تشكل كيفية التعامل مع الشخصية السيكوباتية أزمة في رأس المحيطين به، بغض النظر عن شعور هذه الشخصية الدائم بالاستحقاق وميولها النرجسية، إلا أن المشكلة الحقيقية أثناء التعاطي معها هي رغبتها الدائمة في إيذاء الآخر، سواءً كان الإيذاء نفسيًا أو حتى بدنيًا.
ما هي الشخصية السيكوباتية؟
تعرف الشخصية السيكوباتية في علم النفس على أنها أحد الاضطرابات النفسية المدرجة ضمن قائمة التشخيص الإحصائي للأمراض النفسية، ويعرف في مجال علم النفس بالاعتلال النفسي، ويتميز بشكل عام بعدد من السمات الشخصية البارزة، كاعتقاده بأنه أعلى ذكاءً من الآخرين، الرغبة الدائمة في الإيذاء دون مبرر، عدم القدرة على تبني أية مشاعر إنسانية إيجابية تجاه الآخرين.
وبناءً على رأي عدد كبير من علماء النفس، فالشخص السيكوباتي يتسم عادة ببعض من الصفات التالي ذكرها؛
- عدم احترام القواعد والنظم الاجتماعية، والميل لكسرها.
- المداومة على الكذب.
- انعدام الرؤية وعدم القدرة على التخطيط الجيد.
- عدم الاستقرار في العمل.
- الهروب من الأعباء المفروضة في المدرسة أو المنزل.
- الفشل في السيطرة على الأعصاب والانفعالات.
- السلوك العدائي تجاه الآخرين.
- التصرفات الطائشة والاندفاع غير المبرر.
بينما اقترح عدد لا بأس به من المتخصصين بعلم النفس، أن الشخصية السيكوباتية من الممكن أن تظهر أعراضا مثل؛ الخلل بالعلاقات الاجتماعية خاصةً القريبة، سهولة الانحراف، التهرّب من المسؤوليات، التعالي والتكبُّر، وصولًا إلى الأنانية المفرطة.
كيفية التعامل مع الشخصية السيكوباتية
لإدراك كيفية التعامل مع الشخصية السيكوباتية، يجب علينا مبدئيًا دراسة أبعاد هذه الشخصية، حتى نستطيع أن نفهم مع من نتعامل، وكيف يمكن أن نتعامل معه، رغبةً في الحد من المساوئ المتوقعة نتيجة الاختلاط به.
لذلك أوصى علماء النفس ببعض الأساليب التي يمكن من خلالها التعايش مع الشخصيات السيكوباتية دون التعرض لتهديد فعلي، مثل:
العقل لا العاطفة
يجب على من اضطر لأن يتعامل مع شخص سيكوباتي أن يتحلى بالهدوء، وينحي عاطفته جانبًا، لأن السيكوباتي عادةً يريد أن يفتعل أي موقف يظهر من خلاله كضحية، ومن ثم يبدأ في توجيه اللوم لمن أمامه، بالتالي إن التزم من أمامه بنوع من أنواع الجدية والرسمية ستفشل محاولته تلك دون شك.
التعديل دون الإساءة
لعل أبرز الخطوط العريضة التي يمكن أن يتبعها الجميع، هي مداومة المحاولة على تعديل سلوكيات السيكوباتي، لكن دون أن يشعر أنهم يرونه كشخص سيئ، حتى لا ينفر منهم أو يحاول إيذاءهم، ويمكن الوصول لهذه الصيغة المثالية من التعامل، عبر توضيح حجم الأخطاء التي يرتكبها السيكوباتي وشرحها له باستفاضة بالحسنى وليس الإساءة أو التأنيب.
الحذر
الشخصية السيكوباتية في العموم لا تُعرّف نفسها للآخرين كشخصية شريرة، على العكس تمامًا، فصاحبها يظهر كشخص هادئ ومتسامح، لكن في الحقيقة هذه خدعة ينتهجها أصحاب هذه الشخصية للإيقاع بالضحايا الجدد، بالتالي ينبغي الحذر عند التعامل مع شخص يمتلك أي الأعراض أو الصفات أعلاه.
ضبط النفس
يجب على من يتعامل مع الشخصية السيكوباتية أن ينتبه جدًا لتصرفاته، خاصة في حضرته، لأن السيكوباتي يعشق الصيد في الماء العكر -إن جاز التعبير- بمعنى أنه ينتظر أن يخطئ من أمامه كي يصدر عليه أحكامًا مطلقة، دون تفنيد دوافعه، بالتالي ينصح بأن تفكر مليًا قبل أي تصرف تقوم به أمامه.
لا تجعله يستغلك
من أبرز صفات السيكوباتي كونه شخصًا استغلاليًا، قد يفعل أي شيء من أجل أن يشبع رغباته الشخصية، بالتالي لا بد وأن ينتبه من يتعامل معه خاصة وأنه لا يظهر وجهه الحقيقي في أغلب الأحيان، بل يغلفه بكلمات عذبة، لكن هدفها واحد وهو استغلاله.
إظهار القوة
الشخص السيكوباتي قوي ظاهريًا، لكنه يستمد هذه القوة من ضعف من يتعامل معهم، أو بمعنىً أوضح من خوف الآخرين من تصرفاته التي يغلب عليها طابع الجنون، لذلك يفضل أن تواجهه كشخص قوي، واثق في نفسه، لا يظهر ضعفه أيًا ما كانت الظروف، لأنه يسعى دومًا للسيطرة على من هم أضعف منه، باستغلالهم تارة، وإشباع رغبته في الشعور بالقوة بأخرى، ما قد يحطمهم نفسيًا ويجعلهم تابعين له.
لا تواجه
بشكلٍ عام، يفضل أن يقتصر التعامل مع الشخص السيكوباتي على كونه عن بعد، لكن إذا استلزم الأمر إجراء محادثات وجهًا لوجه، لا يفضل أن تواجهه بعيوبه بشكل مباشر، لأنه أوتوماتيكيًا سيبدأ بالتعدي عليك سواء بالألفاظ أو بالجسد، لأن هذه هي آلية الدفاع المثالية بالنسبة له ضد أي تهديد.
البحث عن الضوء بنهاية النفق
دون شك تعتبر الشخصية السيكوباتية سيئة في العموم، لكن الحقيقة الأخرى هي أن أي إنسان مهما كان سيئًا ومرهقًا من حيث التعامل، يظل يمتلك بعض الإيجابيات في شخصيته، ولعل أبرز النصائح التي توجه للأشخاص الذين يريدون معرفة كيفية التعامل مع الشخصية السيكوباتية هي البحث عن الإيجابيات داخلها من أجل تعزيزها، بدلًا من الانشغال بسلبياتها.
أسباب تكوّن الشخصية السيكوباتية
كحال معظم اضطرابات الشخصية، لم يتوصل علم النفس حتى اللحظة إلى الأسباب الحقيقية للإصابة بالاعتلال النفسي، لكن يرجح بعض العلماء أن الإصابة ما هي إلا نتاج لعدد من العوامل المباشرة وغير المباشرة، مثل:
النوع: يعتقد أن الرجال هم أكثر عرضة لتكون الشخصية السيكوباتية بداخلهم من السيدات.
الوراثة: يرجح العلماء أن الأسر التي تمتلك تاريخًا طويلًا مع المرض النفسي، يكون أفرادها الجدد أكثر عرضة للإصابة بأعراض الشخصية السيكوباتية.
الصدمات: من الممكن أن تقود التنشئة الخاطئة للأبناء، أو الصدمات النفسية الحادة بسن صغير بعض الأشخاص إلى تبني سلوكيات سيكوباتية كآلية دفاع عن النفس.
هل تعالج السيكوباتية؟
بعد أن تعرفنا على كيفية التعامل مع الشخصية السيكوباتية طبقًا للأعراض التي تظهر عليها، يمكن الآن أن نشير إلى أنه في حال فشلت الأساليب المقترحة أعلاه، تظل فكرة العلاج قائمةً لكن ليس بالشكل الكلاسيكي، إذ تتشارك الشخصية السيكوباتية مع غيرها في كونها شخصية مزمنة تظل ملازمةً لصاحبها، لكن ما يمكن لطب النفس فعله هو الحد من الأعراض وتقليل وطأتها على المصاب ومن حوله، عبر طريقتين رئيسيتين:
العلاج النفسي
يتضمن العلاج النفسي للمصاب باضطراب الشخصية السيكوباتية خضوعه لجلسات تدريبية تعرف بالعلاج السلوكي المعرفي، وهو أسلوب نفسي يقوم خلاله الطبيب المعالج بتفهم أسباب المصاب الحقيقية التي تدفعه لتبني أي سلوك سيئ، ومن ثم تدريبه على تعديل هذا السلوك عبر توضيح مساوئه له، وشرح البدائل المتاحة.
عادةً ما تستمر هذه الاستراتيجية العلاجية لفترات طويلة، كما أنها لا تضمن اختفاء السلوكيات السيئة للشخصية السيكوباتية تمامًا، لكن تحد من شدة الأعراض بشكل كبير.
العلاج الدوائي
لا توجد عقاقير بعينها تعالج أي اضطراب شخصي، لكن في بعض الحالات المعقدة يضطر الطبيب النفسي لوصف بعض الأدوية للمريض في بداية رحلة العلاج من أجل تحجيم الأعراض المصاحبة للاضطراب مثل الذهان، الاكتئاب وأحيانًا الإدمان.
في النهاية؛ آخر التوصيات التي يتركها أطباء النفس بخصوص كيفية التعامل مع الشخصية السيكوباتية هي ضرورة عدم منحه الثقة المطلقة، حتى وإن أظهر تحسنًا ملحوظًا، لأنه قد ينتكس بأي لحظة، ويستغل هذه الثقة بأسوأ طريقة ممكنة.