ثقافة ومعرفة

كيف يؤثر نظام الرصيد الاجتماعي على الحياة في الصين؟

يُعتقد أن الفيلسوف الصيني «كونفشيوس» كان أول من أراد تطبيق نظام الرصيد الاجتماعي كفكرة، لكنه أراد بذات الوقت أن تكون البوصلة الأخلاقية للإنسان نابعةً من داخله، لا مفروضة عليه من قبل حُكّامه، حيث كانت فلسفته تتمحور حول ضرورة الحب، حسن المعاملة، الرقة في الحديث والأدب في الخطاب، نظافة اليد واللسان.

ما هو نظام الرصيد الاجتماعي الصيني؟

بغض النظر عن فلسفة كونفشيوس التي تبدو في مجملها أخلاقية لأبعد درجة، وبغض النظر أيضًا عن إقصاء أفكاره عن المشهد تمامًا عقب وفاته بحجة أنها تدفع البشر إلى التخلُّف والنظر إلى الماضي والاقتداء به، بدلًا من التطلّع إلى المستقبل، إلا أنه وبعد قرون، يبدو أنّ الحكومة الصينية وجدت نظامًا يدفع مواطنيها رغمًا عنهم نحو الحفاظ على الأخلاقيات والعادات السليمة، والبعد تمامًا عن تبنّي أفكار وسلوكيات تضُّر بالفرد والمجتمع، ويعرف هذا النظام باسم «نظام الرصيد الاجتماعي».

باختصار؛ يهدف نظام الرصيد الاجتماعي إلى إنشاء نظام موحد بحيث يمكن تتبع الشركات والأفراد والمؤسسات الحكومية وتقييم مصداقيتها، في حين تشير بعض التقارير الأولية إلى أن النظام استخدم الدرجة العددية كآلية للثواب والعقاب للمواطنين الصينيين.

ويدّعي مؤيدو هذا النظام أنه يساعد على تنظيم السلوك الاجتماعي، وتحسين جدارة المواطنين بالثقة، والتي تشمل دفع الضرائب والفواتير في الوقت المحدد لها، بل وتعزيز القيم الأخلاقية التقليدية، بينما يزعم منتقدو النظام أنه يتجاوز سيادة القانون وينتهك الحقوق القانونية للمقيمين والمنظمات، لا سيما الحق في السمعة والحق في الخصوصية والكرامة الشخصية، وأن النظام قد يكون أداة للمراقبة الحكومية الشاملة ولقمع المعارضة من الحزب الشيوعي الصيني، وبين هذا الرأي وذاك، يطفو على السطح سؤال هام؛ ألا وهو كيف يعمل ذلك النظام؟

آلية عمل النظام

نظام الرصيد الاجتماعي
تقييم المواطنين بالدرجات.

طبقًا للوثيقة التي صدرت عن الحكومة الصينية في 2015، فالهدف من نظام الرصيد الاجتماعي الذي يعد جزءًا مهمًا من نظام اقتصاد السوق الاشتراكي ونظام الحوكمة الاجتماعية هو تعزيز فكرة أن الحفاظ على الثقة المتبادلة بين الحكومة وشعبها أمر مجيد وكسر الثقة أمر مخز، وحسب صحيفة «South China Morning Post».

يتم تحديد التصنيف من قبل فريق التخطيط الاقتصادي الصيني، اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح (NDRC)، بنك الشعب الصيني، ونظام المحاكم الصيني، ويستخدم هذا النظام للأفراد، الشركات والمؤسسات الحكومية، بينما يمتلك القطاع الخاص، أنظمة تقييم مشابهة غير حكومية خاصة به يقوم بتنفيذها، عبر استخدام قواعد البيانات الضخمة المتوفرة لدى كل من القطاعين الخاص والعام.

بحلول عام 2020، أعلنت الصين عن خطة تهدف في النهاية إلى أن يكون النظام إلزاميًا وموحدًا في جميع أنحاء البلاد، مع إعطاء كل شخص رمزه الفريد المستخدم لقياس درجة رصيده الاجتماعي الخاصة به، بحيث تتحرك الدرجة الاجتماعية للشخص لأعلى ولأسفل اعتمادًا على سلوكه الشخصي.

كيفية معاقبة المخطئ

نظام الرصيد الاجتماعي
حظر السفر.

حقيقة؛ لم تعلن الحكومة الصينية عن المنهجية الدقيقة لعمل نظام الرصيد الاجتماعي، وتعتبر آلية عمل النظام سريّة للغاية وفقًا للتقارير الصادرة بهذا الشأن، لكن هنالك بعض الأمثلة التي توضِّح المخالفات التي قد يتقلص بسببها رصيد المواطن الصيني الاجتماعي مثل:

  • القيادة السيئة.
  • التدخين في مناطق غير مسموح فيها بالتدخين.
  •  شراء الكثير من ألعاب الفيديو.
  •  نشر أخبار مزيفة على الإنترنت.
  • تهديد الأمن القومي.

لذلك، وبفرض أن مواطنًا صينيًا قد ارتكب إحدى تلك المخالفات التي تتعارض مع نظام الرصيد الاجتماعي، أو غيرها مستقبلًا، فهو مُعرّض للمساءلة القانونية -إن لزمت- مبدئيًا، إضافة إلى عقابه بخفض رصيده الاجتماعي، عبر تقليص امتيازاته كمواطن كامل الأهلية، عن طريق:

حظر السفر

حسب تقرير المركز الوطني للمعلومات الائتمانية الصادر في عام 2018، بدأت الصين بالفعل في معاقبة أصحاب المعدلات المتدنية عبر تقييد سفرهم، بما في ذلك منعهم من الرحلات الجوية من الأساس، حيث حظرت السلطات الأشخاص من شراء الرحلات الجوية 17.5 مليون مرة بحلول نهاية عام 2018.

يضاف إلى ذلك، تضييق الخناق على الخيارات الفاخرة المتاحة، بحيث يحرم المواطن الطالح -طبقًا للنظام- من الحصول على تذاكر قطار (درجة رجال الأعمال)، والبعض الآخر يُحرم من دخول الفنادق الجيدة، وبشكل عام، سيعاقب النظام الركاب السيئين على وجه التحديد، وتشمل الأفعال السيئة المحتملة محاولة الركوب بدون تذكرة أو التسكع أمام بوابات الصعود إلى الطائرة أو التدخين في الأماكن الممنوع التدخين بداخلها.

تعطيل خدمات الإنترنت

وفقًا لراشيل بوتسمان، المؤلفة التي نشرت جزءًا من كتابها حول الأمن التكنولوجي على موقع «Wired» في عام 2017، فإن الحكومة الصينية ستخفض سرعات الإنترنت لدى المواطن صاحب معدلات الرصيد الاجتماعي المنخفضة كعقوبة.

مراقبة المعاملات الائتمانية

وفقًا لمجلة فورين بوليسي، تراقب أنظمة الائتمان ما إذا كان الناس يدفعون الفواتير في الوقت المحدد، تمامًا مثل متتبعي الائتمان المالي، ولكنها أيضًا تعزو بُعدًا أخلاقيًا يمكنه أن يقلص من رصيد المواطن إذا ثبت مداومته على التهرب من دفع فواتيره بوقتها المحدد، بالتالي تتقلص فرصه في الحصول على قروض، أو تسهيلات بنكية في المستقبل، لاعتباره مواطنًا سيئ السمعة.

تقليل الفرص في التعليم

قد تفوت المواطن (سيئ السمعة) أو أطفاله فرصة التقديم في أفضل الوظائف والمدارس، فحسبما ذكرت صحيفة بكين نيوز، أن 17 شخصًا رفضوا أداء الخدمة العسكرية في عام 2017 مُنعوا من الالتحاق بالتعليم العالي أو التقدم للالتحاق بالمدرسة الثانوية أو مواصلة دراستهم من الأساس، بينما حرمت جامعة صينية طالبًا من مكانه لأن والد الطالب كان لديه درجة رصيد اجتماعي سيئة لفشله في سداد قرض.

القائمة السوداء

نظام الرصيد الاجتماعي
تكتيك التشهير العلني.

التسمية والتشهير العلني تكتيك آخر تتبعه الحكومة الصينية، لإجبار المواطنين على الالتزام بنظام الرصيد الاجتماعي، فبموجب إشعار حكومي صدر عام 2016، يتوجب على الشركات الرجوع إلى القائمة السوداء قبل توظيف الأشخاص أو منحهم عقود عمل، ويتم إخطار الأشخاص من قبل المحاكم قبل إضافتهم إلى القائمة السوداء، ويسمح لهم بالطعن على القرار في غضون 10 أيام من استلام الإخطار.

بهذا الصدد، أفادت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بأن لي شياولين، المحامي الذي اعتبر “غير جدير بالثقة” بعد عدم استيفائه لأمر المحكمة في 2015، تم وضعه على القائمة السوداء ولم يتمكن من شراء تذاكر طائرة للعودة أثناء رحلة عمل، كما تم حرمانه من التقدم بطلب للحصول على بطاقات الائتمان.

مكافأة أصحاب المعدلات المرتفعة

نظام الرصيد الاجتماعي
إثابة المواطن الصالح.

حرصًا من الحكومة الصينية على تشجيع مواطنيها للالتزام بالكود الأخلاقي الموضوع مسبقًا، والمراقب من قبل نظام الرصيد الاجتماعي، فمثلما يعاقب صاحب الدرجات المتدنية، يكافأ أصحاب المعدلات المرتفعة أيضًا، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

  •  الأشخاص الذين حصلوا على نتائج جيدة يمكن تسريع طلباتهم الخاصة بالسفر إلى أماكن مثل أوروبا.
  • قالت امرأة مجهولة الهوية في بكين لشبكة «بي بي سي» البريطانية في عام 2015 إنها تمكنت من حجز فندق دون الحاجة إلى دفع وديعة نقدية لأنها حصلت على تقييم مرتفع.
  • أفاد موقع بي بي سي أيضًا بأن «Baihe»، أكبر موقع مواعدة في الصين، يعزز ملامح المواطنين الجيدين.
  • يمكن للمواطنين الذين يتمتعون برصيد اجتماعي جيد أيضًا الحصول على خصومات على فواتير الطاقة، واستئجار أشياء بدون ودائع، والحصول على أسعار فائدة أفضل في البنوك.

يوتوبيا أم ديستوبيا؟

ربما تسعى الحكومة الصينية عبر تطبيقها لنظام الرصيد الاجتماعي إلى فرض حالة من اليوتوبيا على المجتمع، بحيث يصبح مجتمعًا مثاليًا يتحقق فيه الخير والسعادة للناس وتمحى الشرور والعادات السيئة، لكن بنفس الوقت؛ يمكن أن تتحول القصة للنقيض تمامًا، أي الديستوبيا، كما أشار «جورج أورويل» في روايته 1984، حيث سعى النظام السياسي لمقاطعة «أيرستريب» البريطانية -محل أحداث الرواية- لملاحقة وتتبع التصرفات والأفكار الفردية للمواطنين باعتبارها جرائم فكر، حتى وإن لم تكن كذلك.

على كُلٍ تصرّ الحكومة الصينية على أنّ نظام الرصيد الاجتماعي هو الحل الأمثل لإعادة إحلال “الثقة” في التعاملات بين الأشخاص والشركات، إلاّ أنّ الرأي العام منقسم بين مؤيّد ومعارض، أو بمعنى أوضح بين من يراها سعي لليوتوبيا، أو للديستوبيا.

المصدر
مصدر مصدر 1مصدر 2 مصدر 3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى