الصحة النفسية

الشخصية المرتابة.. وكيفية التعامل معها

يعد اضطراب الشخصية المرتابة أحد أخطر الاضطرابات الشخصية المدرجة ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية والنفسية، حيث يعاني المصابون بذلك الاضطراب من حالة عامة من الشك والارتياب الشديدين تجاه الآخرين، ما يجعلهُم عرضة لإلحاق الضرر بمن حولهم، وأحيانًا أنفسهم.

ما هو اضطراب الشخصية المرتابة؟

الشخصية المرتابة
تخيلات لا علاقة لها بالواقع.

يعرّف اضطراب الشخصية المرتابة على أنه سلوك عام من العدائية المفرطة، ينتهجه الشخص بسبب خلل في التفكير، يجعله يعيش داخل دائرة مغلقة من التخيُّلات والأوهام التي لا علاقة لها بالواقع، ويحمّل الشخص المرتاب المواقف التي يتعرض لها ما لا تحتمله من تأويلات وتفسيرات حتى تتماشى مع ظنونه وشكوكه التي يمتلكها مسبقًا، بالتالي يعيش حياة تعج بالشك، التوتر، العصبية، والاندفاع.

يعتلي اضطراب الشخصية المرتابة (البارانويا) هرم الاضطرابات النفسية المكوّن من 3 طبقاتٍ، حيث يعد ضمن المجموعة (أ) الأكثر تطرفًا من حيث السلوكيات الغريبة والشاذة، بجانب كل من اضطرابي الشخصية الانعزالية والشخصية الفصامية.

يمكن تفسير الشخصية المرتابة بأنها شخصية تسيء فهم الآخرين، وتعتقد بأنهم يتعمدون الإساءة إليها، حتى وإن كان ذلك غير صحيح، وغالبًا ما يظهر هذا الاضطراب السلوكي بسنٍ البلوغ، كما أن معظم الدراسات تؤكد أن الرجال أكثر عُرضة للإصابة بذلك الاضطراب من النساء.

 سمات المصاب باضطراب الشخصية المرتابة؟

يمكن اكتشاف الشخصية المرتابة إذا أظهرت بعض من السمات أدناه والتي تتمحور حول فكرة الشك المُطلق في نوايا الآخرين وما يمكن أن يتضمن من تبعات، وللتبسيط، وضع علماء النفس قائمة بأبرز صفات الشخص المرتاب كما يلي.

  • الشك في تصرفات الآخرين بشكل متطرف والشعور الدائم بالاضطهاد.
  • القلق والتوتر المستمرين.
  • الذعر من فكرة الاستغلال.
  • الفشل في التعاون ومشاركة الغير.
  • الانعزال الاجتماعي والوحدة.
  • العدائية الشديدة عند التعامل مع الآخرين.
  • الخوف من دوافع البشر الخفية حتى وإن لم تتواجد.
  • الحساسية الشديدة تجاه النقد.
  • سرعة الاستفزاز وعدم القدرة على التحكم بالنفس.
  • انعدام الشعور بالراحة واستنزاف الطاقة في إثبات شكوك خيالية.

أسباب اضطراب الشخصية المرتابة

الشخصية المرتابة
التربية الخاطئة.

كأي اضطراب نفسي، يقع الفرد فريسة لاضطراب الشخصية المرتابة طبقًا لعدد من العوامل التي تدفعه لتبنّي هذا السلوك المتطرّف تجاه الآخرين، مثل:

الأسباب الوراثية

ترى شريحة من علماء النفس أن الإصابة باضطراب الشخصية المرتابة قد يعود لأسباب جينية وراثية، حيث وجد أن معظم الحالات المصابة تنحدر من عائلات كان أفرادها يمتلكون تاريخًا من المعاناة مع الاضطرابات الشخصية العنيفة مثل الفصام، مما جعلهم يتشككون في إمكانية نقل بعض الجينات المصابة للأجيال الجديدة.

الأسباب الاجتماعية

يُعتقد أنه يجب أن يتوافر مبدأ الاستعداد عند الشخص المصاب قبيل الإصابة، بعد ذلك تتكفّل التجارب الحياتية التي يمر بها الإنسان خاصةً بمرحلة المراهقة بتحويل الشخص لمرتاب، بفعل التجارب السيئة والصدمات النفسية أو التربية وسط عائلة متشككة.

 كيفية التعامُل مع الشخصية المرتابة

من الممكن أن يضطر البعض للتعامل مع شخص متشكك، بالتالي يجب عليه أن يدرك أبعاد الشخصية التي يتعامل معها، لأن التعامل مع الشخصية المرتابة أمر مرهق في العموم، وحتى يتم تجنُّب ذلك الصراع النفسي والضغط الناتج عنه، يجب اتباع الخطوات التالية.

  1. الابتعاد عن استثارته أو استفزازه.
  2. عدم الدخول في نقاشات مطولة معه.
  3. تجنُّب أي شجار لفظي أو جسدي معه.
  4. التحلّي بالهدوء وضبط النفس في التعاملات اليومية معه.
  5. محاولة الالتزام بالوضوح والصراحة قدر الإمكان.

مضاعفات الإصابة باضطراب الشخصية المرتابة

عادةً ما يكون تأثير الاضطرابات الشخصية موجهًا نحو المحيطين بالشخص وليس نحوه هو شخصيًا، لكن الأمر مع الشخصية المرتابة مختلف قليلًا، على الرغم من كون تصرفاته الشاذة تجاه المحيطين به مؤرقة نفسيًا، إلا أنه أيضًا يعاني بشكل مضاعف من شعوره المستمر بالارتياب.

عندما يصل المرتاب لأقصى درجات ارتيابه، يبدأ في رسم سيناريوهات أكثر تطرفًا قد تقوده بنهاية المطاف إلى الانفصال عن شريك حياته، أو الدخول في معارك قضائية ضد جهة عمله، فقط لأن الخيالات الخاصة به توهمه بأن قد تعرّض لظلم بيّن.

وتظل المشكلة الأكبر هي لا منطقية تعاطي الشخص المرتاب مع أي موقف بشكل يشعر كل المحيطين به بأنه مصاب بجنون العظمة طبقًا للتصرفات التي يرونها منه، والتي تبرهن على أنه لا يرى رأيًا سوى رأيه، وأن كل من يحاول أن يجعله يدرك الحقائق كاملةً ما هو إلا شخص يبيت النية له من أجل إيذائه.

هل يمكن علاج الشخصية المرتابة؟

الشخصية المرتابة
حصول الطبيب النفسي على ثقة المريض.

تظل إمكانية علاج صاحب الشخصية المرتابة مرهونة بمدى ثقته في الطبيب النفسي المُعالج، لأن المرتاب بداهةً سيبدأ في التشكيك في نوايا الطبيب النفسي بشكل مسبق، ويبني على ذلك الشك تخيّلات وهمية تفيد بأن الطبيب يحاول إلحاق الضرر به وليس مساعدته.

لكن إذا تمكّن الطبيب المعالج من تخطي أزمة الثقة تلك، يُصبح علاج المصاب مُمكنًا عبر السير بطريقين متوازيين وهما العلاج النفسي والدوائي.

العلاج النفسي

يكفل العلاج النفسي للشخصية المرتابة مساعدته على التدريب على تعلم كيفية التعامل مع الاضطراب الذي يعاني منه، وتعليمه منهجًا معتدلًا ليتبعه أثناء تعاملاته مع المجتمع المحيط به.

لكن بنفس الصدد، يجب على أسرة المصاب مساعدته على استكمال العلاج النفسي، لأنه عادةً ما تنتابه نوبات من الشك حول نوايا الآخرين حتى وإن كانوا يطمحون فقط في علاجه، لذلك لا بد أن يجد يد العون التي تضعه على الطريق الصحيح.

العلاج الدوائي

في معظم الحالات لا يلجأ الطبيب لوصف عقاقير للمصاب باضطراب الشخصية المرتابة، خوفًا من أن يتشكك المصاب وينسحب من جلسات العلاج، لكن أحيانًا قد يلجأ الأطباء إلى استخدام مضادات القلق والذهان للحد من الهلاوس التي تضرب عقل المصاب بشكل دوري.

أخيرًا؛ لا يمكن التأكيد على مدى نجاح علاج صاحب الشخصية المرتابة، إلا أن العلاج وفقًا للضوابط أعلاه قد يتيح الفرصة للمرتاب لأن يعدّل من سلوكياته على المدى الطويل.

المصدر
مصدر مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى