شائع

هارون الرشيد.. وهل كان “زير نساء” حقا؟

كثير منا يربط بين هارون الرشيد والرجل المزواج متعدد العلاقات النسائية الغارق في اللهو، بناء على ما تصوره لنا وسائل الإعلام والكتب المضللة، وما تبثه من افتراءات وكذب، إلا أن الحقيقة ليست كما تعرض علينا دائما.

هارون الرشيد

هو هارون بن محمد بن عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن عباس الملقب بالرشيد، أمه الخيزران وكان مولده بمدينة الري في سنه 149 هجريًا، وقد بويع بالخلافة ليلة الجمعة في النصف الأول من شهر ربيع الأول سنه 170 هجريًا، ويعتبر الرشيد من أعظم خلفاء الدولة العباسية وأكثرهم شهرة، تقرب منه الشعراء والأدباء، وفي عهده بلغت الدولة العباسية قمة القوة والثروة والأمن فكان وقتها أعظم ملوك الدنيا.

زوجات الرشيد وأبناؤه

تزوج من زبيدة ابنة عمه جعفر ابن أبي جعفر المنصور وذلك في سنه 165 هجريا، في حياه أبيه المهدي ولدت له محمد الأمين، ثم تزوج جارية أم ولد كانت لأخيه موسى فولدت له موسى الهادي، وتزوج من عزيزة بنت الطريف وهي ابنة خاله، وتزوج العباسة بنت عمه سليمان بن أبي جعفر، وكان له مما ملكت يمينه، فتزوج مراجل الجارية وولدت له القاسم وتزوج من جارية تسمى قصف وولدت له المعتصم، وتزوج من أمة زوجته زبيدة وأنجبت له ابنه المأمون.

سياسة هارون رشيد

كانت الدولة العباسية دولة مترامية الأطراف، تمتد من وسط آسيا حتى بلاد المغرب العربي دولة كبيرة تحتاج إلى قياده تتميز بالحكمة، والحزم، وبسط الأمن والسلام بها، وقد كان الرشيد على قدر كبير من المسؤولية، فأنجز هذه المهمة الصعبة رغم صغر سنه.

وقد ساعده في ذلك أنه أحاط نفسه بعدد من الرجال من ذوي الكفاءة والخبرة، ولم تكن حياة الرشيد أبدًا عبثا ولهوا كما صورها البعض، وإنما كان رجلا صالحا يحج عامًا ويغزو عامًا، وقيل إنه كان يصلي في كل ليلة 100 ركعة، ويتصدق من ماله الخاص، ولم ينقطع عن قيادة الجيوش طوال حكمه، فكان يؤمن حدود دولته أو يفتح أرضًا جديدة فكانت حياته جهادا وعبادة، ولم يكن أبدا عابثًا.

كما تميزت سياسة الرشيد، بالعدل في الناس، فقسم بين بني هشام ممتلكاتهم بالعدل، وجمع الخراج (الضرائب حاليًا) على أساس شريعة الله وكلف القاضي أبا يوسف بوضع نظام شامل للخراج باعتباره واحدا من أهم موارد الدولة.

موقف هارون الرشيد من العلويين

حاول الرشيد في الأعوام الأولى من خلافته مسالمة العلويين والعفو عنهم، إلا أنه كان يخشى اثنين منهم فقد فرا عقب موقعة (الفخ) وهما إدريس بن عبدالله الذي نجح في الوصول إلى المغرب الأقصى وكون دولة الأدارسة، أما الآخر فهو يحيى بن عبدالله الذي استقر في بلاد الديلم، وتجمع حوله المتشيعون لأنه من أهل البيت فأرسل إليه الرشيد جيشًا بقيادة الفضل بن يحيى البرمكي لإرجاعه لحظيرة الخلافة، فأرجعهم إلى بغداد بكل حب.

كما أنشأ الرشيد المساجد، والمدارس، والمستشفيات من ماله الخاص، وأصبحت بغداد في عهده قبلة العلماء، وكانت العلاقات بين الرشيد وشارلمان ملك الفرنجة علاقات طيبة، وقيل إنه أرسل إليه هدية ساعة عجيبة ظن الفرنجة أنها مسحورة.

 

نكبة البرامكة

يذكر المؤرخون فيمـا ورد في قصـة هارون الرشيد مـع البرامكـة أنه في بداية عهد الرشيد اهتم بالبرامكة اهتمامًا شديدًا، وتمتعوا وقتها بالسلطان والجاه والنفوذ فتقلدوا أعلى المناصب بالدولة، فقد أوكل إلى يحيى البرمكي بالوزارة وفوضه في إدارة شؤون البلاد، ولقبه بأمير وهو أول من لقب بذلك من الوزراء الفرس في الدولة العباسية، حتى جاء شهر صفر سنه 1887 هـ الموافق شهر يناير 803 م، وقتها أصدر هارون الرشيد أمرًا بسجن البرامكة، ومصادرة كافة أموالهم فيما يعرف بنكبة البرامكة، ومن أسباب هذه النكبة أن الرشيد اكتشف خيانة البرامكة، وقيل إنهم حاولوا نقل الملك من العباسيين إلى العلويين، بل هناك من اتهمهم بنقل الخلافة من العرب إلى الفرس.

هارون الرشيد الخليفة المفترى عليه

شخصية هارون الرشيد شخصية مثيرة للجدل، فقد مدحه المداحون حتى جعلوا منه أعظم ملوك الأرض، وبالغ الشعراء والأدباء في وصفه حتى أصبحت حياته مثلًا لمن يعيش في نعيم وأبهة الملوك، ولكن الحقيقة التي غابت عن الكثير هي أن هارون الرشيد من الخلفاء المجاهدين الحاملين هموم أمتهم ولم يكن يعنى بالترف.

وكان زاهدا تقيا همه الأكبر الجهاد في سبيل الله، فقد ذكر ابن كثير أنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا وسجل انتصارات على الروم، فبلغت الحضارة الإسلامية في عصر الرشيد ذروتها، لذا كانت خلافته العصر الذهبي للدولة العباسية.

بعض أقوال العلماء والمؤرخين

رد ابن خلدون على الكثير من الافتراءات والاتهامات التي طالت سيرة هارون الرشيد ردًا مفحمًا في مقدمته عن الحكايات الملفقة عن شربه للخمر فقال: وما تروي الحكايات عن معاقرة الرشيد الخمر فحاشا لله ما علمنا عليه من سوء، وأين هذا من حال الرشيد؟ محمود بما يجب لمنصب الخلافة من العدل والدين وما كان عليه من مصاحبة لأولياء الله الصالحين والعلماء مثل الفضل بن عائض، وابن السماك وسفيان الثوري، ودعائه بمكة في طوافه، والمحافظة على أوقات الصلاة له، إنه كان صواما قواما ولم يكن الرشيد يشرب الخمر أبدًا، ولم يكن للرشيد أن يقع في محرم من أكبر الكبائر، وقد صحب العلماء والزهاد ولم يحدث أن سمعنا بأن أحدهم نهاه عن هذا الصنيع، وإنما هو محض افتراء أريد به النيل من هارون الرشيد وتاريخه الناصع.

وقال عنه الإمام السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء”: كان أبيض طويلًا جميلًا مليحًا فصيحًا يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام، كثير الغزو والحج، حج تسع مرات.

وذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن هارون الرشيد: “كان يصلي في كل يوم 100 ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم”.

ومن الكتب التي شوهت سيره الرشيد كتاب ألف ليلة وليلة وهي مجموعه قصصية ترجمت من الفارسية إلى العربية واسمها الفارسي الهزار افسان 1000 أي خرافة واسمها نفسه يؤكد أنها قصص خرافية، وليست واقعيه وقد زج باسم الرشيد في بعض هذه القصص بقصد تشويه سمعته.

وفاة هارون الرشيد

توفي هارون الرشيد عن عمر يناهز 45 عاما في عام 193 هجريًا في مدينة طوس (بخراسان).

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى