الصحة النفسية

ماذا تعرف عن السواء واللاسواء في علم النفس المرضي؟

يعد موضوع السواء واللاسواء في علم النفس المرضي من أهم الإشكاليات التي تواجه المتخصصين، نظرًا لاختلاف المعايير التي ينظر من خلالها لحالة اللاسواء، ويظهر الأمر أكثر تعقيدًا عند دراسة سلوك الطفل، الذي عادةً ما يتميز بحالة نمو ديناميكية، تحول دون القدرة على حسم سواء أو عدم سواء السلوكيات التي تخرج عنه.

تعريف السواء واللاسواء

السواء واللاسواء في علم النفس المرضي
إشكالية السواء واللاسواء.

السواء واللاسواء مفهومان لا يمكن فهم تعريف أحدهما دون العودة للآخر، والفرق بينهما يكمن في درجة السواء، حيث يشرحان ما تعنيه الصحة أو الاضطراب النفسي، بمعنى أوضح؛ السواء في علم النفس هو الصحة النفسية، أما اللاسواء فهو نقيضه.

ما هو السواء؟

السواء هو السلوك العادي والمألوف للشخص بالحياة، ويُعرّف الشخص السوي على أنه ذلك الشخص الذي تتطابق تصرفاته مع تصرفات الشخص العادي من حيث الأفكار، السلوكيات، المشاعر والنشاط، ويعيش سعيدًا عادةً، ومتوافقًا شخصيًا واجتماعيًا.

ما هو اللاسواء؟

هي حالة مرضية يكون خلالها الفرد خطرًا على نفسه وعلى مجتمعه، وتتطلب تدخلا خارجيا لحماية الفرد من نفسه، أو حماية المجتمع منه، ويُعرّف الشخص اللاسوي على أنه الشخص الذي تنحرف سلوكياته عن سلوكيات الشخص العادي، من حيث المشاعر والنشاط، وعادةً ما يكون غير سعيد، وغير متوافق شخصيًا أو اجتماعيًا.

معايير السواء واللاسواء في علم النفس المرضي

السواء واللاسواء في علم النفس المرضي
المعيار الاجتماعي.

اختلف العلماء طويلًا حول وضع معايير يتحدد من خلالها السواء واللاسواء في علم النفس المرضي، حيث اعتبروا الفكرة نسبية، ولكن اتفق الجميع حول أن ظروف الزمان والمكان والعمر هي العوامل التي من الممكن أن تؤثر بشكل مباشر في سلوكيات الإنسان.

وعليه؛ وضع علماء النفس المعاصرون مجموعة من المعايير للحكم على سواء السلوكيات وهي:

المعيار الذاتي

حيث يتخذ الفرد من ذاته مرجعًا يعود إليه للحكم على تصرفاته وسلوكياته ووصفها إما بالسواء أو اللاسواء، ويعاب على هذا المعيار عدم قابليته لأن يصبح قانونًا عامًا، يستخدم في الحكم أو التمييز.

المعيار الاجتماعي

يتخذ الفرد خلاله من المعايير التي وضعها المتجمع بشكلٍ مسبق آلية للحكم على سلوكيات الفرد، بمعنى أن السوي هو من تتوافق تصرفاته مع معايير المجتمع، والعكس بالعكس، ويعاب على هذا المعيار تجاهله لاختلاف نظرة كل مجتمع لمفهوم السواء عن غيره من المجتمعات.

المعيار المثالي

طبقًا لمعيار المثالية، فالسواء واللاسواء في علم النفس المرضي يتم إرجاعه بشكلٍ مباشر لمفهوم المثالية، حيث يعتبر الشخص المثالي أو الكمالي هو السوي، واللاسوي هو من ينحرف عن ذلك، وبالتأكيد يُعاب على استخدام ذلك المعيار عدم واقعيته، وصعوبة تطبيقه على أرض الواقع، لأننا في هذه الحالة سنكتشف أن الأسوياء ليسوا سوى قلة قليلة.

المعيار الإحصائي

يستند هذا المعيار في تقييمه على الشائع أو المتوسط كأداة لتقييم السلوك الفردي، وتكون حالة اللاسواء هي الانحراف عن ذلك المتوسط، سواء بالزيادة أو النقصان، ويعاب على هذا المعيار اعتباره للأمور نادرة الحدوث شذوذًا أو بمعنى أصح، تعبر عن اللاسواء.

المعيار الإكلينيكي

يعتمد هذا المعيار على تحديد السلوك المتأثر بالممارسة العلاجية، فحسب عالم النفس “كارل رودجرز” هنالك سمات واضحة للأسوياء من وجهة نظره، وهي:

  • عيش اللحظة.
  • الثقة بالمشاعر.
  • التوجيه الذاتي والقدرة على اتخاذ قرارات مستقلة.
  • الإبداع والمرونة.
  • الموثوقية.
  • الشعور بالرضا والرضا عن الحياة.

ويعاب على هذا المعيار خضوعه للتحيز للحالات الفردية التي يتعرض لها المعالج النفسي، بسبب صعوبة تعميمها طبقًا لفرضية الفروق الشخصية الموجودة بالفعل بين أي شخص وآخر.

المعيار النفسي الموضوعي

يعرف هذا المعيار أيضًا باسم “المعيار الإحصائي الإكلينيكي” حيث يعتمد على الإحصائيات كما المعيار الإحصائي، لكنه لا يفترض شذوذ أي سلوك خارج عن المنحنى المعتدل، بل يتم تحليل ذلك السلوك، ومقارنته بالوقائع العلمية وفقًا للجمعية الأمريكية للطب النفسي.

الصفات المحددة للشخص السوي وغير السوي

السواء واللاسواء في علم النفس المرضي
القيام بتصرفات مؤذية للنفس وللغير.

أثناء البحث عن النظريات الخاصة بالسواء واللاسواء في علم النفس المرضي، يتضح أن أهم محاولات وضع إطار لفهم هذه القصة هو التعامل من منطلق جدلية الأضداد، أي ما يعني محاولة تعريف الشيء بما يناقضه، كالخير والشر، الأبيض والأسود، الذكاء والغباء، إلى آخره.

من هنا؛ توصل  علماء النفس لعدد من السمات الرئيسية التي يمكن اعتبارها محددات للسلوك وللشخص السوي، وطبقًا لدراسة بعنوان “علم النفس المرضي”، والتي نشرت بالعام 2009، محددات الشخصية السوية يمكن تلخيصها إجمالًا في القدرة العامة على المواءمة والتكيف، القدرة على الإشباع الذاتي والكفاءة في القيام بالأدوار الاجتماعية والقدرة على ضبط الانفعالات.

وفيما يلي شرح لأهم هذه السمات المعبرة عن السواء:

  • الفعالية: حيث إن الشخص السوي تصدر عنه سلوكيات فعالة وموجهة نحو المشكلات ودن شك، لها أهداف محددة.
  • الكفاءة: الشخص السوي يدرك جيدًا أن عدم فعاليته تعني عدم بلوغ أهدافه، لذلك فهو أكثر تقبلًا لنفسه، ويعيد توجيه طاقته عند الفشل طمعًا في محاولة جديدة أكثر فعالية.
  • الملاءمة: تتناسب تصرفات وسلوكيات الشخص السوي مع الواقع، حتى مشاعره السلبية وتصرفاته السلبية ترتبط بالمواقف وتكون مؤقتة، لا تؤثر عليه تأثيرًا ضارًا.
  • المرونة: تشير إلى قدرة الشخص السوي على التكيف والتوافق مع مواقف وظروف الحياة المتغيرة.
  • الخبرة: وتعني قدرة الإنسان على التعلم والاستفادة من تجاربه السابقة.
  • التواصل الاجتماعي: الشخص السوي عادةً ما يتمتع بعلاقات اجتماعية قوية، كما لديه القدرة أيضًا على الحفاظ على استقلاليته.
  • تقدير النفس: يمتلك السوي قدرًا طيبًا من الاعتزاز بالنفس، لا يصل مطلقًا إلى حد الغرور، ولا يتدنى لمستوي انعدام الثقة.

سمات الشخص غير السوي

بنفس السياق، واصل علماء النفس المهتمين بدراسة السواء واللاسواء في علم النفس المرضي دراساتهم إلى أن وصلوا إلى قائمة مختصرة كذلك للسمات المحددة للشخص غير السوي، وتم اختصارها في الآتي؛

  1. الإدراك السيئ وعدم القدرة على تفسير الواقع.
  2. الإقدام على القيام بسلوكيات خطيرة تؤذي النفس والغير.
  3. الشعور الدائم بالألم النفسي وعدم الراحة.

أخيرًا، أيًا ما كانت المعايير أو السمات التي يتم نقاشها للوصول إلى حل لإشكالية السواء واللاسواء في علم النفس المرضي، لا بد وأن يتحلى المسؤول عن توصيف أي شخص بالسواء أو اللاسواء بنظرة تكاملية، أي أنه يجب عليه ألا يغفل معيارًا لصالح آخر، ولا يتجاهل سمة لصالح أخرى، حيث إن كل الأشخاص يمكن ترتيبهم على سلسلة ممتدة بين السواء واللاسواء، أو ببساطة، بين الصحة والمرض النفسي، فالسواء واللاسواء مفهومان نسبيان في مراحل العمر المختلفة، في الأزمنة المختلفة وفي الثقافات المختلفة.

المصدر
مصدرمصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى