بما أنّك قد قررت طواعيةً أن تضغط على رابط هذا الموضوع، بالتالي يمكننا اعتبارك أحد المهتمين بـ تاريخ كرة القدم، الذين لا تشغلهم صراعات مواقع التواصل الاجتماعي، ويفضلّون بدلًا منها أن يبحثوا عن حقيقة بدايات هذه اللعبة، والطريق الذي سلكته قبل عشرات السنين قبل أن تصل إلى شكلها الحالي.
أول سطر في تاريخ كرة القدم
بدايةً، لا يمكننا بأي شكل من الأشكال إرجاع تاريخ كرة القدم، بمعناها المعاصر، لأبعد من العام 1863، أي أن هذه الرياضة، على الرغم من وجود أشكال شبيهة لها، لم تكن تمتلك هيكلًا واضحًا قبل منتصف القرن التاسع عشر.
في إنجلترا، أنشئ أول اتحاد لأندية كرة القدم الذي صاغ القواعد الأولية المتفق عليها للممارسة، والتي كانت تشدد على عدم السماح لأي من اللاعبين التقاط الكرة بيده أثناء سير المباراة، باستثناء حرّاس المرمى طبعًا، وهذا لا يعني أن هذه الرياضة قد ظهرت من تلقاء نفسها، لكن تاريخ كرة القدم يعود إلى آلاف السنين حسب بعض التقديرات.
طبقًا لديفيد جولدبلات، مؤلف كتاب «The Ball Is Round»، عرفت الإنسانية الكرة دون شكٍ، ويمكن أن تكون هذه المعرفة قد حدثت منذ العصور الوسطى، أو حتى القديمة، لكن لعبة كرة القدم نفسها، ولدت من الحداثة، لهذا ينبغي علينا أن نفرق ما بين كرة القدم كلعبة منظمة، وما بين الألعاب المضطربة التي تبنتها مختلف الحضارات والثقافات عبر التاريخ.
«كوجو».. ركل الكُرة
وفقًا للموقع الرسمي لكرة القدم (فيفا) فتاريخ كرة القدم يعود -بشكل مفاجئ- للصين القديمة، وتحديدًا خلال فترة حكم أسرة «هان» التي امتدت ما بين عامي 220 و206 قبل الميلاد، حيث أقر الاتحاد الدولي بأن في هذه البقعة من العالم بدأت أول ملامح ممارسة اللعبة، حيث عرف الصينيون لعبة «كوجو»، أو ركل الكرة، والتي حظيت بانتشار ملحوظ.
صمم الصينيون وقتئذ لعبتهم الخاصة، عبر لصق قطع من الحرير على عصي من الخيزران في أي من طرفي الملعب، وكان الهدف هو ركل كرة جلدية مليئة بالريش أو الفراء من خلال فتحات صغيرة في الحرير، تمامًا مثل هدف يتم تسجيله في كرة القدم التي نعرفها.
وبغض النظر عن التشابه بين هذه اللعبة وكرة القدم الحالية، إلا أن اعتبارها أول لبنة في بناء كرة القدم يرجع بالأساس إلى عمرها الطويل، فلم تكُن لتحظى بذلك اللقب إذا تلاشت بعد فترة وجيزة، لكن على العكس تمامًا، ظلت اللعبة متماسكةً لنحو ألف عام، ولم تندثر سوى بفترة حكم أسرة «مينج» التي بدأت عام 1368 ميلاديًا، باعتبارها مفسدة للأخلاق.
وكأي شيء جديد على مجتمع ما، كانت اللعبة حكرًا في البداية على ضباط الجيش، ولكن مع مرور الوقت امتدت إلى كل من عامة الناس والإمبراطور على حد سواء، بل وبدأت تتحول إلى هوس يجتاح الأمة الصينية مثل سرب من الجراد.
تشير إحدى الروايات إلى أن شخصًا يدعى «زيانغ تشو» قد توفي إثر إصابته بفتق نتيجة لإصراره على لعب الكوجو، على الرغم من أوامر الأطباء بابتعاده عنها.
– موقع «فوتبول تايمز».
اليونان القديمة.. ما بين الكرة والرجبي
اعتمدت ألعاب الكرة اليونانية والرومانية القديمة على استخدام المناورة، لكن الاتحاد الدولي «فيفا» يزعم أن هذه الألعاب لا يمكن تصنيفها كألعاب شاركت بشكل فاعل في تاريخ كرة القدم وتطورها، لسبب بسيط، وهو أن هذه الألعاب كانت تسمح لممارسيها بأن يستخدموا أيديهم أثناء اللعب، وهذا ما يجعلها أقرب لرياضة الرجبي منها لكرة القدم، لكن على الرغم من ذلك، يمكننا القول إن هذه الحضارات قد قدمت أحد الأشكال البدائية للعبة، حتى وإن لم تتطابق معها بشكل كبير مثل لعبة الكوجو الصينية.
باليونان القديمة، حوالي عام 400 قبل الميلاد، تم نقش لوح رخامي؛ يصور رجلاً، ساقه مثنية، يوازن كرة على فخذه، استنتج العلماء أنه كان يلعب «Episkyros»، وهي لعبة يسمح فيها باستخدام كلتا اليدين والقدمين، بهدف الحصول على الكرة، وعلى الرغم من أن أوجه التشابه بينها وبين كرة القدم بسيطة، إلا أن الحداثة المذهلة للنقش أكدت باستمرار اعتقاد «FIFA» بأن «Episkyros» هي شكل مبكر من اللعبة، يعود تاريخه إلى عام 2000 قبل الميلاد.
قام الرومان بتطوير اللعبة الخاصة باليونانيين، ليقتحموا بـ«Harpastum» سجلات تاريخ كرة القدم، والتي كانت في الأساس لعبة تتطلب تمريرة سريعة للكرة والبراعة من أجل خداع الخصم، ومع ذلك، فإن ركل الكرة لم يشبع الرغبات الفطرية للرومان كما فعلت مشاهد المصارعة الدموية، فالرياضة دون القتل لم تكن رياضة على الإطلاق بالنسبة لهم، لذلك، كان ممارسو «Harpastum»، مجبرين على ممارستها في الخفاء.
اقرأ أيضًا: مارادونا روح كرة القدم ومأساتها في وقت واحد”
كيف وصلت كرة القدم إلى إنجلترا؟
بما أننا قد اتفقنا مسبقًا على أن تاريخ كرة القدم بشكلها المتعارف عليه حاليًا في الأغلب قد نشأ في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، إذن يبدو من المنطقي أنه كان هنالك مرجعيات اقتبس منها فتية المدارس الخطوط العريضة للعبة التي هم بصدد ممارستها وقتئذ.
يعتقد أن الرومان قد صدّروا «Harpastum» للإنجليز عند غزو إنجلترا، لكن المهم بذلك الشأن، هو ظهور بعض ألعاب الكرة الجديدة ببريطانيا، متأثرةً بتلك الرومانية، تحديدًا عقب رحيل الرومان عن بريطانيا بالقرن الخامس الميلادي.
حقيقة، يمكن دمج هذه الألعاب غير المنتظمة والفوضوية التي تم لعبها طوال فترة العصور الوسطى، في مصطلح واحد: “كرة القدم الغوغائية”، حيث لم تكن هناك قيود على عدد اللاعبين، سلوك هؤلاء اللاعبين، وغالبًا ما كانت تشارك قرىً بأكملها في المباريات.
كانت إحدى هذه الألعاب تسمى «Shrovetide football»، وتتكون ببساطة من ركل الكرة المصنوعة من مثانة خنزير منتفخة، وكما كان متوقعًا، كانت النتيجة فوضى عارمة، لدرجة أن العديد من ملوك إنجلترا حاولوا حظر مثل هذه الألعاب، فوصفها الملك إدوارد الثاني بالضجيج الذي قد ينشأ عنه العديد من الشرور، بينما أصدر الملك إدوارد الرابع مرسومًا في عام 1477 بأنه لا يجوز لأي شخص ممارسة أي ألعاب غير قانونية مثل كرة القدم لأنها لعبة تتعارض مع مصلحة الوطن.
كيف أثرت إيطاليا على كرة القدم؟
بينما كانت كرة القدم الغوغائية مزدهرة بين الطبقات الدنيا في بريطانيا، كان الأرستقراطيون في عصر النهضة في إيطاليا يلعبون لعبة كرة أكثر حصرية، تسمى «كالتشيو»، وعلى الرغم من أن هذه اللعبة كانت تسمح للاعب بأن يستخدم يده أثناء اللعب، إلا أن الفكرة نفسها -ممارسة النخبة للعبة كرة- أقنعت النخبة البريطانية الزائرة بأن ألعاب الكرة الخاصة بهم لم تكن بغيضة.
بدعم من الطبقة الأرستقراطية، بدأت كرة القدم في الازدهار في المؤسسات التعليمية الخاصة، في الوقت نفسه، بدأت لعبة الرجبي وكرة القدم في الانفصال وتشكيل هويتهما الخاصة، ومنذ ذلك الوقت، ربما بدأت كتابة تاريخ كرة القدم الحديثة، حيث فرض الهيكل الإداري نفسه على اللعبة، وكل ما تبقى هو التدوين الرسمي، الذي تم بالفعل في 1863.
هنا يمكننا أن نتوقف للحظة، ونؤكد أن وصول كرة القدم لإنجلترا لم يكن سوى بعد إقناع الطبقة الأرستقراطية بصلاحيتها بواسطة النخبة الإيطالية، التي طورّت بدورها لُعبة الرومان الخاصة، الذين كانوا قد أضافوا بعض التفاصيل على لعبة الكرة الخاصة باليونانيين القدماء، وهذا يعنى بكل وضوح، أن كل هذه الأشكال البدائية، قد ساهمت في تشكيل تاريخ كرة القدم، وتحويل مسارها من الغوغائية إلى النظام.