يتكون الدماغ البشري من أكثر من 100 مليار خلية عصبية، لذلك فهو أكثر أعضاء جسم الإنسان تعقيدًا، فلكل خلية دور محدد في ما يظهر على الإنسان من تحكم بجسده أو حتى طريقة كلامه، لكن دور الدماغ البشري لا يتوقف عند ذلك الحد، فهو أيضًا مسؤول بشكل كبير عن ما نرتكبه من أفعال، أو ما نفكر به خلال يومنا العادي.
وهذا التحكم شبه الكامل على حياتنا يحدث أوتوماتيكيا، دون حتى أن نشعر بأن هنالك من يدفعنا نحو أي شيء، ومن هنا تأتي الحاجة لمعرفة بعض الحيل النفسية، التي لربما تسعف الإنسان في تحديد مساره، ومسار المحيطين به، حتى ولو بشكل جزئي، والخطوة الأهم بهذا الطريق، هي أن ندرك بعض تلك الحيل، لنستخدمها وقت الحاجة، لكن الأهم أن يتم استخدامها بحكمة بالغة.
تأثير بجماليون.. ونظرية سقف التوقعات
تأثير بجماليون هو شكل من أشكال النبوءة، وهو باقتضاب، أن يتم إقناع الأشخاص بقدراتهم الإيجابية، بالتالي ينعكس ذلك على رغبة الأفراد في تقديم مردود جيد كي يتناسب مع سقف هذا السقف المرتفع من التوقعات، الأمر الذي يؤول بالفرد في نهاية المطاف إلى التفوق بشكل أو آخر.
وسمي هذا التأثير بـ”تأثير بجماليون” نسبة إلى مسرحية الكاتب الشهير “جورج برنارد شو” الذي استوحى قصته من الأسطورة الإغريقية “بجماليون”، ذلك النحات الذي وقع في غرام تمثال من نحته.
تم دراسة ذلك التأثير بشكل أكثر تفصيلا على يد عالم النفس “روبرت روزنتال” حيث أفادت دراسة خاصة به، بأنه إذا ما تم إقناع بعض من المعلمين أن مجموعة معينة من الطلبة يمتلكون قدرات استثنائية، سيؤدي ذلك دون شك إلى نتائج أفضل، والجدير بالذكر، أن روبرت كان قد اختار لدراسته عينة عشوائية من الطلبة بمدرسة إعدادية في كاليفورنيا ليتفادى أي تحيز، ليصل بنهاية المطاف إلى النتيجة الخاصة به، وهي أن الواقع من الممكن أن يتغير بناءً على توقعات الآخرين.
يرجع ذلك التأثير لسبب بسيط، وهو أن بعدما تم إقناع المعلمين بالفكرة الأولى -استثنائية بعض الطلاب- قام المعلمون تلقائيا بالاهتمام بهم أكثر من غيرهم، كما أنهم تصرفوا دون قصد مع هؤلاء الطلاب بشكل يختلف عن الآخرين، مما شجعهم على النجاح.
لهذا يمكن تطبيق هذه الفكرة على معظم مجالات الحياة، فالفكرة تتمحور حول إقناع الفرد بأنه يمتلك صفات فريدة، لكن حذار، فالعكس أيضًا صحيح، فتصدير السمعة السيئة تجاه شخص قد يغير بدوره نظرة الآخرين له، ما يجعلهم يدفعونه أيضًا، لكن للفشل.
التفكير باللغة الأجنبية يساوي قرارا أفضل!
طبقًا لرؤية اثنين من الكتاب “ثنائيي اللغة” وهما “فلاديمير نابوكوف” و”إيفا هوفمان” فاللغة الأجنبية أقل عاطفية من اللغة الأم، وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة، أحال الثنائي المهتمين إلى حقيقة مشاعرهم تجاه لفظ “أنا أحبك” حين يقال بلغتهم الأم، ومقارنته مع الشعور الذي ينتابهم حين تقال بلغة أخرى، وكان الإجماع أن تأثير سماع الألفاظ باللغة الأصلية أكثر تأثيرًا من الناحية العاطفية.
لذلك، ووفقًا لدراسة قام بها “سيوري هايكاوا” من جامعة شيكاغو الأمريكية، فإن التغيير في جودة القرارات يرجع إلى المشاعر المرتبطة باللغة الأم، لهذا عندما نفكر باللغة الأصلية لنا، فهنالك احتمالية ضخمة أن يتأثر القرار لأننا لا نستطيع تحييد المشاعر المرتبطة كليا باللغة، بالتالي لا نستطيع التفكير بشكل منطقي.
إذن يعد التفكير باللغة الأجنبية قبل اتخاذ القرار أكثر موضوعية، لأن افتقار الفرد للتواصل العاطفي يساعده على التفكير بوضوح، حيث لا يتم دفع العملية -التفكير- بأي مشاعر، ودون أي تحيزات.
التحدث مع النفس ليس جنونا
عندما تشاهد شخصا ما يقف أمام مرآة يحدث نفسه عن أي موضوع فقد تنعته بالمجنون، صحيح؟ ربما هذا هو السرد الشائع، لكن الحقيقة هي أن الحديث مع النفس بصوت عال أمام المرآة قد يكون عادة صحية ومفيدة كذلك.
دعنا نخبرك مبدئيًا أن الأمر قد يبدو مبتذلا، لكن الحديث مع النفس منقسم لنوعين، إما حديث ذاتي تعليمي، وهو ما نقوم به خلال أدائنا لأي مهمة موكلة إلينا، وحديث آخر تحفيزي، مثلما يفعل بعضنا بإخباره لنفسه أنه يمكنه القيام بأي شيء مهما بدا صعبا، وسواء كان هذا أو ذاك، فلا يوجد ما يجعل الأمر محرجا على الإطلاق.
يرى “إيثان كروس”، المختص بطب النفس بجامعة “ميتشيجين” عبر دراسة أجراها مع فريق من زملائه، أن البشر عادة يتحدثون عن الأمور التي يفكرون بها مع أنفسهم بصوت عال من أجل التفكير بطريقة أكثر موضوعية، وهذا الأمر لا ينعكس فقط على شعور الفرد بقلق أقل حيال ما يفكر به، بل أيضًا ينعكس على الأداء بشكل أفضل، معللا ذلك، بأن الشخص حين يحاول التحدث إلى نفسه أمام المرآة، فهو ينأى بنفسه عن التدخل في القرار، ويركز على التفاصيل من منظور بعيد لشخص ثالث.
في تجربة أخرى مشابهة أجريت بجامعة “بانجور” الويلزية، طلب من المشاركين قراءة تعليمات مكتوبة إما بصوت عال أو سرًا، وكانت النتيجة أن أولئك الذين قرؤوا التعليمات بصوت مسموع كانوا أكثر تركيزًا وأكثر قدرة على تطبيقها على عكس الشريحة الأخرى.