رياضة

الانهيار الجماعي.. عندما تتعرَّض أندية النخبة لنتائج كارثية

فقد ليونيل الكرة، فأدار ظهره، لم يبذل جهدًا للتكفير عن خطيئته، وكأنّه يعلم تمامًا ما سيحدُث، بدا لا يأبه، أو ربما لأنّه لا يقوى على مشاهدة ما سوف يحدُث بعض لحظات. 

على دكَّة البدلاء، نظر الجميع لبعضهم البعض، يبحث كُل منهم عن تفسير لما يرون. لا، ليس لأن ميسي فقد الكرة في منتصف الملعب، لكن لأنّ بايرن ميونخ في هذه اللحظة كان قد سجل هدفًا سابعًا في مرمى البلوغرانا. سبعة أهداف ضد فريق يُعد من الأفضل في العالم، سبعة أهداف ضد فريق يلعب له أساطير حيَّة. ربما كانت تلك أدنى نُقطة من الممكن أن يصل لها فريق أوروبي كبير. 

ماذا حدث؟ كان هذا هو التساؤل الأهم عقب انتهاء ربع نهائي دوري أبطال أوروبا موسم 2019/2020، والذي انتهى لصالح بايرن ميونخ الألماني بثمانية أهداف مقابل هدفين لبرشلونة. 

ولأن ما حدث في ليلة لشبونة فاق بالفعل كل التوقُّعات، ربما كان من الصعب تحديد سبب وحيد لهذه الكارثة، وهذا ما يُمكن وصفه بـ«الانهيار الجماعي». فما القصة؟ 

شلل 

بمجرَّد أن تحاول مراجعة شريط أحداث أي مباراة كبيرة، بين فريقين من النُخبة، انتهت بفارق ضخمٍ من الأهداف، ربما قد تجد بعض العوامل المشتركة. فمثلًا، نادرًا ما تكون المؤشرات التي تسبق المباراة تُشير إلى حدوث نتيجة ضخمة، وأحيانًا داخل المباراة نفسها قد لا يُعبِّر الفارق الفَنِّي بين طرفي اللقاء عن النتيجة النهائية، بل في بعض الأحيان الأخرى، تكون دقائق معدودة، هي الفارق بين انتهاء المباراة بنتيجة عادية أو نتيجة كارثية. 

«عندما تشاهد فريقك ينهار». كان هذا هو عنوان دراسة بحثية أعدَّها مجموعة من الباحثين من عدَّة دول أروبية لبحث ظاهرة «الانهيار الجماعي» لفرق النُخبة الرياضية. وكانت نتائج البحث بديهية بالمناسبة. 

طبقا، لبعض المدربين واللاعبين، تتعدد أسباب الانهيار الجماعي لفرق النخبة الرياضية. على سبيل المثال، تلعب عوامل مثل: الضغط، قلة الثقة أو الإفراط فيها، التحضير السيء للمباراة من قبل المدرِّب، وغيرها. 

في نفس السياق، ألمح بعض المدربين وخبراء طب النفس الرياضي أنّ لحظة تحوُّل الخسارة من هزيمة عادية لهزيمة بنتيجة كارثية يرجع بالأساس لما وصفوه بـ«اللحظات الحرجة». 

ولأنّ كرة القدم لعبة تتحكَّم في نتائجها عشرات المتغيرات، تختلف اللحظات الحَرِجة باختلاف المباراة وسياقها. فمثلا، قد يتأثَّر الفريق نفسيًا بإصابة أهم لاعبيه خلال المباراة، أو رُبما يفشل اللاعبون في إدارة دقائق ما بعد استقبال هدف نفسيًا، أو حتى يلعب قرار تحكيمي دورًا في إحباط اللاعبين. 

قد تعتقد أن كل ما سبق مجرَّد مبررات، يسوقها لاعب أو مُدرب، لتخطي يوم سيء؛ فمن غير المنطقي أن يفشل زمرة من نخبة الرياضيين من إدارة مشاعرهم لدقائق، لأننا نتحدث أولًا وأخيرًا عن محترفين، يتقاضون ملايين الدولارات، يعمل من خلفهم مئات من المدربين والأطباء والمتخصصين وعلماء البيانات. 

بالتالي، كيف يُمكن أن ينهار هذا النظام النُخبوي في بضع دقائق؟ 

«نُخبة النُخبة»

السؤال الآن: ما الذي يجعل حدثًا مثل خسارة برشلونة بـ8 أهداف، أو ريال مدريد بـ6 أهداف استثنائيًا؟ 

هذا ما حاول «ميجيل ديلايني»، صحفي إندبندنت البريطانية الإجابة عنه خلال تحقيق أجراه عام 2020 والذي جاء بعنوان: «كرة القدم كُسرت بطريقة لا يُمكن إصلاحها». 

فكرة ديلايني الأساسية كانت البحث عن السبب الحقيقي لندرة المُعجزات في كرة القدم الحالية؛ تحقيق ليستر سيتي موسم 2015–2016 للقب البريميرليج كان حدثًا استثنائيًا، صرَّح أحد مسؤولي الأندية الكبرى في إنجلترا أنه لا يجب أن يصبح مشهدًا معتادًا، فالجماهير، حسب رأيه، ترغب في مشاهدة الفرق الكُبرى تفوز، وأي إخلال بهذا النظام القائم لمصلحة المفاجآت الرومانسية قد يضُر اللعبة. 

في آخر 20 عامًا، احتضنت كرة القدم الرأسمالية، وظهرت الأندية فائقة الثراء، التي أصبحت معزولة ماديًا عن باقي الأندية لدرجة أنّها أصبحت تفوز بالمباريات أكثر من أي وقت في تاريخ كرة القدم، بأهداف أكثر، مُحطمة أرقام قياسية أكبر. 

فمثلًا، ارتفعت نسبة فوز الـ4 الأغنى في إنجلترا بفارق أكبر من ثلاثة أهداف لـ21% من مبارياتها في آخر عقد، وفي إسبانيا وصلت نسبة تحقيق ريال مدريد وبرشلونة للفوز بنفس النتيجة لـ37% من المباريات. 

بمعنىً أوضح، أصبحت أندية النخبة الأوروبية أكبر من أن تُهزم، أو كما وصفها جوناثان ويلسون، مؤلف كتاب الهرم المقلوب، أكبر من الفشل. وعند هذه اللحظة تحديدًا، تبدأ الأزمة الكُبرى؛ هذه الأندية مُصممة لكي تفوز، بل لتحقق نتائج عريضة. لكن في يوم سيء، قد يصبح هذا الإرث عبئا أكثر من كونه دافعًا. 

الانهيار الجماعي.. عندما تتعرَّض أندية النخبة لنتائج كارثية

شخصية البطل 

لفترة طويلة كان هناك موضوع مقلق يشغل رأسي عندما أحلل أنماط رياضة النخبة. عندما أنظر إلى الفرق الكبرى، يبدو لي أن عظمتها يمكن أن تتحوَّل إلى «كعب أخيل» الذي قد يجعلها تنهار. (مانيل إستيارتي، لاعب كرة الماء الإسباني ومساعد بيب جوارديولا). 

يرى مانيل، الذي يُعد أحد أنجح الرياضيين الإسبان، أنّ أندية النُخبة لم تعُد تبتلع مفهوم الهزيمة، فمع ضخامة الفجوة بين هذه الأندية ومنافسيها أصبحت الخسارة حدثًا نادرًا، يفشَل الجميع في التفاعُل معه. 

تحدُث المفاجأة بالفعل حين يضطر فريق كبير لمواجهة فريق كبير آخر في يوم سيء، يُسجِّل أحدهم، لتشاهد الآخر ينهار بشكل غير متوقَّع. بالطبع، تتذكَّر عدّة مباريات سارت بمثل هذا الترتيب. سباعية ألمانيا ضد البرازيل في كأس العالم 2014، سداسية البارسا أمام الريال في 2008، وبالطبع ثمانية بايرن ميونخ أمام برشلونة في 2020. 

طبقا لإستيارتي، القصّة مفسرة، أندية النخبة لا تدخُل أي مباراة وهي تتوقَّع الخسارة، وهذا لا يعني قلة احترام المنافس، لكن جَرَت العادة أن تفوز مثل هذه الأندية. لكن أمام منافس من النُخبة، وبمجرَّد التأخُّر بهدف، يبدأ الفريق في محاولة استرجاع هيبته التي جُرحت، دون التفكير بجدّية في احتمالية انعدام التوفيق في هذه المباراة تحديدًا، بالتالي، يندفع الجميع محاولًا تعديل النتيجة، ليُصدم بهدف ثانٍ ثم ثالث، ثم ينفرط العقد. 

بالطبع يبدو ذلك تعميمًا، فكثير من أندية النخبة نجحت عبر تاريخ كرة القدم الحديثة نجحت في إدارة هذه الدقائق الصعبة. لكن العامل المُشترك بين كل النتائج الثقيلة التي تعرضت لها أندية النخبة، هو أن الفريق يتلقى 3 أو 4 أهداف متتالية خلال فترة وجيزة من عمر اللقاء. 

يحكي إستيارتي واقعة حضرها بشكل مباشر حين كان مساعدًا لبيب جوارديولا في بايرن ميونخ. في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2014 حين واجه الباڤاري ريال مدريد الإسباني. كانت مباراة الذهاب قد انتهت بهدف نظيف للنادي الملكي، وقتئذٍ عادت بعثة الفريق الألماني للديار محملة بخيبة أمل، خاصةً وأنهم كانوا يعتقدون أنّهم قدموا مباراة جيِّدة. 

في مباراة العودة، على ملعبهم «أليانز آرينا»، هدف واحد يعني تعادُل الكَفّة، بالتالي، القرار الأرجح هو تسيير المباراة، ومحاولة خطف هذا الهدف، صحيح؟ 

صحيح، لكن ليس في حالة «بايرن»، الذي ‑كغيره من أندية النخبة- لم يعتد الدخول بعقلية الطرف الأضعف. وهذا التفكير المُتطرف الذي يهدف لسحق المنافس، جعل من فكرة تقبُّل هذف في شوط المباراة الأول مُستحيلًا، ومع الفشل في إدارة المشاعر تلقى الفريق هدفًا ثانيًا، لتُصبح مهمة العودة مستحيلة، أمام منافس من النخبة مثل ريال مدريد، ليشاهد جوارديولا فريقه ينهار أمام ناظريه دون أن يستطيع هو ومساعديه إدراك ما يحدث. 

ربما هذا هو التأثير غير المباشر للرأسمالية على أندية النخبة في كرة القدم، التي لا تُعد الهزيمة كلمة متاحة في قاموسها، لكن في ليلة سيئة، يحدُث الاستثناء. 

المصادر: 

1- بايرن 8، برشلونة 2. النهاية (نيويورك تايمز)

2- عندما تشاهد فريقك ينهار. «تصورات حول أسباب انهيار فريق الرياضة الجماعية» 

3- كيف أصبحت كرة القدم الحديثة مكسورة بشكل لا يمكن إصلاحه؟ (إندبندنت) 

4- بيب جوارديولا: التطور 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى