ثقافة ومعرفة

كيف أسهم “الجوجيتسو” في منح المرأة حق التصويت في بريطانيا؟

يعد الجوجيتسو أحد الفنون القتالية -يابانية الأصل- التي تهدف لتمكين الفرد من الدفاع عن نفسه، ويمكن استخدامه لقتل أو إخضاع شخص أو أكثر بدون أي سلاح.

نبذة مختصرة عن الجوجيتسو

مبدئيًا؛ يتكون مصطلح الجوجيتسو من مقطعين، الأول هو “جو” والتي تعني ناعما أو مرنا، والثاني هو “جيتسو” التي تترجم إلى فن أو تقنية باللغة اليابانية، وهذا ما يعني أن المصطلح بأكمله يعني فن أو تقنية إخضاع الآخر دون سلاح، لأن الفلسفة الأساسية لذلك الأسلوب تتمحور حول التلاعب بقوة الخصم ضد نفسه، بدلا من مواجهتها بقوة مضادة.

حاليًا، تُمارس الجوجيتسو في كلٍّ من الأشكال الرياضية الحديثة الموجهة للدفاع عن النفس، وتشمل هذه الأشكال الرياضة الأولمبية والفنون القتالية للجودو، والتي طورها المعلّم الياباني “كانو جيغورو” في أواخر القرن التاسع عشر، ومنها أيضًا النمط البرازيلي؛ الذي ظهر خلال الفترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.

فلسفة الدفاع عن النفس

الجوجيتسو

بشكلٍ ما، أصبحت الثقافة والدين اليابانيان متشابكين مع فنون الدفاع عن النفس في المخيلة العامة، حيث تتعايش البوذية والشنتو والطاوية والفلسفة الكونفوشيوسية في اليابان، والناس عمومًا يختلطون ويتوافقون مع ما يناسبهم، وهذا يعكس تنوع النظرة التي يجدها المرء في المدارس المختلفة.

تم تطوير الجوجيتسو بداية لمحاربة الساموراي في اليابان الإقطاعية كطريقة لهزيمة خصم مسلح ومدرّع حيث لا يستخدم المرء أي شكل من أشكال الأسلحة، نظرًا لأن التجربة أثبتت أن مواجهة خصم مدرع بلا أية فاعلية، بالتالي أدرك الممارسون الأوائل أن أكثر الطرق فعالية لتحييد العدو هي تطوير هذه التقنيات حول مبدأ استخدام طاقة المهاجم ضده، بدلاً من معارضته بشكل مباشر.

اكتساب حقوق المرأة البريطانية

حتى مطلع القرن الـ20، لم تكن المرأة في بريطانيا تتمتع بحق الاقتراع، حيث تم حصر الأفراد القادرين على التصويت في “الذكور”، طبقًا لقانون الإصلاح العظيم الصادر عام 1832، واستمر الوضع كما هو عليه حتى إصدار قانون الحكم المحلي عام 1894، الذي أعطى بعض النساء “المتزوجات” الحق في التصويت.

حاربت النساء هذه الفكرة لسنوات، لكن دون طائل، لكن الأمر وصل لذروته خلال السنوات القليلة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث تعرضت النساء المطالبات بحقهن في التصويت لاضطهاد وقمع شديدين أثناء قيامهن بمسيرات للمطالبة بحقوقهن الطبيعية، إلا أن يوم “الجمعة السوداء”، الموافق 18 من نوفمبر 1910، شهد تحولا تاريخيًا.

يوم الجمعة السوداء

الجوجيتسو

ربما كانت السيدات بهذه الفترة إحدى الفئات التي ينطبق عليها مصطلح المواطن الأعزل، الذي طالما بحثت فلسفة الجوجيتسو عن حمايتهم؛ فمن دون سلاح، ومع فارق بدني بيولوجي بين الرجال والسيدات، لم يستطعن الدفاع عن تنظيم مسيرة للمطالبة بحقهن في الاقتراع.

في يوم الجمعة، الـ18 من نوفمبر 1910، التقت مجموعة من حوالي 300 عضوة في جمعية “حق الاقتراع” بجدار من رجال الشرطة خارج البرلمان، وتعرضن للاعتداء من قبل كل من الشرطة والحراس الذكور، بل وأصيب العديد منهن بجروح خطيرة وتوفيت امرأتان نتيجة لذلك، فيما تم القبض على أكثر من 100 من مناصري حق الاقتراع.

حسب إليزابيث كروفورد، مؤلفة كتاب حركة حق المرأة في التصويت، عند هذه اللحظة، أدركت النساء أنه من المستحيل تنظيم مسيرات مشابهة بغير استعداد، لأن النتيجة المنطقية هي تعرضهن للإيذاء، ببساطة؛ لأنهن أقل عددًا، ولسن قادرات على الدخول في شجارات حقيقية مع ذكور غاضبين.

ظهور إديث جارود

بهذا الوقت، ظهرت سيدة تدعى “إديث جارود”، وهي امرأة صغيرة الحجم، لا تقوى كنظيراتها على مجابهة رجال الأمن، لكن كان لديها سلاح سري، وهو أن تعلّم عضوات الاتحاد النسائي الاجتماعي والسياسي (WSPU)، المعروف باسم حق المرأة في الاقتراع أساليب الجوجيتسو، لأنها كانت تعلم بداخلها أن هذا الاتحاد يجب عليه أن يقاوم لانتزاع حقه، لذلك، لجأت لهذا الفن القتالي الياباني القديم، وشددت على استخدام قوة المهاجم ضدهم وتوجيه زخمهم واستهداف نقاط الضغط لديهم.

“إديث جارود”.. سيدة الجوجيتسو

الجوجيتسو

بدأت جارود بتعليم بعض المناصرين لحق المرأة في التصويت بعض أساليب الدفاع عن أنفسهن ضد المضايقين الغاضبين من الجمهور والشرطة، حيث كانت تدير بانتظام فصولاً دراسية منتظمة لسيدات الجمعية، كما كتبت مقالات بعدة صحف فئوية، شددت خلالها على ملاءمة الجوجيتسو للوضع، أي الاضطرار إلى التعامل مع قوة أكبر في شكل الشرطة والحكومة والجماهير.

طبقًا لمارتن ديكسون، رئيس جمعية الجوجوتسو البريطانية، لم يكن أي عاقل في تلك الأيام يظن أن تستجيب النساء جسديًا لهذا النوع من الإجراءات، ناهيك عن مقاومة فعالة، حيث كانت طريقة مثالية بالنسبة للسيدات للتعامل مع الإمساك بهن أثناء وجودهن في موقف جماعي يتطلب المواجهة.

إرث تاريخي

الجوجيتسو

بذلك، أصبحت إديث جارود أول معلمة جوجيتسو في الغرب، مرتدية زيها الأحمر في مواجهة رجال الشرطة، وتحولت فكرة الدفاع عن النفس من مجرد فكرة إلى توجه اجتماعي، وانتشرت الندوات للتعريف بفوائد تعلّم الجوجيتسو، فيما واصلت جارود وطلابها معركتهم من أجل التصويت حتى ظهرت معركة أكبر؛ فعند اندلاع الحرب العالمية الأولى، ركز المنادون بحق المرأة في التصويت على مساعدة المجهود الحربي.

في نهاية الحرب عام 1918، تم أخيرًا تمرير قانون تمثيل الشعب، حيث حصلت أكثر من 8 ملايين امرأة في المملكة المتحدة على حق التصويت، في حين لم تحصل النساء على نفس حقوق التصويت التي يتمتع بها الرجال حتى عام 1928.

على كُلٍ، ربما لم تكن السيدات بهذه الحقبة الزمنية ليحصلن على أي حقوق -وإن كانت مشروعة- دون مواجهة، وبالنظر إلى كل الثوابت البيولوجية وحتى الاجتماعية، لم يكن هنالك طريقة للدفاع عن النفس خلال الرحلة، سوى تبني فلسفة الجوجيتسو.

المصدر
مصدر مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى