الصحة النفسية

الشخصية الاضطهادية.. كيف نتعامل معها وهل يمكن علاجها؟

يتطابق اضطراب الشخصية الاضطهادية في الكثير من الصفات مع مرض جنون العظمة، حيث يكون المصاب بذلك الاضطراب عاشقا للجدال، ومتمسّكا بأفكاره وآرائه، يتميز بإتقانه للعب دور الضحية، كما يمكنه تقديم كل الحجج والبراهين -وإن كانت زائفة- لإثبات أحقيته بالفوز في أي نقاش.

ما هي الشخصية الاضطهادية؟

الشخصية الاضطهادية
الشك في نوايا الآخرين.

الشخصية الاضطهادية هي أحد الاضطرابات الشخصية التي تجعل المصاب بها دائم الحساسية والشك في تصرفات الآخرين، بحيث يُفسّر الأمور بشكل أكبر من حجمها العادي، ظنًا منه بأن الجميع يريد أن يلحق به ضررًا ما، أو يريد خداعه بشكل مستمر.

يتسبب صاحب الشخصية الاضطهادية في ضرر مباشر للمحيطين به، بوضعهم طوال الوقت تحت ضغط تبرير تصرفاتهم وإثبات حسن نواياهم، ما يؤول في نهاية المطاف إلى شعورهم بالإرهاق النفسي.

ويحمل الشخص الاضطهادي قدرًا كبيرًا من الكراهية والحقد للآخرين، ويفتقد تمامًا للقدرة على التسامح أو المغفرة، بالتالي؛ هو شخص عنيف في ردات فعله، دائم الغضب، سريع الاستثارة، نتيجة للطاقة السلبية التي تحيط به من كل اتجاه.

ما هي أعراض الشخصية الاضطهادية؟

الشخصية الاضطهادية
الطعن في ولاء شريك الحياة.

يكون أصحاب الشخصية الاضطهادية دائمًا في وضع الاستعداد للهجوم ضد أي محاولة لإيذائهم نفسيًا؛ فهم ليسوا أشخاصًا متفتحين للنقد، وفي الغالب تكون تفسيراتهم وتوقعاتهم عن آراء البشر فيهم وفي تصرفاتهم خاطئة، لذلك فردات أفعالهم العنيفة في أغلب الأوقات غير مبررة.

ولتقارب الشبه بين أعراض الشخصية الاضطهادية في علم النفس ومرض جنون العظمة، وضع العلماء قائمة مطولة من الأعراض التي إن ظهر بعضها على شخص ما يمكن التعامل معه من منطلق إصابته باضطراب الشخصية الاضطهادية، خاصةً وأن مرض جنون العظمة هو مرحلة متأخرة جدًا من الشعور بالاضطهاد.

وجاءت القائمة كالتالي:

الارتياب دون مبرر

يمتلك صاحب الشخصية الاضطهادية شكوكًا غير مبررة تجاه الآخرين أغلب الوقت، دون حتى أن يمتلك دليلا واضحا على سوء نية من يشك به، بل إنه أحيانًا قد يشعُر بالريبة تجاه الأشخاص الذين يحاولون مساعدته بنية صادقة، بسبب شعوره بأن هذه المساعدة قد تستتر خلفها نوايا شريرة.

الهلع من نشر المعلومات حوله

تنتاب الشخص الاضطهادي حالة من الهلع والخوف الشديد إزاء احتمالية أن تستخدم أي من أسراره الشخصية ضده، لذلك يظل متحفظًا لا يشارك أحدًا تفاصيل حياته اليومية، حتى هؤلاء الموجودين بدائرته المقربة، لأن الذعر الأكبر بالنسبة له هو أن تُستخدم هذه الأسرار والتفاصيل كورقة ضغط ضده بالمستقبل.

عدم تقبُّل النقد

يرى صاحب الشخصية الاضطهادية نفسه شخصًا أفضل ممن حوله، ويثق بشكل مبالغ به بقدراته، بشكل مشابه لأصحاب الشخصية النرجسية، لذلك فهو لا يتقبّل النقد حتى وإن كان بناءً، ويظهر كشخص متعصب لآرائه وأفكاره، جامد الفكر لا يحبذ النقاش، ويكون رد فعله على الانتقاد هو الغضب الشديد المصحوب بالإهانة أو الإيذاء البدني.

وعلى النقيض تمامًا فهو يعطي نفسه كامل الحق في انتقاد تصرفات من حوله، ظنًا منه بأنه يمتلك رؤية أفضل منهم طوال الوقت وفي كافة المجالات.

تيبُّس القلب

يعاني الاضطهادي عادة من تبلد المشاعر وعدم القدرة على تفهُّم الآخرين أو حتى التعاطف معهم أثناء مرورهم بمواقف صعبة، أو حتى القدرة على مشاركتهم المواقف السعيدة، فهو لا يعير أي انتباه للظروف سواء كانت جيدة أو سيئة.

التفسير السيئ

تتبنى هذه الشخصية بشكل رئيسي فكرة نظرية المؤامرة، وتعتمد تفسيراتها دائمًا لأي موقف على محاولة إظهار الجانب السيئ منه، حتى وإن لم يكن يحتمل هذا التفسير، وحتى وإن حدث عن غير قصد، وقد تتخطى المشكلة حاجز الغرباء لتصل إلى الأقارب والأصدقاء وأحيانًا شريك الحياة.

الشك المرضي في شريك الحياة

الأسوأ فيما يتعلق بالشخصية الاضطهادية وفقًا لمعظم الباحثين في مجال علم النفس هو امتداد شكّه المرضي ليصل به إلى شريك الحياة، فغالبًا يشعر الشخص الاضطهادي بانعدام ولاء شريكه له، ولم لا خيانته له، بالتالي يهدر معظم طاقته النفسية والبدنية في تتبعه والتلصص عليه، سواء على أرض الواقع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، باحثًا عن خيط رفيع يثبت وجهة نظره المشوشة.

أسباب تكوُّن الشخصية الاضطهادية

الشخصية الاضطهادية
التربية الخاطئة.

كأي اضطراب شخصي، بالتأكيد تؤثر بعض العوامل بشكل مباشر أو غير مباشر على عملية تكوين الشخصية الاضطرابية، وتتباين درجات التأثير تلك من حالة لأخرى وفقًا لتغيّر الظروف والمجتمع المحيط بالشخص محل الدراسة.

لكن على كل حال؛ وضع علماء النفس بعض الأسباب التي يمكن أن تقود الإنسان في النهاية للإصابة بهذا الاضطراب، ألا وهي:

العامل الوراثي

يرجح علماء النفس أن العائلات صاحبة التاريخ المرضي مع اضطراب الشخصية الاضطهادية يكون أبناؤها أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب، لكن حتى الآن لا يوجد أي دليل دامغ يثبت صحة هذا الافتراض من عدمه.

العامل التربوي

يعتقد أن أحد أسباب تكوّن الشخصية الاضطهادية يبدأ بسن مبكر، خاصة بمرحلة الطفولة أو المراهقة، حيث يعامل صغار السن بشيء من القسوة من قبل عائلاتهم، وتستخدم ضدهم أساليب خاطئة في التربية مثل التوبيخ والنقد الدائم.

لذلك تنتاب الطفل أو المراهق حالة من الشك الدائم والخوف من الآخرين، بعدما اهتزت ثقة بنفسه بسبب الأسلوب التربوي الذي اتبعته أسرته في تربيته، وتحوله لشخص ذا شخصية مشوهة.

المحيط الاجتماعي

لربما يكون أحد الأسباب أيضًا هو تعرّض الإنسان لعدد من الصدمات النفسية المتكررة في مرحلة مبكرة من عمرها، الأمر الذي تزامن مع عدم وجود من ينصحه ويرشده إلى كيفية تخطي هذه الأزمة، لذلك؛ حتى وإن تخطى الشخص الأزمة التي مر بها بفعل الوقت، إلا أنه يظل يقع بنفس الأخطاء السابقة دون تعلُّم أي درس منها، وهو ما يجعله نهايةً يفضل الاحتياط المبالغ به من الآخرين تجنبًا لتكرار الألم النفسي الذي عاناه.

الاستثناءات

بالتأكيد لكل قاعدة استثناءات، والاستثناءات في علم النفس تُعرف بالدافعية، ويعني ذلك مدى تهيئة الشخص نفسه لتبني سلوكيات الشخصية، فقد تكون الأسباب الوراثية والاجتماعية موجودة بالفعل ولا يظهر الشخص أي سلوك اضطهادي بحكم شخصيته القوية والثابتة.

والعكس تمامًا أيضًا صحيح، فمن الممكن ألّا تتوافر العوامل السلبية سواءً كانت وراثية أو اجتماعية لدى الطفل وفي النهاية يصاب باضطراب الشخصية الاضطهادية نتيجة لهشاشة دوافعه وسماته الشخصية الضعيفة.

مضاعفات الشخصية الاضطهادية

الشخصية الاضطهادية
التحيز الانتباهي.

يُعتقد أن الشخصية الاضطهادية تميل لأن تكون مرضًا مزمنًا يستمر مع الشخص حتى نهاية حياته، وليست مجرد عيوبًا في شخصيته، وعلى الرغم من ذلك، فإن المصابين بها يستطيعون التعايش معها، فهم قادرون على العمل، الزواج، وإقامة بعض العلاقات الاجتماعية.

لكن في نفس الوقت، التعامل معهم بشكل دوري يضع من حولهم أمام مشكلة حقيقية وهي عدم تحليهم بالمنطق، نتيجة أفكارهم المشوهة حول البشر والعالم، نتيجة لبعض التحيزات التي تمنعهم من أن يكونوا أشخاصًا عقلانيين. ومن هذه التحيزات:

التحيز التأكيدي

عادة يفكر الشخص الشكاك بأمر ما، بعد ذلك يبحث عن ما يثبته في الواقع، ولا يعطي اهتمامًا لأية حجج منطقية طالما لم تخدم الفكرة التي يريد إثباتها، وعوضًا عن ذلك يفتش عن أي ثغرة ولو هامشية لتأكيد شكوكه.

التحيز الانتباهي

يعد الانتباه هو أداة التحيز الرئيسية عند الإنسان، والحقيقة هي أن من يعانون اضطراب الشخصية الاضطهادية يمتلكون انتباهًا عميقًا لكن ضيق الأفق، بمعنى أنهم يصبون كامل تركيزهم حول نقطة معينة متجاهلين كل ما يدور حولهم، وفي الأغلب في هذه الحالة ينصب تركيزهم حول كون كل البشر يريدون الحط من قدرهم.

الإسقاط

الإسقاط هو استبدال التهديد الخارجي بآخر داخلي، بالتالي إذا أخطأ الشخص الاضطهادي في أي موقف يتجاهل خطأه، ويسقطه أوتوماتيكيًا على كراهية الآخرين له، كألية دفاع خاصة، تشعره بأنه شخص أفضل، وأن من حوله هم من يحاولون إيذاءه.

المبالغة

يتبنى الاضطهادي نمط تفكير مشوه، ويبالغ في تفسير أي موقف كي يخدم نظرية المؤامرة الخاصة به، وهذا النمط شبيه جدًا بفكرة “الوهم”، لأن الأفكار الخاصة بهذا النوع من الشخصيات لا تمت للواقع بصلة، وتكون موجودة فقط داخل عقولهم.

كيفية التعامل مع الشخصية الاضطهادية

تكمن مشكلة التعامل مع صاحب الشخصية الاضطهادية في ارتيابه المستمر من نوايا الآخرين، بالتالي يكمُن حُسن التعامل مع الشخصية الشكاكة في تجنُّب التصرفات التي يمكن أن تحفز الشكوك الخاصة به.

لهذا يفضل عدم مجاراة صاحب الشخصية الاضطهادية، لأنه يمتلك قدرة خارقة على تزوير الحقائق وقلب الأمور رأسًا على عقب لصالحه، وجعلك تتوهم بأنك شخص سيئ في المطلق، ما قد يؤول بنهاية المطاف إلى إصابتك بشكل من أشكال الاكتئاب.

ويفضل استخدام الأساليب التالية عند اضطرارك للتعامل مع شخص اضطهادي بشكل دوري.

  • لا يثق الشخص الاضطهادي بأحد، بالتالي يجب التعامل معه بوضوح وصراحة قدر المُستطاع.
  • لا ينصح بأن تُجادل الشخص الشكّاك، فربما يبدأ في تفسير كلماتك حسب تخيلاته الوهمية ويبدأ في تحميل عباراتك ما لا تحتمله من تأويل.
  •  ويفضّل أن يتسم الحديث مع الشخصية الاضطهادية بالهدوء، وقتئذٍ يمكن أن يقتنع بوجهة نظرك ويتفهّم موقفك.
  •  معاملته باحترام وتقدير، بالإضافة إلى محاولة إثبات ولائك له بالشكل المناسب، كي يستطيع التخلّص من الشك الذي يلازمه.
  • لا تتنازل عن أفكارك وقناعاتك من أجل إرضاء غروره، حتى لا يقوده ذلك لاستباحة مشاعرك.

هل تُعالج الشخصية الاضطهادية؟

الشخصية الاضطهادية
العلاج المعرفي السلوكي.

ربما تكون محاولة علاج الشخصية الاضطهادية صعبة للغاية، حيث إن الشخص الاضطهادي لا يعترف من الأساس بأنه يعاني من أي خلل، وإذا تم إقناعه بأن يذهب لمعالج نفسي، سيحتاج للكثير من الوقت كي يشعر بالثقة تجاهه.

عادة يقوم الطبيب النفسي بالعلاج السلوكي المعرفي كخطوة أولى في العلاج، عبر دراسة مشاعر المصاب وتوجيهه لسلوكيات معتدلة مستخدمًا آلية تدريب خاصة، بعد أن يتناقش معه حول أسباب قلقه وتاريخ صراعاته النفسية والصدمات التي تعرض لها بسن مبكر.

أحيانًا يلجأ الطبيب النفسي لوصف عقاقير دوائية لبعض أصحاب الشخصية الاضطهادية من أجل تهدئة وطأة الأعراض الجانبية لذلك الاضطراب مثل التوتر والاكتئاب.

في الأخير؛ تظل مكافحة إصابة الأشخاص بالشخصية الاضطهادية قائمة في الأساس على التربية السليمة، واحتواء الأطفال والمراهقين وتفهُّم رغباتهم واحترام تطلعاتهم، والأكيد هو تفهُّم حالة من ظهرت عليهم الأعراض بالفعل والتعامل معهم بالشكل الأمثل كما وضحنا.

المصدر
مصدر مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى