ثقافة ومعرفة

عمر مكرم.. الشيخ المجاهد والشريف الثائر

عمر مكرم بن حسين السيوطي.. هو أحد أهم الزعماء الشعبيين في مصر في القرن الـ19، وقد ولد في محافظة أسيوط عام 1750م، وتلقى تعليمه بالأزهر الشريف، وحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى القاهرة لدراسة التفسير والفقه والحديث وعلوم اللغة والنحو.

نشأ عمر مكرم في أسرة من الأشراف، وللأشراف مكانة لدى المصريين لنسبهم المباشر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عام 1793م تولى نقابة الأشراف في مصر كلها، وقد قاوم عمر مكرم هو وكبار الدين الوالي خورشيد باشا ونجحوا في خلعه في مايو 1805م، كما قاوم الفرنسيين أيضا في ثورة القاهرة الثانية سنة 1800م.

عمر مكرم.. الشيخ المجاهد والشريف الثائر

عمر مكرم مجاهدا

كان لعمر مكرم بحكم دراسته الأزهرية مكانة بين جموع الشعب المصري، وفي أواخر عام 1209هـ/1795م استنجد الشعب المصري بالأزهر ومن شيوخه عمر مكرم بسبب كثرة فرض الضرائب والظلم الواقع عليهم، وبعد مفاوضات عدة مع العلماء رضخ إبراهيم ومراد بك وقاما برفع الضرائب عن الشعب، ومنذ ذلك الوقت تميزت حياة عمر مكرم بالجهاد المستمر ضد الاحتلال الأجنبي بالإضافة إلى النضال ضد ظلم الولاة في الداخل، وعندما اقترب الفرنسيون من القاهرة عام 1798م قام عمر مكرم بتحفيز وتشجيع الجماهير للقتال بجانب جيش إبراهيم باشا ضد الفرنسيين.

رغم المقاومة المستميتة سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين فقرر مكرم السفر إلى الخارج، ثم لم يلبث أن عاد مرة أخرى إلى القاهرة ليشارك المصريين في ثوراتهم ضد الاحتلال الفرنسي عام 1800م، ونظرا لدوره الرئيسي في هذه الثورة قام قادة الاحتلال بمطاردة مكرم إلى خارج البلاد ومصادرة أملاكه لكنه لم يغب عن مصر طويلا، فقد عاد مباشرة بعد رحيل المحتل الفرنسي عام 1801م.

ومن مواقف مكرم المشهودة أنه دعا الأزهريين والشعب المصري لحمل السلاح والتأهب والجهاد ضد الإنجليز، ولم ينظر للأزهريين أنهم رجال دين وعلم فقط ولكن رجال جهاد وقتال ودفاع عن الأوطان، وطالبهم بترك الدروس والخطب والذهاب للجهاد وبث روح المقاومة بين طبقات الشعب كله.

عمر مكرم ثائرا

 

استمر عمر مكرم في مقاومة الاستبداد والظلم الداخلي وذلك بعد رحيل الاحتلال الفرنسي، ففي عام 1804م قاد النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك، وكذلك ضد سيطرة الوالي خورشيد باشا في عام 1805م.

كانت البداية في مايو 1805م حيث عمت الاعتراضات في كل أنحاء مصر احتجاجا على فرض الضرائب الباهظة والتمييز المستمر ضد المصريين من قبل الوالي خورشيد باشا فاجتمع رجال الدين بالأزهر ودعوا إلى عصيان عام توقفت على إثره النشاطات التجارية عن العمل، وتوقف العلماء عن إلقاء الخطب والمواعظ بالمساجد ونزل الجماهير إلى الشوارع وبدأت المفاوضات مع خورشيد باشا للرجوع عن أفعاله.

طالبت الجماهير بخلع الوالي خورشيد باشا بعد أن باءت كل المفاوضات بالفشل، وقد قام عمر مكرم ومجموعة من الزعماء برفع الأمر إلى المحكمة الكبرى وقدموا لها صورة من مظالمهم، وطالبوا بألا تفرض عليهم ضرائب إلا إذا أقراها العلماء والأعيان، وأن يتم جلاء جنود الوالي المقربين عن القاهرة، وألا يسمح بدخول الجنود مسلحين إلى المدينة.

قرر الزعماء ومعهم عمر مكرم في يوم 13 مايو في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين محمد علي بدلا منه، واشترطوا على محمد علي السير بالعدل وإقامة الأحكام والشرائع والإقلاع عن المظالم، وألا يقدم على أمر إلا بمشورة العلماء، وأنه متى خالف هذه الشروط حينها لهم الحق في عزله.

لم يهنأ الشعب المصري بنجاح ثورته ضد الوالي الظالم حتى جاءت حملة فريزر الإنجليزية في عام 1807م، وقد كان محمد علي منشغلا بقتال المماليك بصعيد مصر، فقام مكرم بتنظيم المقاومة الشعبية والتصدي للجيش الإنجليزي، وبالفعل عادت الحملة الإنجليزية مهزومة من حيث أتت، وبذلك يكون عمر مكرم شارك الشعب المصري في هزيمة أكبر قوتين غازيتين وهما الحملة الفرنسية وحملة فريزر الإنجليزية.

وفاة عمر مكرم

بعد أن ذاع صيت عمر مكرم وأصبح بيده الحل والعقد والأمر والنهي والمرجع في الأمور الكلية والجزئية، رجع محمد علي من الصعيد وطلب من مكرم ترك الجهاد للجيش وقام بفرض الضرائب على الشعب فساءت العلافة بينهما، وقال مكرم متحديا محمد علي قائلا: «كما أصعدته للحكم فإني قدير على إنزاله منه»، فقام محمد علي بنفيه مرتين خارج البلاد واستمر نفيه ما يقرب من 10 سنوات وذلك خوفا من شعبية مكرم والتفاف الشعب حوله.

ظل مكرم مجاهدا ضد الظلم حتى توفي في عام 1237هـ/مارس 1822م، وبموته تنتهي مرحلة من أهم مراحل مصر الحديثة تم فيها إجهاض عمل من أهم الأعمال التي مرت على ديار العرب في القرنيين الأخيرين، ألا وهي مشاركة العلماء الحكام في إدارة شؤون العامة وتوجيههم، ومشاركة العلماء في اختيار الحكام والولاة.

المصدر
طالع الموضوع الأصلي من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى