يتخطى كونه فوزًا في الرياضة التي تحبها، لأنه قد جاء على حساب فتاة بيضاء، ما جعل شعور الفخر يتضاعف بصدرها، حيث تمكنت أن تثبت بشكل ما أن السود قادرون على مقارعة البيض بل والتغلب عليهم.
إقصاء غير مكتوب
بالعودة لقصة الفصل العنصري؛ كانت قضية العرق عقبة رئيسية في طريق جيبسون، على الرغم من حصولها على دعم كبار رعاة التنس، ومنحة دراسية رياضية في إحدى الجامعات، إلا أنها لم تكن قادرة على المنافسة في بطولة الولايات المتحدة الوطنية
لم يكن اللاعبون السود قد تم منعهم من الناحية الفنية من البطولة، إلا أنهم لم يتمكنوا من التأهل إلا من خلال اللعب في أندية التنس المختلفة، والتي كان معظمها من البيض فقط.
واستمر ذلك التعنت في مواجهة ألثيا وكل من يشاركوها عرقها، إلى أن تغيرت الأمور فقط بعد أن كتبت لاعبة التنس (البيضاء) الكبرى أليس ماربل خطابًا مفتوحًا لاذعًا تقول فيه: “يحدث أن أسمر بسهولة جدًا في الصيف، لكنني أشك في أن أي شخص قد شكك في حقي في اللعب في المنتخب الوطني بسبب ذلك”.
حين تغيّر كل شيء
نجم عن تدخُّل أليس ماربل تحولًا تاريخيًا في تاريخ لعبة التنس، حيث تم استدعاء ألثيا جيبسون لتمثيل المنتخب الوطني الأمريكي، ومن ثم بدأت الحياة في التبسُّم لها، ففي عام 1956، أصبحت أول أمريكية من أصل إفريقي تتوج بلقب «جراند سلام»، وفي 1957، استطاعت أن تفوز ببطولة أمريكا المفتوحة، بالإضافة إلى لقب ويمبلدون لفردي السيدات.
“الإنجاز الحقيقي كان مصافحة ملكة إنجلترا، بعد سنوات من البقاء في قسم ملوني البشرة بالحافلات”.
حقيقة؛ لم تكن لعبة التنس تدر الكثير من المال على من يمارسوها، لكن بمجرّد حصول ألثيا على لقب ويمبلدون، أصبحت رمزًا لسُمر البشرة، حيث تم تكريمها بالظهور على غلاف مجلة «تايمز»، كأحد أكبر الأسماء باللعبة.
الهروب من الحضيض
بعدما وصلت حياة جيبسون المادية لنقطة سيئة جدًا، قررت طواعيةً أن تهجر التنس، وتشعبت بمجالات أخرى مثل الغناء والاستعراض، لأنها أيقنت آنذاك، أن تغلبها على منافسيها -البيض- ومكافحتها للفصل العنصري لم تكن كافية لتبقيها على قيد الحياة، فحتى اللاعبات اللاتي هزمن بواسطة مضربها الأسمر، استمروا في جني الأموال، وتلقي الدعوات والعروض، أما هي فبقيت كأيقونة، فقط.
“كان وضعي المالي مفجعا، أن أكون ملكة التنس أمر جيد بالطبع، لكن لا يمكنك أن تأكل تاجًا”.
في سنواتها الأخيرة، كانت ألثيا جيبسون محطمة جدً، لدرجة أن صديقتها المقربة أنجيلا بوكستون، التي فازت معها بلقب ويمبلدون الزوجي في عام 1956، اضطرت لجمع التبرعات سراً لدفع نفقاتها الطبية والمعيشية.
فارقت ألثيا جيبسون الحياة بالعام 2003، بعدما أخذت على عاتقها الدفاع عن حق الجميع في ممارسة الرياضة والتفوق فيها، وليس القلة المتميزة فحسب، لذلك وحسب تعبير آلان شوارتز، مسؤول الاتحاد الأمريكي للتنس، ففي كل مرة يلتقط طفل أسود أو من أعراق أخرى مضربًا للتنس لأول مرة، عليه أن يدين بهذا الفضل لاسم واحد فقط، ألثيا.. ألثيا جيبسون.