كان نبي الله يونس، أو كما يدعى “يونان” أو “ذو النون”، نبيا مرسلا إلى قومه الذين ينتمي إليهم، وككل الأنبياء أخذ ينصحهم ويرشدهم إلى الله ويذكرهم بالدار الآخرة ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، لكن قومه كانوا عصاة جاحدين، وكان يونس عليه السلام قد بلغ جهده فكيف يتصرف نبي الله في موقف كهذا؟ وكيف يفعل الله به؟ تعال نلق نظرة على قصة سيدنا يونس صاحب الحوت.
قصة سيدنا يونس وقومه
“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
الأنبياء 87
جاء اليوم الذي بلغ فيه اليأس بنبي الله يونس مبلغه، وغضب على قومه وأعرض عنهم، فقرر التوجه إلى الشاطئ وأن يذهب مع سفينة إلى مكان آخر ليترك قومه ويدعو الله في مكان آخر مع أناس جدد غير متكبرين إلى هذا الحد.
ولكن الله لم يكن قد أمره بترك قومه أو أن ييأس منهم، وظن يونس أن الله لن يغضب إن ترك قومه لدعوة قوم آخرين، فأراد الله تعالى أن يعلمه أن النبوة أمر بالدعوة، والله يهدي من يشاء فبدأ الدرس الصعب.
ركب يونس عليه السلام السفينة وكان قد أنهكه التعب، ومضت السفينة إلى أن جاء الليل، وارتفعت الأمواج وراحت تكتسح سطح المركب، وكان من تقاليد السفن الوثنية إذا واجهت عاصفة إلقاء قربان للبحر ليطفئ ثورته، أو قيل تخفيفا للحمل، فقاموا بإجراء قرعة ليلقوا شخصا منهم، فوقعت القرعة على نبي الله يونس، وأعيدت القرعة 3 مرات رغبة منهم في تقديم شخص آخر غير يونس عليه السلام، إلا أنها خرجت باسمه في كل مرة، فكان لا مفر من إلقائه في البحر.
يونس –عليه السلام- والحوت
ألقي بسيدنا يونس في ذلك البحر المظلم لتتلقاه أمواج عاتية مرعبة، فالتقمه الحوت الأزرق وهو أضخم كائن على وجه الأرض، وليس لديه أسنان، ونزل به إلى عمق البحر، و”التقمه” تعني أنه كان في فمه كاللقمة، لم يبتلعه ولم يمضغه، وهذا من دقة القرآن المتناهية في وصف حالة يونس عليه السلام، لأنه لو “ابتلعه” لهلك أثناء الهضم.
أدرك نبي الله يونس الخطأ الذي كان منه، ولكنه كان على يقين أن الله أرحم به من أن يهلكه، فظل يونس يدعو الله وحيدا مبتلى في ذلك الظلام الشديد، ولا نعرف كم مضى عليه في بطن الحوت ولكن الكائنات قد اجتمعت حول الحوت تسبح الله معه وتسأله أن يتوب على يونس ويغفر له، وظل يونس يدعو معترفا بخطئه فيقول: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين“.
يونس –عليه السلام- على الشاطئ
“فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ 145 وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ 146”
الصافات
استجاب الله تعالى لنبيه يونس بعد أن رأى منه صدق التوبة وتعلم الدرس، فأمر الحوت أن يقذفه من جوفه على الشاطئ، ولم يكن ليتحمل الشمس الحارقة بشكل مباشر بعد هذه المدة التي لبثها في بطن الحوت، فأنبت الله تعالى بجانبه شجرة من يقطين، وهنا نجد الحكمة الإلهية في إنبات شجرة من اليقطين، فلماذا اليقطين خاصة؟
اليقطين هو القرع بمختلف أنواعه، وأشجاره تملك أكبر حجم لورقة نبات، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يستر عبده وأن يحميه من حرارة الشمس وأشعتها الضارة، ولأن ساق اليقطين وفروعه وثماره وأوراقه مليئة بالمضادات الحيوية، ولا تقربه حشرة! ومن هنا يحمي جلد النبي يونس عليه السلام وجسده من أن يلدغه عقرب أو حتى تضايقه حشرة بسيطة.
هنا تتجلى رحمة الله البالغة ولطفه بعباده الصالحين وحكمته في تقدير المقادير، ويظهر تفرد القرآن الكريم وتفرد ألفاظه، وبعد ذلك أرسله الله إلى قومه فآمنوا وكانوا يزيدون على 100 ألف؛ فوسع الله عليهم لإيمانهم، كما ذكر تعالي في كتابه: “وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ 147 فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ 148”.