رياضة

غرفة الانتقالات.. كيف ألهمت تطبيقات المواعدة كرة القدم؟

ماذا يعني الموعد الغرامي الأول المثالي بالنسبة لك؟ دعنا نُحاول التفكير نيابة عنك. ربما تقوم بحجز طاولة مفروشة بالشموع بأحد أفخم مطاعم المدينة التي تقطن بها، جمع الكثير من المعلومات حول الطرف الآخر حتى لا تُمضي وقتك محملقًا في الطعام، والأهم هو أن تحاول أن تتصرَّف بتلقائية وصراحة قدر المستطاع طمعًا في تكرار هذا الموعد. صحيح؟ 

بعد مرور ساعات، تتلقى رسالة نصيةً مفادها أن طرف اللقاء الآخر وجدك لطيفًا، يتمنّى تكرار هذه المناسبة، ولم لا أخذ خطوة أكثر جدّية بهذه العلاقة. 

في الواقع، ليست المواعيد الغرامية وحدها ما تسير وفقًا لهذا النمط؛ في قاعة ما بهذا العالم، يجلس مجموعة من مسؤولي أندية كرة القدم، في جلسات أشبه بالمواعيد الغرامية لدراسة إمكانية بيع وشراء لاعبي فرقهم، بعد أن وصلوا إلى بعضهم البعض عن طريق منصة إلكترونية أشبه بمواقع التعارُف. 

مرحبًا بك، نحن الآن في عصر (غرفة الانتقالات- Trans­fer Room)؛ المنصة التي قد تمثِّل ثورة جديدة في انتقالات كرة القدم العالمية. 

ابق في المنزل

كرة القدم

بنهاية عام 2019، ضرب فيروس كورونا (Covid-19) العالم؛ وقتئذٍ، أدرك معظم البشر أنّ بإمكانهم التنازُل عن بعض الرفاهيات، فيما عانى البعض الآخر من محدودية الدخل بسبب الركود الذي أصاب العالم. 

يقول كريستيان والتر، المدير الفني لنادي دينامو دريسدن الألماني، أنّ جائحة كورونا كانت بمثابة صفعة على أوجُه صناع القرار بقطاع كرة القدم؛ فعلى الرغم من كونها صناعة ضخمة، لا يزال من الجنون أن يدفع ناديًا 200 مليون يورو مقابل الحصول على خدمات لاعب كرة قدم، في حين أنّ بعض من سكان نفس المدينة لا يمكنهم الحصول على قوت يومهم. 

تبدو نظرة مثالية لهذا العالم بالفعل. لكن إذا ما قمنا بالنظر للأمر بشكل أشمل، فتقنين النفقات داخل الأندية أو المؤسسات بشكل عام ما هو إلا ذكاءٍ. وفي حالة كرة القدم، كان الذكاء أن تحاول الأندية تقليص نفقاتها لأقصى حدٍ. 

في يونيو 2020، دخل ما يدنو من 250 مسؤولا في أندية كرة قدم من خمس قارات في اجتماع عبر الإنترنت. كان الاجتماع الذي امتد لساعات عبارة عن جولات مواعدة ثنائية سريعة، هدفها عرض لاعب للبيع أو الإعارة، أو تقديم طلب لاستعارة أو شراء لاعب، أو حتى بحث سبل التعاون بين طرفي اللقاء. يمتد اللقاء لمدة 10 دقائق، ثم يبدأ مسؤولان آخران في اجتماع جديد. 

كان هذا الحدث الضخم تحت رعاية منصة (Trans­fer Room)، والتي تسمح للأندية بإجراء صفقات انتقال وإعارة عبر الإنترنت، مقابل اشتراك شهري يتراوح بين 165 و 2500 جنيه إسترليني. 

يتيح الموقع الذي بدأ في العمل فعليًا منذ عام 2017 للأندية معرفة اللاعبين المتاحين للبيع أو الإعارة عن طريق الرسائل المباشرة بين الأندية دون حاجة لوسيط. 

أزمة العمولات 

كرة القدم

طبقا لبيانات الفيفا، أنفقت أندية كرة القدم عام 2018 نحو نصف مليار جنيه استرليني على عمولات وكلاء ووسطاء الانتقالات الدولية، بزيادة بلغ قدرها 20% عن العام الذي سبقه. 

يخبرنا جوناس أنكرسين، مؤسس منصة (Trans­fer Room)، أنّ هذا بالتحديد كان هدفه من إطلاق منصته، وهو إعادة سيطرة الأندية على سوق الانتقالات. 

منذ الجائحة، تعمل أندية كرة القدم على تخفيض نفقاتها، ومن ضمن هذه النفقات بكل تأكيد هي الميزانيات التي توضع رهنًا للانتقالات. لا يعني ذلك أن أندية النخبة تتقشَّف، وإن كان ذلك مبررًا، لكن يعني فقط محاولة تجنُّب بعض المصروفات النثرية. 

 أحد فوائد هذه المنصة هي أن بعض الصفقات يمكن أن تنتهي بشكل أسرع، ليس عليك الاتصال بثلاثة أو أربعة أو خمسة وكلاء. يمكنك الذهاب مباشرة إلى النادي. إذا كنت بحاجة إلى لاعب وليس لديك اتصال مباشر مع النادي، فإن الوكيل لديه السلطة. سيقول: سأحاول العمل على الصفقة لكنني بحاجة إلى المال، لذلك يوفر فتح قناة مباشرة بين الأندية التي تتفاوض بعض المال. 

مدير رياضي لأحد الأندية الأوروبية لجارديان البريطانية. 

استمرت هذه المنصة في تقديم خدماتها للأندية الأوروبية حتى وصلنا عام 2023، حيث أصبحت تضم 650 ناديًا من مختلف القارات، مع قاعدة بيانات ضخمة، سهلّت طبقا لموقع «ذي أثلتيك» إنهاء نحو 3000 صفقة في 6 سنواتٍ، بين مغمورة ومتوسطة وأحيانًا كان أحد طرفي الصفقة من النُخبة الأوروبية. 

مع ازدياد الثقة في المنصة، ارتفع عدد الاشتراكات، بالتالي ارتفع مقابل الخدمة، الذي وصل لـ60 ألف جنيه استرلينيفي 2023. 

ثورة ما بعد الأزمة

كرة القدم

في 2023 عُقد اجتماع داخل أحد الفنادق الأوروبية الفخمة، على عكس اللقاء السابق عبر الانترنت، اجتمع مسؤولو مجموعة من الأندية حول العالم على 135 طاولة في جلسة شفّافّة، تعرف بـ«زرع البذور». 

 

زرع البذور هي الجلسة التي يقوم فيها مسؤول نادٍ ما بعرض اللاعبين المميزين الذين تضمهم قائمة ناديه، والذين هم أقرب للخروج من الاستمرار داخل الفريق. وعلى الجهة المقابلة، يستعرض المسؤول الآخر احتياجات فريقه، واللاعبين الذين تضعهم الإدارة الرياضية بعين الاعتبار. وبعد انتهاء هذه الجلسة عادة يتوصل الطرفان لصيغة تفاهُم مبدئية، ومن ثم تتم عملية التفاوض بين الناديين بشكلٍ طبيعي. 

 

ما يجعل هذه الفكرة على بساطتها ثورية، هو أن المسؤول الواحد الذي ربما تحمَّل عمال السفر لساعات طويلة من أمريكا الشمالية لأوروبا لم يعُد خالي الوفاض؛ لأنّه استغل مثل هذا الاجتماع في إجراء نحو 25 جلسة تفاوض وجمع للبيانات مع مسؤولي مختلف الأندية. 

 

بحسبة بسيطة، هذه الرحلة توفِّر وقتًا ومجهودًا استثنائيًا، كما أنّها تضع أمام النادي مجموعة متنوعةً من الخيارات المادية والفنية المتاحة بمنتهى الشفافية. 

 

 

المصادر: 

 

1- داخل (Trans­fer Room) — ذي أثلتيك. 

 

2- تتحول أندية الدوري الإنجليزي الممتاز إلى طرق المواعدة عبر الإنترنت في سوق الانتقالات — غارديان البريطانية.

 

3–  داخل ثورة الانتقالات في كرة القدم — سكاي سبورتس. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى