عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اغتنمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغِناك قبل فقرِك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”؛ فيرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث إلى اغتنام الفرص قبل فوات أوانها؛ حتى يمتلئ وقتنا بالطاعات، التي هي منجاة المرء في الدنيا والآخرة.. وإليك شرح حديث اغتنم خمسا قبل خمس.
اغتنم شبابك قبل هرمك
يحثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث على الاغتنام، والاغتنام هو أخذ الغنيمة والعطية من الله تعالى، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيه أمته إلى أهمية تلك الأمور، وتعليم المؤمنين مواطن الاستفادة في حياتهم.
وأول أمر حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على اغتنامه قبل فقدانه هو الشباب؛ فيجب على المؤمن أن يستغل فترة شبابه التي يتمتع فيها بكامل قوته وعافيته في عبادة الله تعالى وحده والتقرب إليه بالطاعات، واجتناب المعاصي والمحرمات.
ويكون اغتنام الشباب أيضا بالحرص في تلك الفترة من العمر على أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والحث على اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها هي كنز الدنيا ومنجاة الآخرة.
وفي هذا الحديث بيان أن الشخص عندما يهرم ويكبر في السن يكون غير قادر على أداء الطاعات والعبادات على أكمل وجه كما كان يؤديها وهو في فترة الشباب، ومن نشأ وشاب في عبادة الله تعالى أعانه الله تعالى على عبادته، وكان ممن يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
اغتنم صحتك قبل سقمك
الصحة هي إحدى أهم نعم الله تعالى التي أنعم بها على عباده، ومن وسائل شكر الله تعالى على تلك النعمة، أن يستغلها الشخص في أداء العبادات التي تقرب العبد من ربه، وعدم الاكتفاء بأداء الفرائض فقط، بل والحرص أيضا على النوافل.
ويكون اغتنام الصحة أيضا بالجهاد في سبيل الله تعالى، والعمل على رفع راية المسلمين عالية من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، ويا حبذا لو اغتنم المؤمن صحته بمساعدة العاجزين والمرضى بنية التقرب إلى الله تعالى.
ومن أوجه اغتنام الصحة أيضا أن يعمل المرء عملا شريفا حلالا يبذل فيه قصارى جهده، حتى لا يحتاج إلى أموال الآخرين، بل ينفق هو على من يحتاج إلى المال من الفقراء والمساكين.
ولا يجب أن يغتر المرء بعافيته وصحته؛ فإنها لا تبقى ولا تدوم، وهي من فضل الله سبحانه وتعالى عليه، وإذا ذهبت صحة المرء ذهب معها الكثير من الأعمال الصالحة التي لن يستطيع المرء إتمامها إلا إذا كان صحيح البدن.
اغتنم غناك قبل فقرك
يرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الجزء من الحديث إلى اغتنام الغنى عن طريق إنفاق المال في الأوجه التي أحلها الله تعالى فقط، وعدم تضييعه على المحرمات والمعاصي، ومن العبادة أن ينفق المرء على نفسه وأهله.
ومن سبل اغتنام الغنى أيضا أن يتصدق المرء بماله على الفقراء والمساكين، ولا يكون بخيلا شحيح النفس؛ لأن المال لا يدوم لصاحبه، ولا يدوم صاحب المال لماله، فيجب على المسلم أن يستمتع بالمال الحلال قبل مفارقته.
اغتنم فراغك قبل شغلك
كثيرا ما يغفل المسلمون عن اغتنام وقت الفراغ في عبادة الله تعالى، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على تذكير أمته باستغلال جميع أوقات الفراغ مهما كانت ضيقه في عبادة الله والتقرب إليه.
واغتنام الفراغ يكون بشغل الوقت بالصلاة والذكر والتسبيح والتهليل والاستغفار، وعدم تضييع وقت الفراغ في الأماكن التي تشغل المرء عن ذكر الله تعالى، كالحفلات والملاهي الليلية، أو الجلسات التي يكون فيها من المعاصي والغيبة والنميمة ما يغضب الله تعالى.
اغتنم حياتك قبل موتك
يجب على المسلم أن يتذكر دائما أن حياته في الدنيا ليست دائمة، بل يعقبها الموت الذي سيحاسب بعده على جميع ما فعله في حياته من الطاعات والمعاصي؛ ولذلك يجب أن يحرص المرء على استغلال حياته في أعمال الخير التي تقربه إلى الله تعالى، والابتعاد عن المعاصي والمحرمات التي تلقي به في نار جهنم.
ويمكن أن يعمل المرء في حياته من الصالحات ما يمتد أثره وثوابه حتى بعد موت صاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ماتَ الرجلُ انقطعَ عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفعُ بِه، أو ولد صالح يدعو لَهُ”.
وعلى المسلم أن يكون حريصا دائما على طلب العون من الله تعالى حتى يستطيع اغتنام حياته قبل موته؛ فيستعين بالله تعالى ويدعوه ويناجيه حتى يصلح له دينه ودنياه، كما كان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه قائلا: “اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرّ”.