ما الحيلة؟ أمامنا رجل يدّعي الزعامة وبيده مسدس.
نجيب محفوظ، حديث الصباح والمساء.
دعنا نبدأ من آخر سطر في كتاب إيلون ماسك، رائد الأعمال الجنوب الإفريقي الأصل، والرئيس التنفيذي لمؤسسات تسلا وسبيس إكس وأخيرًا تويتر. نحن أمام رجل مضطرب، أو هكذا توحي تصرفاته، يُعرِّف نفسه بالشيء وعكسه، يطالب العالم أن يتبعه، أو بالأحرى يُجبر العالم على اتباعه. فما هي القصة؟
الاستحواذ على تويتر
في أكتوبر 2022، أعلن إيلون ماسك، ثاني أغنى رجل بالعالم، عن استحواذها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، مقابل ما يدنو من 44 مليار دولار أمريكي. هذه العملية طرحت عدّة أسئلة منها؛ لماذا قرر ماسك المخاطرة بدفع هذا الرقم الضخم؟ وهل يتمكّن لاحقًا من استعادة أمواله؟
سريعًا، حصلنا على بعض الإجابات، بمجرد استحواذه على تويتر، قام ماسك ببعض الإجراءات الاقتصادية التي توحي برغبته في تقليل نفقات المؤسسة التي لم تحقق أي أرباح تذكر بالعقد الأخير.
تتلخص هذه الإجراءات في تسريح مئات الموظفين، تقليل اعتماد تويتر على الإعلانات لنسبة تصل إلى 45%، بعدما كانت 90% من ارباح الموقع تأتي عبر الإعلانات، وأخيرًا، وفقًا لوثيقة كشفتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وضع خطة لجلب الأرباح عبر خدمات الاشتراكات المدفوعة، وأعمال المدفوعات بقيمة مليار ونصف دولار بحلول عام 2028.
أول القصيدة
بداية من 2023، منح تويتر مستخدمي تويتر، الذين يتمتعون بعلامة التوثيق الزرقاء مهلة قبل أن تتحول هذه الخدمة التي كانت مجانيةً لخدمة مدفوعة، مقابل 8 دولارات أمريكية في الشهر.
على مدار سنوات، كانت العلامة الزرقاء دليلا على موثوقية الحسابات، سواءً كانت تلك الحسابات خاصًا بالمشاهير والسياسيين والأكاديميين والمؤسسات الحكومية والصحفيين. وكان الهدف الرئيسي من هذه العلامة هو التأكُّد من أهلية صاحب الحساب في تقديم أرائه أو نقله للأخبار إلخ..
يبرر ماسك قراره بجعل هذه الخدمة مدفوعة بإنه يرغب في أن ينتهي زمن السادة والعبيد داخل منصة التواصل التي يمتلكها، بمعنى أن دفع مقابل هذه الخدمة سيعني ضمان انتشار تغريداته بشكل أوسع، إمكانية تعديلها، مع العديد من المزايا الأخرى، التي يدعي ماسك أنّها ستساعد صناع المحتوى على كسب الرزق.
نحن بحاجة إلى دفع الفواتير بطريقة أو بأخرى! لا يمكن لتويتر الاعتماد كليا على المعلنين. ماذا عن 8 دولارات؟
إيلون ماسك، مستهزئًا بالاعتراضات على خدمة “Twitter Blue”.
لكن ما تجاهله الملياردير الأمريكي هو أنّه ضرب عرض الحائط بالسبب الرئيسي من إطلاق فكرة التوثيق من البداية، وهو ضمان عدم انتشار الأخبار الكاذبة، والحسابات المزيفة. الأمر الذي سيقود تويتر لا محالة للفوضى.
يميني أم يساري؟
أُفضِّل أن أبقى بعيدًا عن السياسة.
إيلون ماسك عام 2021.
منطقي أن يتجنَّب رجل يمتلك ثروة هائلة ويملك مجموعة من أكبر المؤسسات الرائدة في العالم الانخراط في النزاعات السياسية. وفي الواقع، لطالما كان الرجل غامضًا بشأن ميوله السياسية حيث صرّح من قبل أنّه يميني اقتصاديًا، ويساري اجتماعيًا. وفي مناسبة أخرى بأنّه مستقل.
بالتالي، يبدو من الصعب جدًا تخيُّل أن استحواذ ماسك على تويتر هو خطوة ضمن أجندة سياسية خاصة لدعم اليمين المتطرف.
المثير في قصة ماسك والسياسة هي تأرجحه الدائم، على سبيل المثال، يقود مؤسس شركة تسلا مؤخرًا حملة لدعم اليمين، بعد سنوات طويلة من دعمه لليسار الديمقراطي.
ومع ذلك، وطبقًا لتقرير نشرته اندبندنت البريطانية، تبرع إيلون ماسك لكلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي منذ عام 2002 بمبالغ مالية متساوية تقريبًا.
هذا ما يجعل التعرّف على توجهه الحقيقي مربكًا، وما يزيده إرباكًا هو وصفه لنفسه بشخص طوباوي فوضوي، يحلُم بأن يعيش في مجتمع لا وجود فيه للمال، الفقر، الجيوش ويمتلك كميات لا نهائية من السلع الأساسية بالمجان. بالتالي، يبدو أننا نبحث عن إبرة في كوم قش، الرجل لا يبدو أنّه يفكّر مليًا فيما يقول، فكيف للعالم أن يفهمه؟
طفل مضطرب يحكم العالم
أعلم أنني أحيانا أقول أو أنشر أشياء غريبة، لكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقلي.
إيلون ماسك.
ربما تكمن المشكلة أثناء البحث عن السبب الحقيقي خلف قرارات وتصرفات إيلون ماسك هي التعامل معه كرجل رشيد، يريد شيئًا ما، بغض النظر عن فائدته أو ضرره على العالم، لا كطفل ثري للغاية يمتلك ما لا يمتلكه باقي الأطفال.
في فيلم وثائقي، اعترفت والدة الملياردير الأمريكي أن ابنها كان طفل عبقري، لكنّه خجول للغاية. وفي مقابلة أخرى، اعترف ماسك نفسه أنّه يعاني من متلازمة اسبرجر، التي جعلته غير قادر على التعامل مع زملائه، بل أن الأمر وصل إلى حد تعرضه للتنمُّر وأحيانًا الاعتداء الجسدي حسب وصفه.
من هنا يمكننا أن نصل إلى طرف الخيط، ربما لا يأبه ماسك بعواقب ما يقوله، ولا يهتم سوى بإثبات أنّه عبقري يمتلك أموالا طائلة، أيًا ما كانت الطريقة التي سيجنيها بها.
هذا التصوُّر السينمائي، حيث يسعى رجل مضطرب للسيطرة على العالم انتقامًا ممن اضطهادوه يبدو الأقرب للواقع. لكن الأزمة، حسب جيل ليبور، المؤرخة الأمريكية، هي أن امتلاك أمثال إيلون ماسك القدرة على التحكُّم بمصير الملايين يمثّل خطرًا لا يمكن ردعه.