ثقافة ومعرفة

الإفلاس.. وكيف تسترد الدول الدائنة أموالها من المفلسة؟

في عام 2008، صرّح رئيس وزراء آيسلندا بأن بلاده مهددة بخطر الإفلاس، والسؤال: ماذا يعني إفلاس الدول؟ وهل يشبه إفلاس الأشخاص والمؤسسات؟ هذا ما سنحاول استعراضه.

إفلاس الدول.. مصطلح مطاط

لقد أفلست الكثير من البلدان وهم لا يعرفون ذلك حتى، لقد أفلست معظم الدول مرتين على الأقل.

كين روجوف، الخبير الاقتصادي بجامعة هارفارد الأمريكية.

في الواقع، مصطلح إفلاس الدول ليس له تعريف واضح، لكن طبقًا للمتعارف عليه، يحدث هذا الإفلاس عندما تُعلن الدولة بشكلٍ رسمي عدم قدرتها على الدفع للدائنين. بالتالي، يعني جوهر المصطلح، أن الدولة لا تمتلك في خزائنها عملات أجنبية تكفي لسداد الديون، أو دفع ثمن الواردات.

من وجهة النظر الاقتصادية، يمكن تعريف إفلاس الدول على أنّه “أزمة في ميزان المدفوعات”، وهو الميزان الذي يقيس الفارق ما بين العملات الأجنبية الواردة والصادرة من البلد، وفور اختلال هذا الميزان بشكل واضح، يُعلن ما يمكن تعريفه بالإفلاس.

الاقتراض

إفلاس الدول
صندوق النقد الدولي.

لحل أزمة ميزان المدفوعات، أو ما اعتبرناه سلفًا معبرًا عن “إفلاس الدول”، تلجأ الدول الواقعة في مثل تلك المواقف إلى الاقتراض، لسد العجز الخاص بالعملات الأجنبية لدفع ثمن الواردات، سواءً بالاقتراض من البنك الدولي “IMF” أو من دول أخرى؛ لأن دون خطوات كتلك، ستفشل الدولة في استيراد السلع الضرورية، وهو احتمال مزعج، خاصةً للدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات.

تاريخيًا، استخدم صندوق النقد الدولي قروضه مع الدول الأعضاء كوسيلة ضغط لدفع التغييرات في السياسات المالية والاقتصادية الخاصة بالدول. ومع ذلك يظل مسموحًا لبعض الدول أن تُقرض الأخرى بغية سد هذا العجز.

اقرأ أيضًا: تحدي الـ52 أسبوعا.. وكيف تدخر أموالك بأقل جهد؟

ماذا يفعل صندوق النقد الدولي؟

لمواجهة إفلاس الدول، وطبقًا لموقعه الرسمي، فإحدى المسؤوليات الأساسية لصندوق النقد الدولي هي تقديم قروض للدول التي تعاني من مشاكل في ميزان المدفوعات.

يمنح صندوق النقد مجموعة متنوعة من “التسهيلات”، يفرض على بعضها فائدة بسعر متعلق بالسوق، كما أن لديها مرافق خاصة للحد من الفقر أو الصدمات الاقتصادية الخارجة عن سيطرة الحكومة.

باختصار، الصندوق يقرض المال للدول بموجب “ترتيب” ينص على السياسات والتدابير التي يوافق بلد ما على تنفيذها لحل المشكلة القائمة، كما لا يمكن لصندوق النقد الدولي أن يتصرف بدون دعوة من الحكومة المعنية، وبمجرد وصولهم إلى مرحلة المفاوضات، يناقش خبراء الصندوق والسلطات ماهية الخطوات والتمويل المطلوب.

الأرجنتين.. تعليق سداد الديون

إفلاس الدول

بعد أن اتفقنا ضمنيًا على أنّ مصطلح إفلاس الدول يعني بداهةً التخلُّف عن سداد الديون، وبما أنّ هذا التخلُّف لا يمكن مقارنته بتخلُّف شخصٍ أو مؤسسة عن سداد ديونها، يجب أن ننظر لحالات مشابهة، أهمها حالة إفلاس الأرجنتين بلا شك.

في عام 2001، عانت الأرجنتين من ديون ضخمة، ومعدلات بطالة مرتفعة، بالتالي ارتفعت معدلات إثارة الشغب، وكان هذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق لكل المستثمرين أو المقرضين الأجانب.

بدأت مشاكل الأرجنتين قبل فترة طويلة من التخلف عن سداد الديون، طبقًا لكتاب« وول ستريت، وصندوق النقد الدولي، وإفلاس الأرجنتين»، كانت الحكومة الأرجنتينية قررت ربط عملتها بالولايات المتحدة الأمريكية، معلنة أن 1 بيزو يساوي 1 دولار أمريكي.

ولكن مع نمو الاقتصاد الأمريكي، لم يكن هناك من طريقة يمكن للأرجنتين أن تواكبها، حيث لم يستطع صانعو السياسة تخفيض قيمة البيزو أو طباعة المزيد من الأموال أو حتى زيادة الإنفاق الحكومي خوفًا من مراكمة الديون، وتأثيرها على سحب الاستثمارات الأجنبية.

في نفس الوقت، أعلن الرئيس الأرجنتيني «أدولفو رودريغيز سا» تعليق سداد ديون البلاد، وقال إنهم سيركزون بدلاً من ذلك على التزام الدولة الداخلي تجاه شعبها، ونتيجة لهذا الإعلان، توقّفت الدول عن إقراض الأرجنتين، ما أدى إلى انهيار عملة البيزو.

اقرأ أيضًا: أرشافين.. والحقيقة وراء «جاسوس روسيا في ملاعب الإنجليز»

ماذا عن الدول الدائنة؟

في مثل تلك الظروف، ربما يكون أكثر الأسئلة منطقيةً هو كيف يمكن للدائن استرداد أمواله، خاصةً عند تعليق دولة ما سدادها للديون، والإجابة طبقًا للمختصين هي أنّه على الرغم من عدم وجود قانون دولي لإفلاس الدول، إلا أنّ الدولة التي خسرت أموالها نتيجة إفلاس دولة أخرى لن تتركها ببساطة.

ويعني ذلك سيادة قانون الأقوى، بمعنى أن الدول المتخلفة عن السداد تظل تحت رحمة الدائن، الذي يمكنه مصادرة أي أموال تخص هذه الدولة، بل إن الأمر أحيانًا يتخطى ذلك، حيث قد يحاول المقرضون أيضًا مطاردة الطائرات المملوكة لشركات الطيران الوطنية، أو محاولة احتجاز السفن الحربية التي ترسو في ميناء أجنبي، ومصادرة الممتلكات… إلخ.

بالعودة مجددًا للأرجنتين، يعتقد المختصون أن التوقف عن سداد الديون كان تصرفًا جيدًا، على الرغم من الفقر المدقع الذي ضرب غالبية الشعب، لأنه بمجرد فتح البنوك مجددًا، خفضت قيمة العملة (البيزو)، فأصبحت المنتجات الأرجنتينية رخيصة مقارنة بالسوق العالمية، ما أدى إلى ارتفاع صادرات فول الصويا والقمح، بالتالي تدفق الأموال مرة أخرى داخل الأرجنتين.

في الحقيقة، وكما ذكرنا أعلاه، إفلاس الدول أو ما يعرف اقتصاديًا بعجز ميزان المدفوعات أمر متكرر تاريخيًا، فما حدث مع الأرجنتين، تكرر مع اليونان، الإكوادور، جمهورية الدومنيكان، روسيا، وأوروجواي.

وجميع هذه الدول نجحت في تخطي الأزمة بعد تعليق سداد الديون الأجنبية لفترة، ثم إعادة ترتيب أنظمة السداد بما يتواءم مع اقتصادها الجديد.

نهايةً، وبالعودة مرة أخيرة لبول بلوشتاين، مؤلف كتاب «وول ستريت، وصندوق النقد الدولي وإفلاس الأرجنتين»، إفلاس الدول وتعليقها لسداد الديون ليس مشكلة في حد ذاته، ويرى أنّه من الأفضل أن يدرك المجتمع الدولي حقيقة أنّ تنظيم سداد الديون هو الحل الوحيد المنطقي لمصلحة الشعوب، ولو على المدى الطويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى